الحكم على القيادي العوني فايز كرم بتهمة التعامل مع إسرائيل يعمق الأزمة السياسية في لبنان

مصدر قضائي لـ «الشرق الأوسط» : الحكم قانوني 100%

TT

شكل الحكم الذي أصدره القضاء العسكري، أول من أمس، بحق القيادي البارز في التيار الوطني الحر، العميد المتقاعد فايز كرم، والذي قضى بسجنه سنتين مع الأشغال الشاقة وتجريده من حقوقه المدنية، بعد إدانته بالتعامل مع الموساد الإسرائيلي، صدمة لدى قيادة التيار العوني وكوادره ونوابه وسياسييه الذين كانوا يترقبون إعلان براءته، ويتحضرون لاحتفالات ومسيرات سيارة وإطلاق مفرقعات، الأمر الذي دفع بهؤلاء إلى شن حملة سياسية عنيفة على المحكمة العسكرية وعلى القضاء برمته وعلى قوى الأمن الداخلي وفرع المعلومات، واصفين هذا الحكم بأنه «حكم سياسي جاء ليغطي تجاوزات فرع المعلومات». في حين رأى نواب في كتلة المستقبل، أن «الحكم جاء مخففا لأن فايز كرم عميل مدعوم الجوانب ومسنود الظهر من تياره السياسي ومن حليفه الأقرب، حزب الله، الذي انتهى شاهدا في صفقة كرم».

وكانت المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد الركن نزار خليل، أصدرت حكمها ليل أول من أمس بحق فايز كرم، فأنزلت بحقه عقوبة الأشغال الشاقة مدة ثلاث سنوات، ثم خفضتها إلى الأشغال الشاقة لمدة سنتين، وجردته من حقوقه المدنية، كما قضى الحكم بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة مدة 15 سنة بحق المتهم الفار إلياس كرم وتخفيضها إلى الأشغال الشاقة 10 سنوات بعد إدانته بالتهمة نفسها.

وأفادت حيثيات الحكم الذي صدر بإجماع أعضاء هيئة المحكمة، بأنه «ثبت أن الضابط المتقاعد فايز وجيه كرم، ومن خلال اعترافاته في التحقيقات الأولية والاستنطاقية وأمام هيئة المحكمة أنه تعرف في عام 1982 على حاجز للإسرائيليين في بلدة عاريا (جبل لبنان) على الضابط الإسرائيلي موسى، كما أنه تمت محاكمة المتهم كرم في وقت سابق بجرم تحضير عمليات أمنية للإخلال بأمن الدولة قبل أن يلتجئ إلى بلدة بكاسين الجنوبية التي كانت واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، قبل أن ينقله المتهم الفار إلياس كرم إلى إسرائيل، حيث مكث هناك لأيام، وانتقل منها إلى قبرص ومنها إلى باريس، حيث بقي فيها حتى عام 2005».

وقالت حيثيات الحكم «لقد ثبت أن فايز كرم استخدم أرقاما دولية نمساوية وبلجيكية وألمانية، وبنتيجة التحاليل الفنية التي أجراها فرع المعلومات، فإن هذه الأرقام اتصلت بأرقام مشبوهة أمنية إسرائيلية، كما أن المتهم أرسل من هاتفه اللبناني إلى الرقم المشبوه رسالة يبلغه فيها بأنه سيجري مقابلة على تلفزيون (المنار)، كما أنه في أواخر عام 2005 تلقى اتصالا من الرقم المشبوه، وتبين بحسب اعترافاته أن المتصل هو الضابط الإسرائيلي رافي الذي طلب منه أن يوافيه إلى باريس، ومن خلال حركة خروج ودخول المتهم تبين أنه غادر إلى باريس وتواصل مع رافي الذي سلمه خطا نمساويا، وتبين أنه كلما تسلم كرم خطا أمنيا جديدا يقوم بتلف الخط القديم، وأن الهدف من التواصل مع رافي الذي كان يحصل مرة كل ثلاثة أشهر هو تجنيده للتعامل مع إسرائيل من دون أن يخبر أحدا بذلك. واتضح بعد كشف شبكات العملاء إقدام المتهم على إتلاف الخطوط الدولية».

وعلق مصدر قضائي على هذا الحكم، فأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الحكم ومن خلال قراءة موضوعية يتبين أنه ارتكز إلى أدلة واعترافات، وجاء معللا بشكل جيد في وقائعه وحيثياته، مما يثبت أن هيئة المحكمة العسكرية أشبعت الملف درسا وتمحيصا ومناقشة معمقة لكل الاعترافات ولكل النقاط القانونية التي أثارها الفرقاء، وخاصة جهة الدفاع». واعتبر أن «المادة 278 من قانون العقوبات التي حكم على أساسها على فايز كرم تنص على أن عقوبة الأشغال الشاقة ما بين 3 سنوات و15 سنة، وأن المحكمة ارتأت أن تحكم عليه بالحد الأدنى من هذه العقوبة أي الأشغال الشاقة ثلاث سنوات ثم خفضتها إلى السنتين بالنظر لوضع المتهم الصحي». وإذ رأى أنه «كان بالإمكان أن يحكم على كرم بعقوبة أشد مقارنة مع أحكام صدرت بحق عملاء في ملفات مشابهة».

ولفت المصدر القضائي إلى أن «المحكمة العسكرية كأي محكمة أخرى لديها سلطة استنسابية في تخفيف العقوبة أو تشديدها وفق القناعة الوجدانية التي تكونت لديها، لكن هذا الحكم يثبت جدارة المحكمة العسكرية وقدرتها على تجاوز الضغوط السياسية الكبيرة التي أحاطت قضية كرم، وبالتالي فإن هذا الحكم يسجل لها لا عليها»، جازما بأن «هذا الحكم قانوني قضائي مائة في المائة، بغض النظر عن الانتقادات الآتية من فريق المحكوم عليه أو من خصومه».

وفي التداعيات السياسية لهذه القضية، اعتبر عضو تكتل التغيير والإصلاح، النائب إبراهيم كنعان، أن «الحكم الذي صدر بحق العميد فايز كرم باطل لأنه بني على باطل»، لافتا إلى أن «مديرية قوى الأمن الداخلي أشارت في البدء إلى أنه لم يكن يوجد تحقيقات مسجلة مع كرم، ثم قالت بعد ذلك إنها أتلفت التسجيلات بعد 15 يوما من التحقيق معه»، سائلا «هل يعقل أن نصدق هذا الأمر؟»، مشيرا إلى أنه «تبين أن ليس هناك أي تسجيل يظهر أي مكالمة مباشرة أو غير مباشرة تثبت التعامل»، معتبرا أن «مسؤولية فرع المعلومات كبيرة في هذا الأمر لأنه لم يعرض التحقيقات أمام المحكمة». وقال، إن «التحقيق الأولي في لبنان مشكوك فيه منذ 20 سنة».

من جهته، رأى عضو كتلة المستقبل، النائب عقاب صقر، أن «الحكم الذي أصدره القضاء العسكري في حق العميل فايز كرم أظهر فضيحة مزدوجة، فمن ناحية أكد حكم السنتين مع الأشغال الشاقة أن جرم العمالة منطبق على كرم خلافا لكل تصريحات النائب ميشال عون وجماعته، ومن ناحية أخرى انكشف حجم الاستنسابية في التعامل مع ملف على هذا القدر من الخطورة، إذ نال زملاء كرم ممن ارتكبوا جرم الاتصال بالعدو وتقاضي أموال منه، أو حتى أقل من ذلك، أحكاما تراوحت ما بين السبع سنوات والمؤبد».