إسرائيل تشهد أضخم مظاهرات في تاريخها ضد سياسة نتنياهو

من شعارات المتظاهرين: «نتنياهو ارحل».. «الحكومة ضد الشعب والشعب ضد الحكومة»

مسيرة حاشدة أمام الكنيست الإسرائيلي احتجاجا على ارتفاع تكاليف المعيشة (إ.ب.أ)
TT

صدمت الجماهير الإسرائيلية حكومة بنيامين نتنياهو، الليلة قبل الماضية، حينما خرجت في عدة مظاهرات بلغ عدد المشاركين فيها وفقا لإحصائيات الشرطة نحو 430 ألف نسمة، مبددة بذلك الآمال التي بنتها الحكومة بأن تخمد نيران الاحتجاج على السياسة اقتصادية الاجتماعية، بفضل التوتر الأمني في الجنوب والأزمة مع تركيا ومواجهة المشروع الفلسطيني في الأمم المتحدة. فقد أثبت قادة حملة الاحتجاج أن معركتهم ضد سياسة نتنياهو وسياسة الحكومات السابقة جميعها، هي حملة صادقة تمثل أوساطا واسعة جدا من المجتمع الإسرائيلي، وفي المقدمة منه الشرائح والطبقات الوسطى والفقيرة. وكما قالت دفني ليف، من أوائل المبادرين إلى الاحتجاج، في خطابها أمام المتظاهرين في تل أبيب: «حرضوا علينا بشكل شخصي فردي وجماعي، قالوا إننا مجموعة من الفوضويين الذين نجحوا بشكل مؤقت، في استدرار عواطف الناس وستخمد ثورتهم بعد حين. قالوا إننا يساريون معادون للحكومة ولسنا ممثلين عن الجمهور. ولكننا نثبت اليوم أننا نابعون من الشعب ونمثل الشعب ولن يستطيع أحد أن يتجاهلنا ولن يستطيع رئيس الحكومة أن يتجاهلنا».

وكانت مظاهرات هذا الأسبوع قد دخلت في تحد كبير، كونها جاءت في أوضاع سياسية ملتهبة. فالجمهور في إسرائيل، الذي يصوت بغالبيته الساحقة لأحزاب اليمين، يغلب دائما القضايا الأمنية والسياسية والعسكرية؛ فقبل أسبوعين، بدا أن حملة الاحتجاج قد خبت، بعد أن تسللت مجموعة من المسلحين من سيناء المصرية وقتلت سبعة إسرائيليين. ثم تلاها نشطاء الجهاد الإسلامي ولجان المقاومة الشعبية في قطاع غزة بإطلاق أكثر من 150 صاروخا باتجاه البلدات الإسرائيلية. وسمعت يومها أقوال بين المحتجين بأن «المسلحين الفلسطينيين جاءوا بالفرج لحكومة نتنياهو». ومع اقتراب البحث في الأمم المتحدة حول الاعتراف بفلسطين دولة، زادت آمال حكومة نتنياهو بأن تتوقف حملة الاحتجاج، حيث إن «الحكومة تواجه العدو العربي الخارجي»، وزادت هذه الآمال أكثر مع تفجر الأزمة الإسرائيلية التركية.

وقد أدرك قادة حملة الاحتجاج أنهم يواجهون خطر الفشل، خصوصا أن عددا من القاطنين في خيام الاحتجاج المنتشرة بالألوف في جميع أنحاء البلاد، بدأوا يطوون هذه الخيام ويعودون إلى بيوتهم، فحاولوا تنظيم رد بمقدار التحدي ورفعوا شعار «مظاهرات مليونية»، على نمط المليونيات العربية في ميدان التحرير في القاهرة. وقد أجمع المراقبون على أنهم يطلبون المستحيل. وأنه في حال وصول 300 ألف متظاهر إلى الميادين، كما حصل قبل ثلاثة أسابيع، أي قبل التدهور الأمني، فإن ذلك سيكون انتصارا كبيرا لهم.

وفاجأ الجمهور الإسرائيلي الجميع، إذ تقاطر المتظاهرون من كل حدب وصوب. فبلغ عددهم في تل أبيب وحدها نحو 300 ألف. ووصل إلى القدس نحو 60 ألف متظاهر. ووصل إلى بلدات الشمال نحو 100 ألف، توزعوا على مظاهرات عدة في حيفا والعفولة وقريات شمونة وروشبينا ونهاريا وغيرها. وبلغ مجموعهم حسب المنظمين 460 ألفا، وحسب الشرطة 430 ألفا. وفي الحالتين، يعتبر هذا أضخم عدد من المتظاهرين في تاريخ إسرائيل (أكبر مظاهرة حتى هذه الليلة كانت مظاهرة الاحتجاج ضد مجازر صبرا وشاتيلا، التي جرت قبل 29 سنة في ساحة رابين في تل أبيب).

وقد تميزت هذه المظاهرات ليس فقط بالعدد الضخم، بل أيضا بتركيبة الحضور: يهودا وعربا، علمانيين ومتدينين، يساريين ويمينيين، اشكناز وشرقيين، مصوتين لكل الأحزاب، مواطنين من كل الأجيال. وارتفعت فيها شعارات مميزة ضد الحكومة ورئيسها بنيامين نتنياهو، مثل: «نتنياهو كذاب مخادع منسلخ عن الجمهور»، و«الحكومة ضد الشعب والشعب ضد الحكومة»، و«نتنياهو أنت مفصول»، و«نتنياهو ارحل». وشارك فيها مجموعات من المثقفين والفنانين المميزين، بينهم أبرز المطربين الشرقيين إيال غولان، وهو معروف بانتمائه إلى اليمين. قال إيال خلال وصلته الفنية، إنه يؤيد هذه المظاهرات ويعتز بأن يكون جزءا منها، وراح يردد هتافها الموحد: «الشعب يريد عدالة اجتماعية». وقامت جميع القنوات التلفزيونية والإذاعات والمواقع الإلكترونية للصحف، بقطع برامجها العادية وتغطياتها، وكرست شاشاتها وصفحاتها للبث المباشر للمظاهرات طيلة 4 ساعات حتى فجر أمس.

وقال المعلقون السياسيون في وسائل الإعلام، إن نتنياهو سيكون مجنونا وصفيقا إذا تردد في التجاوب مع مطالب المتظاهرين، وأهمها إجراء تغيير جذري في السياسة الاقتصادية الاجتماعية لصالح الطبقات الفقيرة والوسطى، وقلب سلم الأولويات الذي يضع قضايا الجيش والمستوطنات واليهود المتدينين في المقدمة ويترك بقية القضايا في ذيل القائمة.

يذكر أن حملة الاحتجاج الإسرائيلية، انطلقت في الرابع عشر من يوليو (تموز) الماضي، بنصب ست خيام في قلب تل أبيب، احتجاجا على السياسة الاقتصادية الاجتماعية. في البداية اعتبرتها الحكومة نشاطا فرديا هامشيا، لكن الجمهور الإسرائيلي فاجأ الحكومة بأن تدفق على الخيام. وخلال أسبوعين انتشرت نحو 2000 خيمة في مختلف أنحاء إسرائيل، وتبنى فيها المواطنون نمط ميادين التحرير في العالم العربي، بل تم استخدام كلمة «التحرير» العربية نفسها. فراح الناطقون بلسان الحكومة يعتبرونها «نشاطا يساريا». ولكن عندما بلغ عدد المتظاهرين 30 ألفا، بدأت الحكومة تتعامل معها بجدية. فأقامت لجنة من الخبراء للبحث في مطالب المتظاهرين. ومع ذلك فقد لجأت إلى المماطلة لاستنزاف قوتهم. فخرجوا بمظاهرة 300 ألف. وهنا، بدأ ينتشر القلق في إسرائيل من خطوة حكومية مفزعة، أن تهرب من أزمتها الداخلية بإعلان الحرب، كما كانت قد فعلت حكومة ليفي اشكول سنة 1967. ففي حينها سادت إسرائيل أزمة ركود اقتصادي قاسية، تسببت في هجرة عشرات ألوف اليهود من البلاد. فشنت الحكومة حربها الشهيرة، ودخلت إسرائيل في حالة رخاء وازدهار.

وجاءت الهجمات المسلحة من سيناء، وما تبعها من قصف صاروخي، ردت إسرائيل عليه بمنتهى القسوة، فقالوا إن هذا الوضع هو الفرج. ولكن قادة حملة الاحتجاج تمكنوا من تجنيد هذا العدد الضخم في المظاهرات الأخيرة، مؤكدين أنها رسالة من الشعب إلى حكومته: «لن يحرفنا شيء عن أهدافنا ولن نتنازل عن مطلبنا بتغيير جذري».