عناصر الأمن العراقيون المصابون بعاهات خلال الخدمة يواجهون معركة جديدة

البرلمان يدرس مشروع قانون جديد يسلبهم بدلات مالية يعولون عليها

جاسم علي فقد ساقه بانفجار عندما كان يحرس مركز اقتراع في الاستفتاء على الدستور عام 2005 («نيويورك تايمز»)
TT

من الصعب معرفة أيهما أكثر مذلة بالنسبة للآلاف من الجنود العراقيين وضباط الشرطة الذين عانوا من إصابات شديدة خلال محاربتهم إلى جانب الأميركيين في حرب لا يزال أثرها باقيا حتى اليوم؛ أهو تلقي عناية طبية لا ترقى إلى المستوى المطلوب تقدمها الحكومة التي حاربوا من أجل الحفاظ عليها، أم قانون جديد من الممكن أن يخفض من المزايا الضئيلة التي يتمتعون بها؟

آل علي محمد هلال، الذي كان متدربا في جهاز الشرطة عندما فقد ذراعه اليسرى في تفجير سيارة مفخخة عام 2005 ويعمل الآن في منظمة غير حكومية تدافع عن أفراد قوات الأمن العراقية المصابين بجروح بالغة، يقول: «إننا ندافع عن الشعب العراقي، لكننا نشعر بمذلة شديدة في الوقت الحالي».

وتحاول المنظمة التي يعمل بها هلال والتي تحمل اسم «مصابيح الرحمة»، إلغاء القانون الجديد الذي أقره البرلمان العراقي في يوليو (تموز) الماضي الخاص بزيادة مرتبات الجنود وضباط الشرطة الحاليين، لكنه يقلل من الإنفاق الحكومي على المصابين بمن فيهم الأشخاص الذين فقدوا أعضاء وغير قادرين على الحصول على أطراف صناعية تمكنهم من العمل مرة أخرى. وربما يتم تفعيل هذا القانون في أقرب وقت ممكن من هذا الشهر.

ويبدو أن جهوده تؤتي ثمارا، حيث يذكر بعض أعضاء البرلمان الآن أنهم لم يتعمدوا أبدا خفض مرتبات المحاربين القدامى وأنهم يعتزمون تعديل هذا القانون. وقال عباس البياتي، النائب في البرلمان العراقي وعضو لجنة الأمن: «إننا ندرس هذا الأمر، وإذا وجدنا أن هناك مشكلات، فنحن مستعدون لتعديله بصورة تناسب حجم تضحياتهم».

والقانون، كما ينص الآن، يخفض المبلغ الإجمالي الذي يتم دفعه للذين أصيبوا إصابات بالغة ويلغي بندا في القانون السابق يتم بموجبه منح الضحايا أرضا على الرغم من أن العديد منهم لم يحصل على أي أرض.

وذكر البياتي أن هدف هذا القانون كان رفع مرتبات الجنود وضباط الشرطة الحاليين، وأنه لم ينتبه إلى البنود التي تخفض التعويضات المستحقة للمحاربين القدامى. وقال: «إن هذا خطأ غير مقصود، وسوف نقوم بتصحيحه في أقرب وقت ممكن». وقال ناجح عبد الأمير، نائب آخر في البرلمان وعضو لجنة المحاربين القدامى المصابين في البرلمان، إنه إذا لم يقم البرلمان بتغيير القانون، يجب على المحاربين أن «يتظاهروا ويطالبوا بحقوقهم».

وسيشعر القانون الجديد الذي سوف يحد من المزايا التي يتمتع بها قدامى المحاربين، الجرحى العراقيين بالإهانة والتجاهل. ويتذكر الكثيرون فترة حكم صدام حسين، حينما كان يتم منح الأرض والمال للأشخاص الذين ضحوا من أجل الحفاظ على قوة الديكتاتور. ويقول هلال: «إذا ما قارنت بين ما يحدث الآن وما حدث في عهد النظام السابق، ستجد أن النظام السابق كان أفضل. ويدعون أن هذه ديمقراطية!».

وقد انضم كثيرون إلى الجيش العراقي الجديد بعد أن أعيد تشكيله عام 2005 لأسباب اقتصادية ووطنية. وقال علي جاسم، البالغ من العمر 39 عاما، الذي حارب إلى جانب الجنود الأميركيين وقوات البحرية الأميركية قبل أن يفقد ساقه عام 2005 جراء انفجار قنبلة على جانب الطريق أثناء تأمين مراكز الاقتراع خلال الاستفتاء على الدستور العراقي الجديد في ذلك الوقت: «لم تكن هناك فرص للعمل عام 2003، وكنت أشعر أيضا أنني بحاجة لحماية بلدي».

ويسكن علي وأخته وأطفالهما في منزل آيل للسقوط ويشبه الصندوق تم بناؤه من كتل خراسانية في حي فقير من أحياء الشيعة أشبه بمتاهة من الممرات الترابية. وفي فترة ما بعد الظهيرة في أحد الأيام مؤخرا، كان جاسم يقوم بما يقوم به عادة، وهو الرقود بجسده على الأرض بين أطفاله وإسناد رأسه على وسادة بينما يشعر بالحر الشديد نظرا لعدم وجود تكييف للهواء. ومثل الكثير من الرجال في هذا الوضع، يعاني علي من ضائقة مالية شديدة من الممكن أن تشتد إذا ما تم تطبيق القانون الجديد. فبعد أن أصيب جاسم، استمر في تقاضي راتبه بالكامل الذي يبلغ 700 دولار، وكان يشمل علاوة قتال وبدلات للغذاء. ثم تم خفض المبلغ حتى وصل إلى 450 دولارا عندما امتنعت الحكومة عن دفع النفقات الإضافية مقابل الأخطار. وذكر أن مرتبه سوف يصبح 200 دولار بموجب القانون الجديد. أما هلال، المتدرب في جهاز الشرطة، فاضطر إلى بيع منزله من أجل الإنفاق على علاجه بعد إصابته. ويتقاضى 530 دولارا شهريا ويتوقع أيضا أن يقل مرتبه عن 200 دولار شهريا.

وقد زاد القانون من الشعور بالاستياء تجاه السياسيين الذين يعملون وسط دائرة من الفساد والمحسوبية، والذين ينظر إليهم القطاع الأكبر من الشعب العراقي على أنهم يعيشون في عالم آخر. ويقول فلاح حسن عابد: «لقد انضممت إلى الشرطة لحماية بلدي في الوقت الذي كنت تخشى فيه الخروج من المنطقة الخضراء». وقد طرد من منزله لأنه لم يستطع أن يعمل بعد أن فقد ساقه اليمنى عام 2005. وأضاف وهو يصب جام غضبه على نواب البرلمان: «لقد كنت أحارب القتلة العتاة والإرهابيين وجها لوجه، وفي المقابل أريد أن أعيش في كرامة، أنا وأسرتي، وألا أضطر إلى التسول من أجل إطعامهم. أريد أن أشعر أن هناك أحدا يقدر ما قمت به وما خسرته».

* خدمة «نيويورك تايمز»