الجيش يقتحم حماه للمرة الثانية.. ويجدد حملاته قرب الحدود «لمنع محامي حماه المستقيل من الفرار لتركيا»

مواجهات مسلحة مع جنود منشقين كانوا يحاولون عبور الحدود.. وهروب مئات المدنيين إلى هاتاي التركية.. ومقتل 13 على الأقل أغلبهم في حمص

صورة مأخوذة من مواقع المعارضة السورية لدبابة تتمركز في حي الخالدية بعد اقتحام حمص أمس (شام نيوز)
TT

لقي 13 سوريا، على الأقل، حتفهم، بينهم 12 في حمص وريفها (وسط البلاد)، خلال عمليات أمنية، فيما اقتحمت قوات من الجيش والأمن مدينة حماه (وسط سوريا) للمرة الثانية منذ اندلاع الانتفاضة منتصف مارس (آذار) الماضي، وأطلقت النيران بكثافة من الأسلحة الثقيلة. في غضون ذلك جدد الجيش السوري عملياته الأمنية قرب الحدود التركية، على ما يبدو، لمنع محامي عام حماه المستقيل من التسلل إلى تركيا.

واعلن المرصد السوري لحقوق الانسان مساء أمس ان «أربعة مواطنين استشهدوا واصيب 11 بجروح نتيجة اطلاق النار عصر الاثنين (أمس) على حافلة تقل عمال الشركة السورية لنقل النفط فرع حمص، وذلك على الطريق بين دوار الفاخورة ودير المخلص ليرتفع عدد الشهداء الذين سقطوا بمحافظة حمص الاثنين الى 12 شهيدا».

واضاف المرصد ان «الحواجز الامنية انتشرت في معظم احياء حمص وكانت تسمع مساء الاثنين اصوت اطلاق رصاص كثيف وانفجارات متقطعة في احياء الانشاءات والخالدية والبياضة ودير بعلبة باب سباع والسوق».

وكانت وكالة الصحافة الفرنسية قد نقلت عن الناشط الحقوقي، عمر إدلبي، الناطق باسم لجان التنسيق المحلية في سوريا أن «3 أشخاص قتلوا في حمص، بينهم اثنان في حي الخالدية، وثالث في حي البياضة، عندما أطلقت قوات الأمن النار أثناء اقتحامها هذين الحيين»، وأضاف أن «شخصا قتل بنار رجال الأمن في تلكلخ (ريف حمص)، وآخر في منطقة إدلب (شمال غرب)، بنار قناص استهدفه بينما كان يحاول العبور عبر الحدود التركية».

من جهته، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن «رجل وابنه قتلا في حي بستان الديوان في حمص، بإطلاق رصاص عندما كانا على دراجة نارية»، لافتا إلى أنه «يعتقد أن مصدر الرصاص عناصر الشبيحة (البلطجية)».

وأشار المرصد إلى أن «صوت إطلاق الرصاص الكثيف ما زال يسمع في أحياء عدة من مدينة حمص»، وأضاف أن «تعزيزات عسكرية ضمت 4 آليات مدرعة، و7 شاحنات، دخلت إلى حي الخالدية قادمة من طريق حماه، كما اقتحمت قبل قليل المدرعات حي باب الدريب».

وذكر المرصد أن «قوات الأمن شنت حملات اعتقال شملت العشرات في حي الخالدية والبياضة، حيث تجاوز عدد معتقلي اليوم (أمس) في حي الخالدية 80 معتقلا»، وأفاد بأن «أهالي حي دير بعلبة في حمص قاموا بقطع الطريق الرئيسي الذي يصل السلمية بحمص، احتجاجا على اقتحام الخالدية».

إلى ذلك، أفاد إدلبي بأن أكثر من 30 آلية عسكرية وأمنية اقتحمت مدينة حماه من دوار السباهي باتجاه وسط المدينة، وسط إطلاق كثيف للنيران، دون أن ترد تفاصيل حول الضحايا.

بدورها أفادت لجان التنسيق المحلية بأن «قوات الأمن اقتحمت بلدة السبيل في معرة النعمان الواقعة في ريف إدلب (شمال غرب)، وقامت بحملة دهم واعتقال»، مشيرة إلى أن «مدرعات تابعة للجيش تحاصر البلدة». كما أشارت إلى «اكتشاف مقبرة جماعية تحوي سبع جثث متفسخة، على الأقل، قرب قرية الرامي الواقعة في جبل الزاوية (شمال غرب)»، مضيفة أن «الأهالي حاولوا انتشالها، إلا أن قوات الجيش قامت بمطاردتهم وانتشرت بشكل كثيف في المنطقة».

ويأتي ذلك غداة مقتل 12 شخصا، بينهم امرأة، خلال عمليات أمنية وعسكرية في سوريا، التي أعلنت بدورها مقتل ستة عسكريين بينهم ضابط، وثلاثة مدنيين في كمين نصبته «مجموعة إرهابية مسلحة». وقد غادر الجيش السوري حماه، أحد مراكز الاحتجاجات ضد النظام السوري، في العاشر من أغسطس (آب)، بعد أن قام بعملية عسكرية واسعة بهدف «القضاء على العصابات الإرهابية المسلحة»، التي تتهمها السلطات بتأجيج الاحتجاجات.

وكان الجيش قد دخل حماه الواقعة على بعد 210 كلم شمال دمشق، في 31 يوليو (تموز)، بعد أن شهدت مظاهرات حاشدة ضد النظام بلغ عدد المشاركين فيها نحو 500 ألف متظاهر.

وقال ناشطون إنه في يوم الاقتحام قتل حوالي مائة شخص فيما اعتبروه «أحد أكثر الأيام دموية» منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية ضد الرئيس بشار الأسد، منتصف مارس.

وقال الناشطون وشهود عيان حينها، إن العمليات التي تلت ذلك أسفرت عن سقوط عشرات القتلى الآخرين في المدينة، التي قطعت فيها السلطات وسائل الاتصالات، كما نزح عنها أكثر من ألف عائلة هربا من العمليات العسكرية التي يشنها الجيش.

وكانت حماه قد شهدت في ثمانينات القرن الماضي حملة قمع عنيفة لتمرد لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة، ضد الرئيس حافظ الأسد، والد الرئيس الحالي بشار الأسد، أسفرت عن سقوط عشرين ألف قتيل، حسب تقديرات. وتشهد سوريا حركة احتجاجات واسعة منذ منتصف مارس، أدى قمعها من جانب السلطة إلى مقتل 2200، بحسب حصيلة لمنظمة الأمم المتحدة.

وتتهم السلطات «جماعات إرهابية مسلحة» بقتل المتظاهرين ورجال الأمن، والقيام بعمليات تخريبية وأعمال عنف أخرى، لتبرير إرسال الجيش إلى مختلف المدن السورية لقمع المظاهرات.

من جانبها، أفادت وكالة «رويترز»، نقلا عن سكان، بأن الشخص الذي قتل بنيران القوات السورية لدى عبوره إلى تركيا يدعى عبد السلام حسون، وهو حداد يبلغ من العمر 24 عاما، وقد لقي حتفه برصاص قناصة من الجيش بعدما عبر لتوه الحدود إلى تركيا من قرية عين البيضا على الجانب السوري، حسبما ذكر ابن عمه في اتصال تليفوني من سوريا. وقال مقيمون ونشطاء إن القوات السورية شنت حملة مداهمات لقرى قرب تركيا، بهدف منع المدنيين من الفرار عبر الحدود، هربا من حملة عسكرية لقمع الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية.

وقال محمد حسون: «أصيب عبد السلام في الرأس. كان بين مجموعة من أفراد العائلة ولاجئين آخرين تدفقوا على الحدود مع تركيا، عندما انتشرت ست ناقلات جند مدرعة خارج عين البيضا، وبدأوا في إطلاق النار من أسلحتهم الآلية على القرية بطريقة عشوائية هذا الصباح».

وهذه أول عملية عسكرية واسعة في منطقة الحدود منذ يونيو (حزيران) عندما فرت آلاف العائلات من منازلها إلى داخل تركيا، فيما كانت القوات السورية تهاجم عددا كبيرا من البلدات والقرى التي شهدت احتجاجات ضخمة ضد حكم الرئيس بشار الأسد.

وقال شاهد آخر إن القوات السورية، مدعومة بالعربات المدرعة، دخلت أيضا بلدة الجانودية شمال غربي عين البيضا، بعد أن خاضت قوات الأمن مواجهات بالأسلحة النارية مع مجموعة صغيرة من جنود الجيش المنشقين، الذين كانوا يحاولون الفرار لتركيا.

وقال أحد سكان الجانودية، ويدعى بشار: «إنهم يحاولون منع أي شخص.. المدنيين والمنشقين من الوصول إلى تركيا. شاهدنا في الأسبوع الأخير المزيد من اللاجئين يحاولون عبور الحدود بعد الهجمات على اللاذقية وحماه وحمص».

ومعظم مجندي الجيش من الغالبية السنية في سوريا، وينحدر كثيرون منهم من المناطق الريفية التي استهدفتها الحملات العسكرية لسحق الاحتجاجات المستمرة منذ ستة أشهر.

وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن الكثير من المدنيين السوريين أصيبوا في قرية عين البيضا قرب الحدود التركية، في عملية للجيش السوري الذي هاجم قرية خربة الجوز القريبة، وأجبر مئات الأشخاص على الفرار إلى تركيا، وفق ما أفادت مصادر متطابقة. وأوردت قناة «تي تي في»، ومصدر محلي تركي أن الجيش السوري هاجم القريتين، وأضافت أن مكتب حاكم محافظة هاتاي، المحاذية للحدود السورية في جنوب تركيا، أرسل سيارات إسعاف إلى الحدود لنقل مدنيين جرحى إثر العملية التي نفذها الجيش السوري في قرية عين البيضا، التي تبعد 1.5 كلم من الحدود، ولم تحدد القناة عدد الجرحى.

وقال أحد سكان المحافظة الأتراك، وهو على تواصل مع المواطنين السوريين في الجانب الآخر من الحدود، إن الجيش السوري قتل شخصين وأصاب خمسة آخرين في عين البيضا، وأوضح المصدر نفسه، رافضا كشف هويته، أنه تم نقل المصابين إلى هاتاي.

وقالت قناة «إن تي في» إنه بالإمكان سماع هدير المروحيات من الحدود التركية، لافتة إلى تصاعد سحب الدخان من القريتين السوريتين.

وتعذر الاتصال بمكتب الحاكم المحلي لتأكيد هذه المعلومات، كما تعذر الحصول على أي معلومات عن سقوط ضحايا محتملين في خربة الجوز. وأوضحت «إن تي في» والمصدر المحلي، أن نحو 700 سوري توجهوا إلى الحدود إثر هذه العملية للجيش.

ويعتقد أن تجدد العمليات الأمنية قرب الحدود التركية يأتي للحيلولة دون نجاح محامي عام حماه، عدنان بكور، في التسلل إلى تركيا بعد إعلان انشقاقه عن نظام الأسد «وعصابته الإجرامية». وأفادت وكالة الـ«أسوشييتد برس» بأن جنودا اقتحموا القرى الحدودية بحثا عن بكور، وجمع معلومات عن مكان وجوده.

وكان المدعي العام في مدينة حماه، عدنان بكور، قد أعلن استقالته، الخميس، من منصبه عبر شريط مصور، احتجاجا على أعمال القمع في سوريا «في ظل نظام الأسد وعصابته»، إلا أن وكالة الأنباء الرسمية (سانا) التي أوردت، الاثنين، نبأ اختطافه على يد «مجموعة مسلحة» أثناء توجهه إلى عمله، نقلت عن محافظ حماه، أنس الناعم، أن «بكور أجبر من قبل خاطفيه على تقديم معلومات كاذبة، لطالما سعت القنوات الفضائية لترويجها حول تصفية مواطنين في حماه، ضمن أهداف الحملة الإعلامية ضد سوريا». كما نقلت عن مسؤول آخر أن هذه الاعترافات «انتزعت منه تحت تهديد وقوة السلاح»، معتبرا أنها «محض افتراءات فبركتها المجموعات الإرهابية المسلحة التي نفذت عملية الاختطاف».

ونقلت الـ«أسوشييتد برس» عن الناشط عمر إدلبي، أن «بكور الآن في مكان آمن خارج البلاد»، بيد أنه رفض الإفصاح عن موقع وجوده.