«ليبيانا» و«المدار» تسهمان في بطء التفاوض على استسلام سرت وبني وليد

توقف الاتصال بين ملايين خطوط الهواتف الجوالة في ليبيا

ثوار ليبيون يقيمون حاجز تفتيش على الطريق بين ترهونا وبني وليد (أ.ف.ب)
TT

قال محمد الترهوني، وهو مسؤول في مكتب ثورة 17 فبراير في ليبيا، إن الضعف الكبير في شبكتي الهواتف الجوالة في البلاد، تسبب في تباطؤ عمليات التفاوض لاستسلام آخر ثلاث مدن ما زال يسيطر عليها موالون للعقيد الليبي معمر القذافي، هي سرت وبني وليد وسبها في أقصى الجنوب.

وتعمل في ليبيا شركتان للهواتف الجوالة هما «ليبيانا» و«المدار»، يعتمد عليهما ملايين المشتركين. وجرى صراع أمني وعسكري وتقني طويل للسيطرة على هاتين الشبكتين من جانب الثوار وكتائب القذافي، منذ اندلاع الثورة ضد حكم العقيد الليبي قبل نحو ستة أشهر.

وأضاف الترهوني: «تعاني شبكتا الجوال من مشكلات كبيرة أدت لانقطاع الاتصالات بين غالبية الليبيين خلال الأيام العصيبة التي يمرون بها، وصولا لتحقيق الاستقرار في البلاد، لكن ظهرت أهمية الإسراع في إصلاح شبكتي الجوال في أيام عيد الفطر التي تزامنت أيضا مع مفاوضات بين الثوار وكتائب القذافي لاستسلام المدن الثلاث التي تهيمن عليها قوات القذافي حتى الآن».

وفي الوقت الحالي لا يمكن لمن معه خط هاتف من شركة «ليبيانا» أن يتصل بآخر معه خط من شركة «المدار». ويعتبر أبناء مدن الشرق الليبي، وعامة المواطنين العاديين الأكثر استخداما لشبكة «ليبيانا»، بينما يعتمد على شبكة «المدار» غالبية رجال المال والأعمال وعلية القوم، باعتبار أن «المدار» الأكثر تغطية في البلاد. لكن خطوطها توقفت عن العمل لفترة، قبيل وأثناء سقوط باب العزيزية معقل القذافي في طرابلس، منذ نحو أسبوعين.

وأثر عدم انتظام عمل الخطوط بين شركتي «ليبيانا» و«المدار»، وكذا عدم وجود خطوط هواتف جديدة في الأسواق على اتصالات رجال الدولة الجدد في ليبيا، وعلى الصحافيين ورجال الإعلام. ولجأ الكثير ممن يتطلب عملهم وجود خط هاتف، إما إلى شراء أجهزة «الثريا» الهاتفية المتصلة بالأقمار الصناعية، أو شراء خطوط مستعملة لشركة «ليبيانا» أو «المدار»، بأسعار باهظة، من المواطنين الليبيين الذين لم يتقاضوا غير القليل من رواتبهم منذ أشهر.

ووصل سعر الخط المستعمل من «ليبيانا» إلى 250 دينار ليبي، أي نحو 300 دولار أميركي، على الرغم من أن التغطية لا تصل إلا لنحو سدس عدد المشتركين، لكن الميزة بالنسبة للخط الفعال هو إمكانية التحدث لخطوط «ليبيانا» الأخرى، داخل ليبيا فقط، من دون حد أقصى، ودون الحاجة لشحن الخط بالرصيد.

وتبدأ أرقام خطوط شركة «المدار» بـ091، وهي أول مشغل للهاتف الجوال في ليبيا، وتأسست عام 1996 كشركة تابعة للشركة الليبية القابضة للاتصالات وتقنية المعلومات، وتبلغ سعة «المدار» أكثر من 2.5 مليون خط، وقبل سقوط نظام القذافي كانت قد باعت نحو 2.4 ملايين خط، وفقا لإحصاءات رسمية. وتغطي المناطق الحضرية والصحراوية، بما فيها المناطق غير المطروقة؛ كالمواقع الحدودية ومقار الحقول النفطية بالصحراء.

أما خطوط شركة «ليبيانا» فتبدأ بأرقام 092 أو093. وتأسست «ليبيانا» للهاتف الجوال كشركة وطنية تابعة للشركة العامة للبريد والاتصالات السلكية واللاسلكية منذ عام 2003 لتغطي بشكل أساسي مديني طرابلس وبنغازي كأكبر مدينتين في ليبيا، إضافة إلى مدينة سبها في أقصى الجنوب، قبل أن تتوسع الشركة في تقديم الخدمات في الكثير من المناطق الحضرية وغير الحضرية في البلاد في الأعوام الخمسة الأخيرة، بتقنية الألياف البصرية والـ«gsm» وخدمة الإنترنت. ووصل عدد المشتركين في هذه الشركة لأكثر من 6 ملايين مشترك، مع العلم أن عدد سكان ليبيا يبلغ نحو سبعة ملايين نسمة، إضافة إلى أكثر من خمسة ملايين من العاملين الأجانب والمهاجرين.

وأرجع مسؤولون في ثورة 17 فبراير سبب توقف الاتصال بين «ليبيانا» و«المدار»، إلى فترة احتدام الصراع المسلح بين الثوار وكتائب القذافي، حيث استغل نظام القذافي اتصالات الهواتف الجوالة في التجسس على الثوار، مما دفع مجموعة من تقنيي الثوار للقرصنة الإلكترونية على خطوط شبكة الاتصالات الليبية، التي كان يديرها محمد القذافي، نجل العقيد الليبي، والتحكم في شركة «ليبيانا» ذات السعة الأكبر من حيث عدد المشتركين، وأطلقوا على اسم الشركة «فري ليبيانا». وأدى عدم انتظام الاتصالات طيلة الأشهر الأخيرة في صعوبة تواصل الثوار مع أنفسهم، ومع رجال القذافي وصعوبة التواصل بين رجال القذافي أيضا. وأدت هذه الحالة إلى استيراد القذافي لآلاف من هواتف «الثريا» المتصلة بالأقمار الصناعية، ونجح الثوار في الاستيلاء على عدد كبير منها بعد أعمال الأسر والسيطرة التي حققها الثوار في عدة مناطق في ليبيا.

وتكاد المناطق التي لم تشملها المعارك منذ قيام الثورة حتى الآن، تخلو من هواتف «الثريا» إلا فيما ندر، مثل سرت وبني وليد وسبها.

وقال الترهوني: «استمرار الاعتماد على خطوط الهواتف الجوالة في هذه المدن الثلاث، جعل هناك صعوبة في التواصل مع السكان بالداخل، كما أسهم في بطء المفاوضات التي يجريها الثوار من أجل استسلام الكتائب». وأضاف: «هناك من يريد أن يخبر الثوار بأشياء معينة ومهمة، لكن التحدث بشكل آمن من هواتف جوالة تخص أصحابها من وجهاء من سرت أو بني وليد أو سبها، أمر غير مؤمن، بسبب ضعف شبكة الاتصالات».

ويقول الترهوني إن قطاع الاتصالات تضرر بشكل كبير منذ أبريل (نيسان) الماضي، لكن السوء الذي أصبح عليه في الوقت الراهن غير مسبوق منذ اعتماد الليبيين على الهواتف الجوالة على نطاق واسع منذ عام 2006، على الرغم من دخول خدمة الهواتف الجوالة قبل هذا التاريخ بنحو ثماني سنوات، لكن على نطاق ضيق، حيث كان غالبية المشتركين فيه من رجال الدولة والأجهزة الأمنية.

وبالتزامن مع انقطاع خدمات شركة «المدار»، توقفت عملية طبع أو بيع خطوط هواتف جديدة لشركة «ليبيانا» التي سارعت بفتح خطوطها للحديث لليبيين من دون الحاجة لشحن الكروت ودون حد أقصى، لسبب بسيط هو أنه لا توجد كروت شحن رصيد في الأسواق. لكن ذلك للمكالمات المحلية فقط. ولا توفر الخطوط أي مكالمات خارجية لا بمقابل ولا من دون مقابل.