بطل الكريكيت الباكستاني عمران خان يتجه إلى ملاعب السياسة

مقاوم للفساد.. وأكثر السياسيين شعبية.. يصف خصومه بأنهم «دمى» تحركها الولايات المتحدة

أسطورة الكريكيت المفعم بالحيوية والنابض بالحياة يتصدر استطلاعات الرأي (واشنطن بوست)
TT

يتصدر عمران خان، أسطورة الكريكيت المفعم بالحيوية والنابض بالحياة، استطلاعات الرأي التي تجري حاليا عن أكثر السياسيين شعبية. ولا يفوت عمران فرصة إلا ويهاجم خصومه بوصفهم أنهم «دمى» تحركها الولايات المتحدة. ربما تشعر أنه يتخذ موقف مناهضا للولايات المتحدة لتعاطفه مع حركة طالبان وإدانته للضربات الجوية التي تشنها الولايات المتحدة وانتقاده لسياسة أميركا الخارجية، حيث يقول «كل ما يريدونه هو عبيد مطيعون».

لكن هذا يعد تماشيا مع التوجه الباكستاني السياسي المناهض لواشنطن ومغازلة «القاعدة» المتذمرة. يتبنى خان نهجا يشبه حملات الانتخابات الرئاسية الأميركية الأولية في حملته الحثيثة التي يسعى من خلالها للوصول إلى منصب رئيس الوزراء عام 2013 أو قبل ذلك في حال الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة. إنه يصف نفسه بأنه «ضد الأوضاع الراهنة» ومقاوم للفساد وليس لديه مصالح شخصية وشخص يخشى الله ويحظى بدعم شعبي كبير ويقود حركة من أجل التغيير ويحاول جاهدا أن ينقذ بلاده من الهلاك.

ويقول خان، عضو البرلمان السابق الذي يبلغ من العمر 58 عاما، في مقابلة «إن النظام يتداعى بالكامل. لا يوجد نظام حاليا». سيتحدد توجه خان سواء كان اليمين أو اليسار على أساس الخطاب الذي سيتبناه. إنه كثيرا ما يبدو مؤيدا للتوجه الليبرالي الديمقراطي، لكنه في الوقت ذاته يعرف بعلاقته الجيدة مع الأحزاب الإسلامية المحافظة. والجدير بالذكر أن الرئيس السابق برويز مشرف وصف خان بأنه «إرهابي بلا لحية» وزج به في السجن لفترة باعتباره تهديدا للدولة وهو ما دعم شعبية خان. لقد مرت 20 سنة على قيادة خان الفريق الباكستاني في الكريكيت إلى الفوز في بطولة كأس العالم للمرة الأولى والأخيرة حتى هذه اللحظة. ومر 15 عاما على تأسيسه لحزبه القومي «حركة الإنصاف». ويرى أن اللحظة الراهنة هي المناسبة لاستغلال السخط الشعبي العارم وتوق الناس إلى قيادة جديدة.

تتيح له الحكمة السياسية التقليدية فرصا كثيرة، لكنه يقول وثقة الرياضي تلمع في عينيه «أقول لأي شخص أن يراهن عليّ».

أوضح استطلاع رأي أجراه مركز «بيو ريسيرش سنتر» في يونيو (حزيران) الماضي أن نسبة التصويت لصالح خان بلغت 68 في المائة، أي أكثر من رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني (37 في المائة) والرئيس الباكستاني آصف علي زرداري المكروه (11 في المائة). إنه يعزو نجاحه إلى تبنيه موقفا ضد الفساد وإلى التلفزيون. كان لدى باكستان منبر إعلامي إلكتروني وحيد إلى أن تخلت الحكومة الباكستانية عن هذا الاحتكار عام 2003. ويشير خان إلى أن «قنوات الكابل أصبحت منتشرة» وهناك عدد كبير من المذيعين الأكفاء الذين يذكروننا بلاري كينغ.

ويفتح خان الأبواب الخشبية الضخمة لمنزله وهو يرتدي ملابس بيضاء تقليدية ويعتذر عن التأخير. ويجلس خان بقامته الممشوقة على أريكة في غرفة معيشة سقفها يصل ارتفاعه إلى 30 قدما. ورغم فصاحته وحديثه الثائر يتباهى برحلته الروحانية، حيث كان تأثره بالصوفية واضحا. ونصح بقراءة كتابه «باكستان كما أرى: تاريخ شخصي» الذي سينشر في غضون أسبوعين في بريطانيا لمعرفة المزيد عنه. ويبدو أن الكتاب مثل الكتيبات الدعائية التي يروج لها الأميركيون المتطلعون إلى منصب الرئاسة. ويشغل خان، ابن الأسرة الثرية في لاهور، المساحة الفاصلة بين العالم الغربي العلماني والعالم الإسلامي الملتزم. واستقبل في اليوم التالي مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي لتقصي الحقائق. قد يكون معارضا للسياسة الأميركية في المنطقة، لكنه لا يكن ضغينة ولهذا إيجابيته. كان خان، الذي تلقى تعليمه في جامعة أكسفورد، يشتهر بأنه شاب مستهتر منغمس في الملذات على مستوى العالم خلال السنوات التي قضاها في ممارسة الكريكيت. وتزوج خان عام 1995 من فتاة اشتراكية عمرها نصف عمره هي جميما غولدسميث، ابنه جيمس غولدسميث الملياردير البريطاني. وقد اعتنقت جميما الإسلام وأنجبا ولدين قبل طلاقهما بعد زواج دام تسع سنوات. ويقول خان بصراحة إن طموحاته السياسة وراء انفصالهما، فالحياة في باكستان لم تكن تناسب جميما، لكنه رفض العيش خارج باكستان. وقال حينها: «موطني ومستقبلي في باكستان».

مع ذلك ساندت جميما خان زوجها السابق عام 2007 بعد إعلان مشرف قانون الطوارئ وتنكيله بخصومه السياسيين. فعندما عرفت أن قوات الشرطة تتوجه للقبض عليه، قفزت من فوق أسوار حديقة منزله في لاهور مما أدى إلى إصابتها بالعرج لمدة ثلاثة أسابيع. وبعد أن سلم نفسه، نظمت جميما احتجاجات أمام السجن وطالبت مشرف بالاستقالة. كان في مزرعة خان ملعب للكريكيت حيث كان يلعب مع ابنيه أثناء زيارتهما له. وقد واجه انتقادات للحياة الكريمة المرفهة التي يعيشها في الوقت الذي يروج فيه لنفسه باعتباره المرشح الذي يهتم بشؤون الفقراء ومصالحهم، لكنه اعترض على هذه الانتقادات. ومع تحرك كلابه الثلاثة بتثاقل نحو الغرفة، كان خان يوضح أنه حصل على الأرض بثمن زهيد عندما كانت هذه المنطقة غابة وأنه شيد المنزل بالأموال التي حصل عليها من بيع شقته في لندن. ويقول خان «لقد أحضرت ما جنيته من أموال إلى هذا البلد». ويعرف خان أيضا بالأعمال الخيرية التي يقوم بها، ومنها بناء المستشفى الوحيد في البلاد لعلاج السرطان والذي يعالج 75 في المائة من المرضى مجانا. وقد عرض كشفا علنيا بما يمتلكه من أموال في بلد يعرف عنه غياب الشفافية.

ويقول إن التهرب الضريبي المخزي والفساد المستشري بين القادة الحاليين والسابقين خنق الاقتصاد الباكستاني. ويقول «إن النظام يدمر الناس، بينما يزداد ثراء السياسيون على نحو غير مسبوق». ويوضح خان حاليا كل الخطوات اللازمة لمحاربة البرامج الإخبارية ويقول «النظام يحمي المجرمين لأنهم ينتمون إليه».

عندما كان خان نجما في رياضة الكريكيت كان يعرف بقدرته على الضرب ورمي الكرة وربما يصلح هذا الوصف للتعبير عن القبول الذي يتمتع به. إنه يقدم شيئا لكل شخص ويدخل في السباق مزايا وإن كانت ترى على أنها تتسم بالطابع الأميركي. إنه بطل رياضي ذو عقل متفتح على شاكلة جاك كيمب وبيل برادلي. اختياله يشبه اختيال جورج بوش الابن فضلا عن الشهرة. ويقول خان «طالما كانت الخيارات لديّ سهلة بفضل اسمي».

يمكن أن تظن أنه ينتمي إلى حقبة ازدهار أغاني الروك نظرا لشعره الأشعث وملامحه الرجولية الوسيمة. ويبدو أن الرجل الذي كان يوما عاشقا للنساء تماما ما زال يتمتع بجاذبية بين الناخبات بمظهره غير الرسمي.

أما عن أقوال منافسيه في الرياضة، فيقول إتش إم ناكفي مؤلف «كراتشي» الذي قضى عدة سنوات في واشنطن «إنه يفاجئني مثل رون بول». ويقول ناكفي إنه متمسك بمبادئه مثل عضو جمهوري في الكونغرس ومرشح رئاسي ولا تشوبه شائبة الفساد ودائما ما يبعث رسائل ضد النظام.

لكن لا تهم أي من هذه الأمور في باكستان، فالمأخذ الوحيد الذي يؤخذ عليه هو تبنيه لنموذج الرجل الواحد والتحدث بما يعجب الناس وليس لديه مؤيدون سوى بين النخبة المثقفة مثل مستخدمي موقع الـ«فيس بوك» الذين يروجون لحركته ويشاركون في الاعتصامات التي ينظمها بصورة منتظمة خلال الصيف الحالي أمام مبنى البرلمان.

تقول عائشة صديقة، المعلقة السياسية التي تصنف نفسها ضمن العلمانيين الليبراليين «إنه يمثل مجموعة ضغط جيدة، فهو كثير الصياح. أنا لا أقلل من شأن توق الناس إلى بديل، لكنه ليس سياسيا ناجحا فهو أمامه طريق طويل حتى تترجم شعبيته إلى أصوات. إن الشباب لا يصوتون». لم يفز خان وحزبه الصغير سوى بمقعد واحد في البرلمان منذ عام 1996، فقد فاز بهذا المقعد عام 2002 وتخلى عنه عام 2008 كنوع من الاحتجاج حيث قاطع الانتخابات.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»