طبيب سوري لـ«الشرق الأوسط»: نحمل أرواحنا على أيدينا وتقصير فاضح من المستشفيات الحكومية في علاج المصابين

ظروف صعبة وتهديدات بالفصل تعوق إسعاف أطباء سوريا للمتظاهرين والجرحى

سوريون خلال جنازة في الجامع الأموي (أوغاريت)
TT

يعاني الجسم الطبي في سوريا منذ اندلاع الثورة الشعبية، منتصف شهر مارس (آذار) الماضي، من صعوبات جمة تعترض قيامه بواجبه الوظيفي والإنساني في آن معا، تبدأ من صعوبة الظروف التي يعمل تحت وطأتها وخطر الوصول لإسعاف المتظاهرين وتنتهي بالضغوط التي تمارس عليه من قبل إدارات المستشفيات، لا سيما الحكومية منها ومؤيدي النظام فيها. ويؤكد المتحدث باسم تنسيقيات أطباء دمشق الدكتور خالد الحكيم، وهو اسم مموه يستخدمه خوفا من معرفة هويته الحقيقية، لـ«الشرق الأوسط، أن «ثمة تقصيرا فاضحا تجاه المصابين والمرضى في المستشفيات الحكومية، حيث يتم استجواب المرضى أثناء إصابتهم، وممارسة ضغوط نفسية على الأطباء، من قبل أطباء وممرضين موالين للنظام بالدرجة الأولى، والذين لا يتردد بعضهم حتى في الاعتداء على المرضى والتعاطي بإهمال مع الذين يعانون من وضع صحي دقيق».

ويشير إلى أن «مجموعة من الأطباء ارتأوا تجهيز مشاف ميدانية صغيرة داخل مبنى أو في سيارة أو حافلة صغير أو دكان ما، بعد الحصار الذي فرض على البلدات والمدن السورية، وهذه المشافي إن لم تكن مجهزة كما هي الحال في الدول المتقدمة بطاقم طبي واختصاصيي تخدير وغرفة عمليات، إلا أنها تسد الحاجة في الإسعافات الأولية والجراحات الصغرى والإجراءات التي قد تنقذ حياة المصابين من وقف نزف أو معالجة كسور في الصدر..». ولا تقتصر المتابعة الطبية على العلاج الفوري فحسب؛ بل تتعداه إلى متابعة المصاب في منزله بقدر ما تسمح الظروف بذلك، أو تهريبه إلى عيادة طبيب جراح أو المشافي الكبرى، تحديدا الخاصة منها.

وتمكن أطباء تنسيقية دمشق مؤخرا من تأمين أكياس دم بعد أن كان ذلك شبه مستحيل في المرحلة الأولى من الانتفاضة، لا سيما أن الحصول على أكياس دم يمر، وفق الحكيم، ببنك الدم التابع مباشرة لوزارة الدفاع. ويلفت الحكيم في هذا السياق إلى «أننا عملنا على القيام بحملة تبرعات للدم وفق المعايير والأصول الطبية لنتجاوز هذه العقبة».

ويوضح الطبيب السوري أن تنسيقية الأطباء تعمل على «التدخل في الأرياف والبلدات السورية التي تشهد تحركات شعبية ومواجهات، وهم يدخلون بطرق ملتوية وبالسر من أجل إسعاف الجرحى، وهذا ما حصل في حماه يوم وقوع المجزرة فيها بناء على طلب من الناشطين». ويؤكد أن «القوى الأمنية تمارس بدورها ضغوطا على المشافي والأطباء على غرار ما فعلت بمحاصرتها مستشفى (الرجاء) في عربين (ريف دمشق)، حيث بدأت بإطلاق النار على جدران المستشفى ونوافذه لترويع الموجودين فيه»، كاشفا عن «اعتقال القوى الأمنية لمصاب من غرفة العناية المشددة وطبيب العناية لمحاولته التصدي لما يقومون به، إضافة إلى مدير المستشفى وأحد المخبرين، على الرغم من أن لا علاقة لهم».

وفي الإطار عينه، يشير الحكيم إلى أن «القوى الأمنية تجرأت على أخذ جثة تعود لمجهول الهوية من مستشفى الفاتح في كفربطنا»، لافتا إلى أن «قرابة ثلاثين طبيبا وطبيبا مقيما جرى اعتقالهم بطريقة غير قانونية منذ بدء الانتفاضة السورية، من دون أن تعرف هوية من يعتقلهم أو إبراز مذكرات توقيف».

ويذكر الحكيم أنه «في مشفى الأسد الجامعي، وبسبب استخدام أحد الأطباء المقيمين جهاز (اللاب توب) الخاص به بشكل دائم، فإن إحدى الممرضات وشت به لدى زوجها، وهو عنصر أمني، فما كان من القوى الأمنية إلا أن حضرت بالرشاشات واعتقلته مع طبيب آخر صودف وجوده في ممر مجاور، ثم أفرجوا لاحقا عنهما مع كسور وانتفاخ في العيون».

وفي مواجهة كل هذه الظروف، يبدو أطباء سوريا منقسمين إلى 3 فئات يختصرها الحكيم «بفئة تضم أطباء مؤيدين للنظام وغير مستعدين لأي تعاون أو تعاطف، لا بل إننا نحذر التعاطي معهم، وفئة ثانية تقدم مساعدات عن بعد من أدوية وخيطان تقطيب ومعدات بسيطة، إضافة إلى فئة ثالثة تضم أطباء يحملون أرواحهم على يديهم وينزلون إلى المظاهرات غير آبهين بالخطر المحدق بهم، يبحثون عن مكان آمن يضعون عدتهم الطبية فيه».

وينتقد المتحدث باسم تنسيقية أطباء دمشق «غياب وسائل الإعلام عن تسليط الضوء على الظروف التي يعملون فيها، فيما تسارع إلى استضافة فنانة تم التعرض لها على سبيل المثال». ويشدد على أن «الطبيب هو الجندي المجهول في سوريا اليوم وهو الوحيد الذي لا يمكنه العمل في الخفاء كما هي الحال مع الصحافي أو الفنان أو الناشط، لأنه يقوم بعمله في عيادة أو في مستشفى».

ويناشد المنظمات الطبية الدولية التدخل للضغط على المؤسسات الطبية في سوريا، التي «تبدو بمعظمها تابعة للنظام وتعمل في الوقت الراهن كجهاز استخباراتي»، موضحا أن تنسيقية أطباء دمشق «تعمل على توثيق الانتهاكات والإصابات تمهيدا لرفعها في وقت لاحق إلى الجهات المعنية.

وذكر الحكيم أنه تم إلغاء اعتصام مفتوح للعاملين في الحقل الطبي كان مقررا صباح يوم السبت الماضي من أجل الإفراج عن كل المعتقلين من أعضاء الجسم الطبي، وذلك بسبب الوجود الأمني الكثيف في مكان الاعتصام قرب مستشفى المواساة وتهديد الأطباء بفصلهم من عملهم إذا لبوا الدعوة للاعتصام.