الثورة لم تحدث تغييرا كبيرا في نمط الحياة داخل دمشق

سكان: عمال ينظفون بقع الدم على الأرض في وقت مبكر من الفجر

تشييع جنازة مازن الأفغاني في ريف دمشق (من الانترنت)
TT

بينما كان محتجون ينظمون احتجاجات في سوريا خلال أحد أيام الأحد القريبة، وفيما استخدمت أعيرة نارية مرة أخرى لتفريق الجموع وسقط الكثيرون قتلى، لم يتطرق حوار في العاصمة دمشق إلى الانتفاضة السورية، ولكنه دار حول الأظافر ووسائل التلميع واختيار لون الشعر وآخر صيحات الموضة. وقالت امرأة في الخمسينات من عمرها بينما كانت تفحص صندوقا به ملمع أظافر في مركز تجميل بالعاصمة دمشق: «أريد اللون الأرجواني أو البرتقالي ليتناسب مع فستاني. أي منهما».

لم يمض وقت طويل ليتضح أن هناك انفصالا بين دمشق وباقي أنحاء سوريا. ويعيش الدمشقيون واقعا مختلفا، على ضوء مزيج من الرفض والخوف، وربما في بعض الأحيان رضا عن إصرار الحكومة على وأد المعارضة.

ويبدو أن هذا الانفصال قد توطد مع تعرض الدولة لإحدى أشد عمليات العزلة الدولية منذ تولي عائلة الأسد السلطة في عام 1970، ومع تعرض المدن الواحدة تلو الأخرى لإجراءات قمعية من جانب حكومة تبدو أنها تمضي على غير هدى.

وقد دخلت الانتفاضة السورية شهرها السادس وما زال المحتجون يتحدون القوات الأمنية الوحشية التي قتلت أكثر من 2200 قتيل منذ منتصف مارس (آذار)، بحسب تقديرات الأمم المتحدة. وقد فرضت المزيد من العقوبات، ووجهت دول كانت صديقة من قبل انتقادات للرئيس السوري بشار الأسد وحثته على القيام بالإصلاح وأعلنت أنها فقدت صبرها إزاء هجمات الحكومة على المواطنين. ودعاه آخرون إلى التنحي عن منصبه.

ومع ذلك، ما زالت دمشق، سواء كان ذلك في صالون التجميل أو في أحيائها الفاقدة للوعي أو في مساجدها التي تعاني من الخوف، هي محور وقلب الأحداث، وهي الحقيقة التي يعترف بها الناشطون. وإلى أن تصل الاحتجاجات إلى العاصمة السورية، حسب اعتقاد الناشطين، فإن القيادة السورية ستكون في مأمن من أن تلقى مصير مثيلاتها في دول أخرى مثل مصر وتونس. وحتى الآن، ظلت دمشق - جنبا إلى جنب مع مدينة حلب التي تعد ثاني أكبر المدن السورية - بعيدة عن الأحداث، وهو ما أثار حنق السوريين، الذين يحملون العبء الأكبر للانتفاضة، ضد هاتين المدينتين. وقالت إحدى اختصاصيات تجميل الأظافر في الصالون: «ثق بي، كل شيء طبيعي».

ويعد الصالون، الذي يجذب زوجات «الأغنياء والمشاهير» كما وصفهن أحد مصففو الشعر هناك، مجرد مثال واحد من الكثير من الأمثلة التي تعكس نجاح دمشق في أن تنأى بنفسها بعيدة عن أعمال العنف التي انتشرت في جميع أنحاء البلاد على مدار أشهر. وقالت إحدى اختصاصيات تجميل الأظافر: «في البداية، كان هناك بعض الرجال الذين يتظاهرون من أجل الحرية والحقوق الأخرى، ولكن اتضح فيما بعد أنهم كانوا يحاولون جر البلاد إلى حرب طائفية. وتقوم قوات الأمن بمطاردتهم وإلقاء القبض عليهم واحدا تلو الآخر».

وتتكرر هذه الرواية يوميا من قبل وسائل الإعلام السورية والقنوات التلفزيونية الموالية للحكومة التي تقول إن البلاد تواجه مؤامرة أجنبية لتقسيمها وإن قوات الأمن تقاتل المتشددين الإسلاميين المسلحين الذين يرهبون السكان وقتلوا 500 ضابط وجندي من الشرطة حتى الآن.

وحتى في الأحياء التي ينظم فيها النشطاء والمحتجون المظاهرات، سرعان ما عادت الحياة إلى طبيعتها، حسب تصريحات السكان. وفي وقت مبكر من الفجر، حسب تصريحاتهم، يقوم موظفو المدينة بتنظيف بقع الدم من على الأرض وإزالة الشعارات المعادية للحكومة من على الجدران.

وفي حي كفر سوسة، وهو أحد الأحياء الثرية في دمشق حيث قامت قوات الأمن بإصابة الكثير من المتظاهرين خلال الأسبوع الماضي، تم فتح النار على المصلين المسالمين الخارجين من مسجد الرفاعي لأنهم كانوا يرددون شعارا يدعو إلى إسقاط الحكومة. وتمت مطاردة المصلين في جميع أنحاء الحي وتم القبض عليهم وتعرضوا للضرب المبرح، وناشد السكان الواقفون في شرفات منازلهم قوات الأمن أن يتعاملوا بقدر من الرحمة مع المصلين. وفي وقت لاحق، تم نقل المتظاهرين في حافلات عسكرية إلى مراكز الاحتجاز.

وخلال إحدى الزيارات بعد يومين من الاضطرابات، كان الحي هادئا، وباستثناء وجود لافتة تعلن عن إغلاق المسجد، لم يكن هناك أي دليل على وجود اضطرابات. وخلافا لحمص وحماه التي تمكنت فيهما الانتفاضة من كسر جدار الخوف وسمحت للناس بالتعبير عما يجيش في صدورهم، لا يبدو أن هناك أحدا هنا يتكلم في السياسة في الشوارع.

ونادرا ما يلقي المارة في الشوارع نظرة عابرة على المسجد، كما لو أن النظرة الطويلة سوف تجذب نوعا من الانتباه الذي ظل لفترة طويلة مصدر قلق في بلد معروف بجهازه الأمني سيئ السمعة. واتكأت إحدى السيدات على السياج الحديدي للمسجد وكان هناك عبر الشارع لافتة مكتوب عليها «أنا مع سوريا». وكانت هذه اللافتة واحدة من الكثير من الملصقات المنتشرة في الشوارع التي تعد جزءا من حملة تهدف إلى رفع مستوى الولاء للحكومة. وفي مكان ليس ببعيد، كانت هناك لافتة أخرى تحذر قائلة: «احذر من أولئك الذين يحاولون إثارة الفتنة وهاجموهم».

وبالعودة إلى الصالون، يعود العملاء إلى الحديث عن اختيار لون الأظافر بمجرد رؤيتهم لأي عميل جديد يدخل للصالون. ولكن في لحظات أخرى، حتى هنا في معقل اللاواقعية، تشعر بأصداء الانتفاضة، حيث بدأ يظهر استخدام المفردات التي طالما كانت محرمة هنا في سوريا مثل: المعارضة والطائفية والمظاهرات والانتفاضة.

وقالت إحدى اختصاصيات تجميل الأظافر إنها صدمت عندما علمت بالمصادفة أن إحدى صديقاتها المقربات تعادي الرئيس الأسد، الذي ورث السلطة عن والده عام 2000. وتنتمي اختصاصية تجميل الأظافر هذه وصديقتها إلى طائفة المسيحيين وهي كأي طائفة أقلية أخرى تخشى أن يؤدي تغيير القيادة إلى ظهور إدارة أكثر تشددا. وغالبا ما يشير المسيحيون إلى العراق، حيث إن وجودهم الكبير فيها كمجتمع معرض للخطر، لتقديم مفهوم عما يمكن أن يحدث في أوقات العنف والفوضى.

وبينما تصبح بقية الدولة أكثر تشددا، ظهرت دمشق، بمظهرها الذي يدل على الحداثة والنزعة الاستهلاكية للعقد الماضي، أقل تشددا.

وقالت اختصاصية تجميل الأظافر «عندما كان عمرنا عشر سنوات، منذ عشرين عاما، لم نكن نجرؤ أن نمشي في الشارع ونحن نرتدي قمصانا دون أكمام ودون أن نتعرض لأي مضايقات. والآن لا يجرؤ أحد على النظر إلينا».

وعلى الرغم من أنها أعلنت كونها من مؤيدي الأسد، فهي تعترف أن الإصلاح حدث ببطء وأن الفساد أكثر شيوعا. ولم توجه شكواها إلى أحد بعينه، خوفا من أشباه الأسد، التي رفضت الإفصاح عن نياتهم.

وكان أمامها عروسة تستعد للزواج في منتصف العقد الثالث ذكرت أنها لم تشاهد التلفزيون لمدة أيام. وأضافت أنها لا تريد أن ترهق نفسها بالاستماع إلى أنباء الثورة حيث يحاول النشطاء هنا وفي باقي المناطق إشاعة القلاقل في دمشق.

وفي اليوم السابق لزفافها، اتصل بها الكثير من الأقارب للاطمئنان على الموقف في الحي الذي تقطن فيه. وداومت على القول إن كل شيء يسير بهدوء. ولأنها شعرت بالفضول فقد استمعت إلى الأنباء لتجد أن القنوات العربية تعلن عن وجود مظاهرات في شارعها. إلا أنها أصرت على أنه لم يكن هناك أي من تلك المظاهرات المزعومة.

وقالت إحدى اختصاصيات تجميل الأظافر «جميع الأمور تسير بصورة طبيعية، فقط لا تشاهدوا قناتي (الجزيرة) و(العربية). إنهم يروجون أكاذيب. شاهدوا فقط القنوات السورية لتعلموا الحقيقة».

* خدمة «نيويورك تايمز»