سكان طرابلس القلقون من المستقبل يجربون «حرية النقاش السياسي» لأول مرة منذ 42 عاما

يدعون للتعجيل بانتقال المجلس الحاكم من بنغازي إلى العاصمة وتثبيت الأمن وتشغيل المطار الدولي

TT

يجرب سكان طرابلس «حرية النقاش السياسي» في الأماكن العامة لأول مرة منذ 42 عاما، مع التطرق إلى مسائل تثير القلق بشأن المستقبل، بعد انتهاء نظام العقيد الليبي معمر القذافي. ودعا أهالي طرابلس إلى التعجيل بانتقال المجلس الحاكم من بنغازي إلى العاصمة، وتثبيت الأمن في المدينة وتشغيل المطار الدولي.

وتحتاج طرابلس، وهي عاصمة مترامية الأطراف، لجهود كبيرة لتثبيت الأمن فيها. ورغم عودة الشرطة إلى شوارعها، ما زال بعض الليبيين يضعون مؤشرا يقارنون فيه بين الاستقرار في المدينة والقدرة على تشغيل مطارها الدولي، الذي كان آخر مكان دارت فيه معارك في محيط العاصمة بين الثوار والموالين للقذافي، وكذلك يقرنون مستوى الأمن بانتقال المجلس الوطني الانتقالي الذي يدير البلاد بكامل هيئته إلى العاصمة.يجري الحديث حول هذه الأمور ذات الطابع السياسي، في أماكن عامة، حيث يثور جدل على ما هو صحيح وما هو خطأ، وما يجب أن يكون وما لا يجب. وهذا سلوك لم يكن معتادا من قبل، كما يقول العقيد محمد جميعة، المسؤول في المطار، بعد مشاركته في جدل سياسي حول خطوات الإصلاح السريعة التي ينبغي على المجلس الانتقالي القيام بها.

ويقول جميعة، إنه يتوقع من واقع الخطط الموضوعة لإعادة تشغيل المطار، أن يستغرق الأمر من أسبوع إلى أسبوعين. ويضيف: «لدينا أمر بسرعة تحضيره للعمل لقدوم السيد مصطفى عبد الجليل وزملائه من أعضاء المجلس الانتقالي». ويضيف وهو يجلس أمام زجاج بوابة محطمة، أن تشغيل المطار ووصول باقي مسؤولي المجلس الانتقالي من بنغازي، سيبرهن على أن الحياة في ليبيا وطرابلس بالذات، تعود لطبيعتها منذ بداية الثورة المناوئة لحكم القذافي في 17 فبراير (شباط) الماضي. ومنذ السبت الماضي، بدأت عناصر الشرطة في نحو 14 مركزا أمنيا، تعود لشوارع ضاحية دمشق وضاحية الدهماني وباب البحر وسوق الجمعة بالمدينة التي يعيش فيها نحو مليوني نسمة. كما بدأ نشر الحواجز الشرطية لتحل محل الحواجز التي كان قد وضعها الثوار أثناء تأمين العاصمة من قوات القذافي وأنصاره. وبعض المراكز الشرطية تعرضت للحرق ونهب الأسلحة منها أثناء دخول الثوار العاصمة، لكن أعمال التنظيف وإعادة تهيئة تلك المراكز للعمل تجري على قدم وساق وفق خطط ينفذها المجلس الانتقالي الذي يدير البلاد.

وتراجع عدد المسلحين إلى حد كبير. ويقول المجلس العسكري في طرابلس، إن غالبية الثوار الذين دخلوا طرابلس قبل أسبوعين لتحريرها، بدأوا في العودة إلى بلداتهم في حين التحق عدد آخر بجبهات القتال في المدن التي لم تحرر بعد، وهي بني وليد وسرت وسبها.

وزار وفد من الاتحاد الأوروبي مناطق عدة في العاصمة طرابلس، من بينها مطار طرابلس الدولي. وتوقع أن يتمكن الليبيون من إعادة تشغيله والانتهاء من بناء ما تهدم فيه خلال أيام. ويحاول المجلس الانتقالي الحصول على دعم مالي وتقني لمعالجة آثار الدمار الذي خلفته المعارك التي دارت حول المطار، وأدت إلى تخريب مدارج عدة وإحراق طائرات مدنية. وما زالت توجد حفر كبيرة خلفتها القذائف الثقيلة وتتسع الواحدة لبرميل، وهذا يتطلب عملا متواصلا لبناء المطار وإشاعة الطمأنينة للطرابلسيين ولمن يريد زيارة العاصمة من ليبيي المهجر أو الأجانب.

ورغم الحاجة للانتهاء سريعا، من مشكلة شح الخدمات، وخاصة مياه الشرب والكهرباء والاتصالات، فإن الأوضاع المعيشية تتحسن تدريجيا بمرور الأيام. وبدأ أصحاب الكثير من المحال التجارية في الأسواق الرئيسية، فتح أبواب المتاجر ويعلقون عليها أعلام الثورة، ويزيدون اللونين الأحمر والأسود على اللون الأخضر الذي كان يميز العلم الليبي في ظل حكم القذافي. وعلى طول شارع الشاطئ بكورنيش طرابلس ينتشر شبان وصبية وفتيات لتنظيف الطريق الأهم في المدينة.

ويتحدث حسين العجني صاحب «تشاركية القدس»، وهو مجمع تجاري تعاوني في ضاحية فشلوم، عن أن الشوارع بدأت تتنفس الصعداء في اليومين الأخيرين بعد أشهر من الحصار الخانق على يد القوات الأمنية الموالية للقذافي، والمواجهات الدامية بين الثوار وبقايا أنصار العقيد الليبي المتواري عن الأنظار.

وتراجعت المخاوف من احتمال عودة نشاط «الطابور الخامس» من أنصار القذافي والمستفيدين من إحداث الفوضى في ليبيا. لكن هذا لم يمنع عددا من وجهاء طرابلس من رفع عرائض للمجلس الانتقالي، يحثونه على سرعة الدخول بنفسه للسيطرة على الوضع الأمني في العاصمة، للقضاء نهائيا على ظاهرة انتشار السلاح والمسلحين. ودعوا فيها أيضا، إلى تعزيز شرطة المدينة والخدمات الأساسية، وتوفير النقد في المصارف، ونقل مقر المجلس الانتقالي من بنغازي لطرابلس.

واستحدث المجلس الانتقالي لجنة تضم حكماء وشيوخ القبائل لدفع عملية المصالحة إلى الأمام، مع إجراءات لنقل المجلس الانتقالي بكامل هيئته إلى العاصمة. ويعترف أحمد ضراط، وزير الداخلية في الحكومة الانتقالية الليبية، بوجود الكثير من التحديات التي تواجهها الحكومة بعد رحيل نظام القذافي، قائلا إن السبب الأمني ليس وحده وراء تأخر انتقال المجلس الانتقالي من بنغازي إلى طرابلس، فهناك أسباب إدارية ولوجيستية أيضا و«هذا يستغرق وقتا». حتى لو تأخر وصول القادة الجدد لليبيا، فإن أهل طرابلس يتنسمون الآن نسائم الحرية، ويتحدثون، مع بعض القلق عن المستقبل بالطبع، بصوت مرتفع عن القضايا السياسية، وهو أمر غير مسبوق. فقد أدار القذافي ليبيا طيلة 42 عاما، وحكم طرابلس العاصمة بالحديد والنار واللجان الثورية والأمن البلدي والاستخبارات المدنية والعسكرية، وغيرها.

وفي الشوارع الطويلة للمناطق السكنية، يعيش قطاع كبير من العائلات الليبية المنتمية لقبائل معتبرة، خلف الأسوار العالية لبيوتهم الموصدة بأبواب حديدية ضخمة لا تفتح إلا بأرقام سرية. ولهؤلاء أبناء وبنات عملوا طويلا مع القذافي وأجهزته الأمنية والإدارية ويخشون من ملاحقتهم في ظل النظام الجديد، ولا يعرف ما إذا كان سيمكن دمجهم في الدولة الجديدة أم سيتم استبعادهم، وبالتالي خسارتهم للامتيازات التي كانوا يحصلون عليها في السابق.

وأعرب سليمان المقرحي، وهو معلم في مدرسة جنزور الابتدائية عن ارتياحه لمساعي المجلس الانتقالي إعادة فرض النظام في طرابلس، ووجود إصرار من المسؤولين الجدد على ضرورة عودة المقاتلين الذين قدموا لتحرير العاصمة إلى مدنهم.

وأطلق ثوار المدينة الأساسيون، حملة لجمع السلاح والقضاء على مظاهر التسلح في المدينة، والعمل على دمج الثوار الراغبين في البقاء في الشرطة أو الجيش الليبي. وبالنسبة لدعوات وجهاء العاصمة المحافظين بطبيعتهم، فإن خطوات على الأرض بدأت تتخذها السلطات الجديدة في العاصمة، مثار حديث ونقاش وهي مفردات سياسية لم تكن متاحة أيام القذافي. وفي مقهى يطل على فندق المختار، كان مقرا لرجال اللجان الثورية التابعة للقذافي، كان ممكنا رؤية الناس العاديين يشربون الشاي بالنعناع، وتسمع أصواتهم وهم يتجادلون حول صلاحيات المجلس الانتقالي الحاكم وضرورة حماية الممتلكات العامة والخاصة.

ويقول محمد جبيرين، صاحب مركز تسوق «المختار» القريب من ساحة الشهداء، «أرى سيارات ثوار وأسلحة ثوار، لكن أشك في أن كل من يتحركون في المدينة هم من الثوار. ربما كانوا لصوص.. هذا يحتاج إلى حسم من المجلس الانتقالي. لا بد من الانتهاء من فوضى المسلحين هذه بأسرع ما يمكن، حتى نعرف من معنا ومن علينا».

وكان أهالي طرابلس اتبعوا طريقة لتأمين أنفسهم وممتلكاتهم بغلق شوارع الضواحي بالأكمنة الأمنية على من فيها، بغرض تقليص حركة المسلحين الغرباء عن تلك الشوارع والضواحي. وبدأت الشرطة تأخذ زمام الأمن، لكن المواطنين يقولون إن الأمر يتطلب خطوات أسرع وإمكانات أكثر. ويضيف جبيرين: «الإجراءات الحالية لا تؤمن كل منشآت العاصمة».

وتقدم أعيان منطقة السياحية بعريضة للمسؤولين الجدد في ليبيا، طالبو فيها بسرعة «نقل الخبرات التي تكونت في المدن المحررة إلى مدينة طرابلس». والمقصود بما حدث في المدن المحررة هو تشكيل مجلس عام لكل مدينة يضم لجانا أمنية وعسكرية واقتصادية واجتماعية كما حدث في بنغازي ومصراتة عند تحريرهما.