مصر: صعود نجم «المظاهرات الفئوية» يطغى على جدل «جمعة تصحيح المسار»

الحكومة في مأزق بعد التلويح بورقة الإضرابات العمالية ومطالبة شرف بالاستقالة

عودة المظاهرات الفئوية تطغي على «جمعة تصحيح المسار» («الشرق الأوسط»)
TT

بينما تتصاعد حدة الجدل بين أطياف القوى السياسية والمجتمعية في مصر حول جدوى تنظيم مليونية بعد غد تحت مسمى «جمعة تصحيح المسار»، تشهد الساحة المصرية ضغوطا متزايدة ومتزامنة في الأسبوع الجاري، أبطالها من العمال والمتضامنين معهم بمختلف فئاتهم، بينما تسعى الحكومة المصرية بدورها جاهدة لاستباق الموقف وملاحقة وامتصاص الغضب الشعبي من كافة الجهات، والذي وصل إلى مطالبة رئيسها الدكتور عصام شرف بتقديم استقالته، نظرا لفشله في تنفيذ تعهداته، حسبما يرى المحتجون.

وبعد إعلان معظم التيارات الإسلامية عدم مشاركتها في فعاليات المليونية، بدعوى أن الداعين للخروج يوم الجمعة المقبل لم يتفقوا على أهداف محددة ووضعوا أهدافا كثيرة بعضها جزئي، أكدت معظم التيارات الليبرالية واليسارية وائتلاف شباب الثورة وحركة 6 أبريل (نيسان) وكفاية مشاركتها بالمليونية.

وقال الدكتور محمد سعد الكتاتني الأمين العام لحزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين)، في تصريحات صحافية له، إن حزبه يرى أهمية إعطاء الفرصة للمسؤولين لتنفيذ باقي مطالب الشعب المصري بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، على أن تتم العودة إلى الميدان مرة أخرى بقوة حال عدم تنفيذ المطالب، كما أكدت أغلب الجماعات السلفية والجماعة الإسلامية رفضها المشاركة، كون هذه النوعية من المظاهرات تطالب بمدنية الدولة، وترسخ لمبدأ الفوضى.. معتبرين المساس بالمجلس العسكري في الفترة الحالية خطا أحمر، بحسب تعبير الدكتور يسري حماد، المتحدث الرسمي باسم حزب النور بالإسكندرية لـ«الشرق الأوسط»، إلا أن الأحزاب والحركات الليبرالية واليسارية دعت جموع الشعب إلى المشاركة بقوة في المظاهرة، وأوضحت تلك التيارات أن المطالب تشمل وضع إعلان واضح لتحديد الفترة الانتقالية وتاريخ انتهائها، ووقف محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، والإسراع بتحديد الحدين الأدنى والأقصى للأجور بالنسبة للقطاع العام، وإلغاء قانون مجلسي الشعب والشورى، واستبداله بمشروع القانون الذي اشتركت القوى والأحزاب السياسية في وضعه وقدمته لمجلس الوزراء وللمجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يدير شؤون البلاد منذ تخلي الرئيس السابق حسني مبارك عن السلطة في شهر فبراير (شباط) الماضي.

ولكن الحكومة المصرية، التي ما زالت تبحث الوسائل المختلفة لامتصاص الاحتقان السياسي والشعبي، حاولت طمأنة الرأي العام فيما يخص الانتخابات البرلمانية المقبلة. وأكد مصدر أمني رفيع المستوى أنه تم مراعاة جميع المعايير بمشروع قانون البرلمان، مشيرا إلى أن الدوائر الانتخابية تم توزيعها بمعايير وقواعد موضوعية، فضلا عن أنه تمت مراعاة كل الاعتبارات الأمنية بها، مشددا على أن قانون المشروع الجديد تلافى جميع العيوب السابقة فيما يخص توزيع الدوائر.

وأوضح المصدر الأمني لـ«الشرق الأوسط» أن اللواء ممدوح شاهين، مساعد وزير الدفاع للشؤون القانونية، سيعقد مؤتمرا صحافيا للإعلان عن قانون الدوائر الانتخابية وتصديق القائد العام رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير حسين طنطاوي عليه، وأنه سيتم أيضا الإعلان عن تحديد موعد فتح باب الترشح للانتخابات البرلمانية بغرفتيه (الشعب والشورى) عقب ذلك، لافتا إلى أن فتح الباب سيكون قبل يوم 27 سبتمبر (أيلول) الجاري.

وأكد أن الانتخابات البرلمانية ستجرى في موعدها، وأنه سيتم دعوة الناخبين للانتخاب وفتح باب الترشح، على أن يعقبها إجراء الانتخابات خلال فترة لا تقل عن 30 يوما من بدء إعلان الإجراءات.. منتقدا ما سماه بـ«تسريب» مشروع قانون الدوائر الانتخابية من خلال رئاسة مجلس الوزراء إلى بعض وسائل الإعلام.

وفي سياق ذي صلة، أعلن الدكتور صلاح يوسف، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، عن تنظيم احتفال، هو الأكبر من نوعه منذ ثورة 1952، بـ«عيد الفلاح» في يوم 9 سبتمبر باستاد القاهرة، فيما وصفته قوى سياسية ومعلقون بـ«محاولة جذب الأنظار بعيدا عن مليونية تصحيح المسار».

وبينما يشتعل الصراع بين القوى السياسية المختلفة، هدد عدد من العاملين بالدولة التابعين لمختلف النقابات بالتظاهر والإضراب عن العمل في غضون الأيام القليلة المقبلة، في تحد لقانون تجريم الإضراب عن العمل وعجلة الإنتاج الذي أصدره مجلس الوزراء منتصف يونيو (حزيران) الماضي.

وتسبب أمس إضراب العاملين بالبريد بعدد من المحافظات في تكدس آلاف المواطنين من أصحاب المعاشات أمام مكاتب البريد، ما أدى إلى نشوب اشتباكات بين المواطنين والعاملين المطالبين بتحسين أوضاعهم استدعت تدخل قوات أمنية من الشرطة والشرطة العسكرية لإنقاذ الموقف في عدة مدن كبرى.

وإثر ذلك اجتمع الدكتور طارق السعدني رئيس الهيئة القومية للبريد أمس مع قيادات الهيئة بالمقر الرئيسي بالقاهرة، حيث تمت دراسة جميع متطلبات العاملين تمهيدا لعقد اجتماع موسع اليوم مع ممثلي العاملين بجميع المناطق والإدارات البريدية بمختلف المحافظات للإعلان عن قرارات هامة بما يحقق مصلحة جميع موظفي الهيئة.

وعلى غرار ذلك، دعت مجموعات من الأطباء إلى تفعيل إضراب عام عن العمل يوم السبت المقبل، ودعت مجموعة أطباء من أجل مصر (التي تضم نحو 7 آلاف طبيب) رأوا أن يبدأ الإضراب في صورة جزئية لمدة 3 أيام يتم فيها الإضراب عن العمل باستثناء أقسام الطوارئ والعناية الفائقة والعمليات العاجلة، على أن يبدأ الإضراب المفتوح من اليوم الرابع في حالة عدم الاستجابة الحكومية، مطالبا الأطباء بالتقدم بإجازات مرضية جماعية في سبيل ذلك، إلا أن مجموعة أطباء بلا حقوق (الجناح المعارض الأبرز بنقابة الأطباء المصرية)، والتي تضم نحو 8 آلاف طبيب، عارضت فكرة الإضراب الكلي عن العمل لأي سبب كان، نظرا لتنافيه مع أخلاقيات مهنة الطب.

كما اتفق عدد من أساتذة الجامعات المصرية على البدء في إضرابهم عن العمل بدء من 13 سبتمبر الجاري، تمهيدا لإضراب عام لكل العاملين بالتعليم في 17 سبتمبر، بما يهدد بشلل تام بالحياة التعليمية في مصر. وفي ذات الشأن هدد العاملون بقطاعي البترول والنسيج بالإضراب يوم السبت المقبل، كما هدد العاملون بمجال الخدمات الصحية المعاونة بالإضراب في 25 من سبتمبر.

وبينما تتوالى الطرقات على رأس الحكومة المصرية، طالب «اتحاد شباب الثورة» باستقالة رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف نظرا لانتهاء المهلة التي حددها (شرف) لنفسه عقب مليونية 8 يوليو (تموز) الماضي من أجل تنفيذ مطالب الثورة، والتي كان من أبرزها تحديد حد أقصى وأدنى للأجور، وتطهير الهيئات الحكومية والحياة السياسية من أعضاء الحزب الوطني «المنحل»، وتطبيق قانون الغدر، والقضاء على الانفلات الأمني.