ضيافة غطى كرمها مصائب 42 عاما من حكم العقيد

سكان واحة جانت الجزائرية شاهدوا عائلة العقيد ورووا التفاصيل

صورة من الأرشيف لعائشة القذافي تلوح أثناء إلقائها كلمة من شرفة في باب العزيزية (أ.ب)
TT

يقول جزائريون يعيشون في واحة جانت، على بعد 1500 كيلومتر عن العاصمة الجزائرية، إنهم شاهدوا عائشة القذافي ابنة العقيد الفار وأفراد عائلته، بصورة خاطفة، خلال يومين أمضاهما الجميع، الأسبوع الماضي، في تلك المنطقة. وإنهم يرحبون، من جانبهم، بأي أنصار للقذافي يصلون إلى البلاد ما داموا جاءوها لاجئين.

وتنقل «رويترز» المشهد الخاطف، على لسان من شاهد عائلة العقيد بقولها: جاءت عائشة مع أمها وأخويها، فارين عبر الصحراء الكبرى، من البلاد التي كان أبوهم زعيما لها.. ووصلت إلى واحة نائية لتضع مولودة، ثم تابعت الفرار إلى عمق الصحراء في قافلة من السيارات الفارهة.

وإذا كان هؤلاء متسامحين مع العائلة اللاجئة في البلاد، فقد كان رئيس وزراء الجزائر، أحمد أويحيى، فخورا باستضافة بلاده لعائلة العقيد. وقد صرح أول من أمس، قائلا إن الجزائر فخورة بأنها ترحب بمثل هذه «الحالات الإنسانية». ويقول الجزائريون في جانت، التي تبعد 60 كيلومترا عن بلدة غات النقطة الحدودية الليبية، إن واجب الضيافة عند بدو الصحراء، يجعل النساء الهاربات ومن يرافقهن من الرجال، محل ترحيب مهما كانت الجرائم التي يلاحق من أجلها معمر القذافي نفسه.

وقال صحراوي صافي، وهو بقال وواحد من الكثير من سكان البلدة البالغ عددهم بضعة آلاف، ممن رأوا لمحات خاطفة من القافلة الليبية التي ضمت حوالي عشرة من أفراد العائلة، لـ«رويترز»، إنهم كانوا يتحركون بين المستشفى، حيث نقلت عائشة، ومنزل خاضع لحراسة مشددة، وإنها «عوملت معاملة جيدة، وتلقت الرعاية الطبية التي احتاجتها في المستشفى».

وقال رجل يدعى مهند، يدير مقهى قرب المستشفى، إنه شاهد قافلة من السيارات الليبية تتجه إلى المستشفى يوم الاثنين الماضي. وأضاف: «أعتقد أن الجزائر فعلت الصواب.. تقديم المساعدة والدعم للاجئ.. إنها لاجئة».

وقال مسؤولون جزائريون، إن صفية، زوجة القذافي الثانية، وابنتها عائشة، وابنها هانيبال، بالإضافة إلى محمد ابن القذافي من زوجته الأولى، عبروا الحدود يوم الاثنين 29 أغسطس (آب) الماضي. وكان قرب موعد ولادة عائشة، وهي محامية دولية في أواسط الثلاثينات من عمرها، عاملا مهما في السماح بدخولها. وضعت عائشة مولودها في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء الماضي، في عيادة أفري الواقعة على مشارف جانت، وقضت وطفلتها الوليدة ليلة ثانية في البلدة في منزل ناء ثم غادرت. وأبلغ مصدر في الجزائر على علم بالترتيبات التي جرت لعائلة القذافي، لكنه غير مخول بمناقشتها، «رويترز» بأن العائلة تمكث حاليا في كتمان في المنطقة الجنوبية الشرقية الخالية في البلاد، وربما في ولاية إيليزي التي تعادل مساحتها مساحة إيطاليا، لكن سكانها لا يزيدون على 50 ألف نسمة فقط. وقال المصدر: «عائشة ما زالت في المنطقة.. أعتقد أنها في ولاية إيليزي».

لن تجد عائلة القذافي في الصحراء، الحياة المترفة التي تكشفت أوجهها خلال الأسبوعين الماضيين في منازلهم التي هجروها في طرابلس. وليس في جانت ما يغري المسافرين. ولأن درجات الحرارة في فصل الصيف تصل في منتصف اليوم إلى 50 درجة مئوية في الظل، فإن المقاهي تخلو من الرواد وتبقى مقاعدها وطاولاتها فارغة وقد علاها التراب.

وكانت البلدة تاريخيا، نقطة تتزود فيها قوافل الجمال التي تعبر الصحراء الكبرى بالمياه. وهي الآن تجمع لمنازل بنية اللون أسقفها مسطحة، وحولها بساتين نخيل على منحدرات تل منخفض، بنى عليه المستعمرون الفرنسيون، قبل قرن من الزمان، نقطة حصينة صغيرة يطلق عليها فور شارل.

وبينما خاضت الجزائر وليبيا نزاعات خلال حكم القذافي الذي استمر أربعة عقود، من بينها نزاع على الحدود قرب جانت نفسها، إلا أن البلدين توحدا في شكوكهما في القوى الغربية بعد الحقبة الاستعمارية. وهذا ما أوجد نوعا من التضامن بين القذافي والنخبة الحاكمة في الجزائر.

وقال رئيس الوزراء الجزائري، أحمد أويحيى، مدافعا عن إيواء عائلة القذافي، وهي خطوة وصفها حكام ليبيا الجدد بأنها فعل من أفعال العدوان: «ليبيا بلد شقيق.. بلد له تاريخ عريق.. شعب مجاور يجمعنا به ماض مجيد ومستقبل مشرق». لكن حكومته استبعدت استقبال القذافي نفسه.

ومكان القذافي ليس معروفا، لكن مسؤولين جزائريين قالوا إن القذافي اتصل بهم وقال إنه في غدامس قرب الحدود في جهة الشمال.

وقال السكان إن مئات الليبيين جاءوا من سبها، أحد معاقل العقيد وكتائبه العسكرية المتبقية، بل من طرابلس إلى جانت وقرى أخرى في إيليزي. وأضافوا أن كثيرا منهم موالون للقذافي. ويتجنب هؤلاء إثارة الاهتمام. وحين اقترب مراسل لـ«رويترز» من مجموعة، قال السكان إنها مجموعة زائرين من ليبيا، رفضوا الحديث. ويقول الجزائريون إنهم يحاولون إكرام وفادة الزائرين بأفضل ما يستطيعون، على الرغم من ضيق ذات اليد.

وقال صافي البقال، إنه استضاف رجلا، وصفه بأنه ابن عم القذافي، في بيته، وإنه تعاطف مع محنة أولئك الذي يفرون من وطنهم. وقال: «بعض الليبيين خسروا كل شيء بين عشية وضحاها.. هذه مأساة لمعظمهم.. لم يتخيلوا أبدا أن يصبحوا لاجئين في يوم من الأيام». وقد أغلقت الجزائر، الآن، الجزء الجنوبي من حدودها مع ليبيا، بحسب مصدر أمني عند معبر الدبداب قرب غدامس. وقال المصدر، إن مئات الليبيين دخلوا الجزائر في الأيام التي سبقت رفع علم المجلس الوطني الانتقالي، الذي يمثل المعارضة الليبية، على المركز الحدودي الليبي. وقال المصدر: «الآن، وقد أصبح المجلس الوطني الانتقالي يسيطر على الحدود، بات من الصعب على القذافي ومعاونيه الوصول إلى الجزائر».

والجزائر هي جار ليبيا الوحيد في شمال أفريقيا الذي لم يعترف، حتى الآن، بالمجلس الوطني الانتقالي سلطة جديدة في ليبيا. ويقول مسؤولون جزائريون، إنهم قلقون على وجه الخصوص، من احتمال أن يكون متشددون إسلاميون اخترقوا المجلس الوطني الانتقالي، وأن يكون جناح تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا، سيستغل الفوضى في ليبيا للحصول على أسلحة ومتفجرات.

لكن كثيرا من الجزائريين، انتقدوا الحكومة لتقاعسها عن احتضان الحركة المعارضة للقذافي في ليبيا. وقد تابع الجزائريون الصراع عن كثب، وكثير منهم يرون، كما يرى آخرون في العالم العربي، أن القذافي كان طاغية.