مقتل وحرق جثث 8 جنود عراقيين في هجوم بمحافظة الأنبار

كركوك تشيّع أشهر أطبائها.. وعراقيون يتحسرون على الأمن في عهد صدام

TT

بينما أعلنت الشرطة العراقية مقتل ثمانية من عناصر الجيش وحرق جثثهم في هجوم مسلح على حاجز تفتيش قرب مدينة حديثة في محافظة الأنبار غرب البلاد، شيعت كركوك واحدا من أشهر أطبائها قتله مسلحون مع شقيقه.

وأوضح رائد في الشرطة رفض الكشف عن اسمه أن «مسلحين مجهولين هاجموا حاجزا للتفتيش يقع على طريق صحراوي بين حديثة وبيجي وقتلوا جميع أفرادها الثمانية وبينهم ضابط برتبة ملازم أول». وأوضح، حسب وكالة الصحافة الفرنسية، أن «المسلحين قاموا بالاستيلاء على أسلحة الجنود، ووضعوا جثثهم في إحدى المركبات وأحرقوها». وبحسب المصدر فإن «جميع أفراد الحاجز الذين ينتمون إلى الفرقة السابعة للجيش العراقي قضوا في الهجوم».

إلى ذلك، شيع المئات من سكان مدينة كركوك جثمان أشهر أطبائها الذي قتل مع شقيقه مساء أول من أمس في حادث بات يتكرر في هذه المدينة المتنازع عليها، ما يزيد المخاوف من أن تدفع هذه الاعتداءات إلى هجرة الأطباء. وعملية اغتيال طبيب الأعصاب يلدرم عباس دامرجي مع شقيقه هي الأحدث في سلسلة عمليات الخطف والابتزاز والقتل التي انتشرت مؤخرا. وبحسب المصادر فإن يلدرم التركماني الشيعي (48 عاما)، وهو أب لأربعة أطفال، قتل أمام منزل والدته بعد زيارتها، حيث كان مسلحون مجهولون ينتظرونه ليطلقوا النار عليه ويردوه قتيلا». ويؤكد عدد من المصادر المتطابقة أن يلدرم هو أشهر الأطباء المتخصصين في الأعصاب في البلاد، ويقصده مرضى من جميع المحافظات.

يشار إلى أن سلسلة من عمليات الخطف والابتزاز استهدفت الأثرياء في مدينة كركوك عموما، والأطباء بشكل خاص، أسفرت عن دفع مئات آلاف من الدولارات، وسط عجز الأجهزة الأمنية عن الوصول إلى المنفذين.

ويتحسر الكثير من العراقيين على الأمن في عهد الرئيس الأسبق صدام حسين، حسب تقرير لوكالة «أسوشييتد برس»، ففي الوقت الذي ينبغي أن تشعر فيه فوزية العطية، الشيعية التي اعتقلت من قبل الشرطة السرية وفقدت وظيفتها لأنها لم ترغب في الانتماء إلى حزب البعث، بالأمان لرحيل نظام صدام حسين، إلا أن ذلك الإحساس لم يراودها حتى الآن. فالتهديدات بالقتل والتفجيرات اليومية في بغداد جعلت العطية أكثر خوفا مما كانت عليه إبان حكم إرهاب صدام حسين، بحسب قولها. وقالت: «لم أكن أجرؤ في السابق على التفوه بكلمة ضد صدام حتى في منزلي، لكني على الأقل كنت أشعر بالأمن. كنت فقط أخاف من صدام، لكن الأمر ليس كذلك في الوقت الراهن، فربما تتعرض للقتل بمجرد خروجك من باب منزلك».

وخلال المقابلات التي أجريت في بغداد استشهد العراقيون بالتفجيرات العشوائية اليومية والقنص الذي يتواصل يوميا في حصد أرواح العراقيين، وأشاروا إلى أنه في ظل حكم صدام كانوا يعرفون أن بإمكانهم تفادي استهدافهم عبر التزام الصمت.

ومع ازدياد الغموض الذي يلف المشهد العراقي انتقلت فوزية العطية وأسرتها نتيجة العنف الطائفي من حي شيعي إلى المنطقة الخضراء المحصنة. ولا تستطيع فوزية العطية، أستاذة علم الاجتماع في جامعة بغداد، من أن تقود سيارتها إلى الجامعة، وتقول إنها تعتمد بدلا من ذلك على حراس شخصيين للقيام بهذا الأمر. وأضافت: «في ظل صدام كان هناك خوف لكنه كان مختلفا، فالعنف الطائفي الذي جر البلاد إلى حافة الحرب الأهلية قبل عدة سنوات لم يكن موجودا إبان حقبة صدام».

ويقول الجنرال جيفري بيوكانن، المتحدث الجيش الأميركي في بغداد: «لن أكذب بشأن الموقف الأمني الحالي في العراق. أعتقد أن هذا الموقف لا يستحقه العراقيون أو يرغبون فيه». وعندما سئل عن المقارنة بين الموقف الأمني في الوقت الراهن بنظيره في حقبة صدام، أشار بيوكانن إلى أن الموقفين يختلفان غاية الاختلاف، وقال: «لا أعتقد أننا نعلم الكثير عما كان يجري في الماضي لأن الكثير منه كان يجري بهدوء. ففي السابق كان زوار الفجر يداهمون منزلك في ساعة متأخرة من الليل لاعتقالك ولم يكن أحد ليسمع عنك مرة أخرى».

من المؤكد أن أحدا لم ينسَ الرعب إبان عهد صدام، والتقديرات التي تشير إلى عدد من نفذت بحقهم أحكام إعدام أو الذين لم يعلم عن مصيرهم شيء خلال حكم صدام حسين الذي امتد على مدار 24 عاما، تتراوح ما بين 300.000 إلى 800.000 شخص. وتؤكد مراجعات الجثث التي وجدت في المقابر الجماعية التي تعود إلى تلك الحقبة على تقديرات جيرارد ألكسندر، الخبير في معهد إنتربرايز الأميركي في واشنطن، ما وصفه بالتقديرات المتحفظة من أن عمليات القتل بلغت 16.000 عراقي سنويا.

وتقول بيخال خليفة، كردية تبلغ من العمر 31 عاما، تتنقل ما بين عملها في بغداد ومنزلها في كركوك، عندما كان صدام رئيسا: «عندما كنت في بغداد كنت دائما أشعر بأن اليوم هو اليوم الذي سأُقتل فيه، لكني كنت محظوظة». وقالت: «أنا على يقين من أن هناك الكثير من العرب الذين يقولون الآن: نتمنى لو كان صدام في السلطة الآن، لكن بالنسبة للأكراد فجميعهم سعداء برحيله عن السلطة».

وتقول هدى عقيل، التي تبلغ من العمر 35 عاما، ربة منزل سنّية وأُمّ لثلاثة أطفال، وقد تلقى زوجها تهديدات بالقتل لأنه كمقاول بناء يعتبر متعاونا مع الأميركيين: «على الرغم من أن صدام كان طاغية، فإننا كنا نعيش حياة كريمة. كانت الحياة بسيطة، وكان بمقدورنا الذهاب إلى أي مكان نشاء. والآن لا يوجد أمن ولا استقرار ولا كرامة إنسانية. نحن نخشى كل شيء».