داغستان: فصول جديدة من الحرب ضد التمرد بالقوقاز

أعمال القتل باتت جزءا من الروتين اليومي والشباب الغاضب لجأ إلى الاختباء في الجبال

TT

تجددت أحدث فصول الحرب الروسية ضد التمرد الإسلامي في داغستان، تلك البقعة المنيعة في شمال القوقاز التي ترتفع فيها قمم الجبال إلى 13000 قدم. شهدت جمهورية داغستان في الآونة الأخيرة تفجيرات انتحارية، إذ لا يمر أسبوع تقريبا دون الإعلان عن مقتل عدد من رجال الشرطة وعدد من المدنيين. فيما تلاحق قذائف الدبابات والمروحيات والأسلحة تلك العصابات في الغابات.

حتى وقت قريب كان التمرد الشيشاني مصدر القلق الأكبر بالنسبة للقادة الروس، لكن الاستياء لدى المسلمين الداغستانيين تحول إلى العنف ليجد متنفسا له في صورة متشددة من الإسلام أخذت تضرب بجذورها في تلك الطبيعة الجبلية الساحرة.

تلقي السلطات باللائمة وراء تلك الأحداث على المتطرفين المسلمين، فيما يلقي الأصوليون المسلمون باللائمة على أعمال القمع الحكومي. ويبدو القتال في بعض الأحيان أشبه بحرب أهلية، تمثلت في الهجوم على الأئمة وقتلهم وتفجير مستودعات الخمور ولجوء الشباب الغاضب إلى حمل السلاح والاختباء ـ والتي توصف في شمال القوقاز بالذهاب إلى الغابة.

ويقول أبو عمر، البالغ من العمر 30 عاما، أحد القادة الدينيين عن السلطات الإقليمية: «كانوا يرهبون الناس. والآن الناس يرهبونهم».

عندما انفرط عقد الاتحاد السوفياتي السابق في نهاية عام 1991، برزت روسيا كدولة مستقلة، تحت قيادة بوريس يلتسين الذي وعد بالديمقراطية والرفاهية والدولة متعددة الأعراق. لكن برغم مرور 20 عاما على الاستقلال، ظل المواطن البسيط محبطا بسبب غياب الفرص وتزايد نفوذ الحكومة المستبدة التي ينخر فيها الفساد وعدم احترام القانون، فيما تمكنت أقلية من جمع ثروات طائلة. ولذا نشأت التوترات العرقية.

تظاهر عدد قليل من الأفراد، وتم إخضاع الشيشان، لكن الداغستانيين كانوا يدورون في دوامة النزاعات الدينية والغضب من موسكو المختلط بنضال سياسي وتجاري شرس.

ويقول أبو عمر، زعيم ديني يبلغ من العمر 30 عاما: «لن تجعل روسيا داغستان دولة مزدهرة. نحن بالنسبة لهم شعب من الدرجة الثالثة، إنهم يرغبون في إذلالنا ونحن نشعر بذلك».

يعتبر أبو عمر من وجهة نظر الروس سلفيا وهو ما يطلقون عليه وهابي ويرادف لديهم متطرفا.

في المدرسة الدينية، التي يشرف عليها أبو عمر والمكونة من 3 طوابق، يقول السلفيون إنهم ينوون تقديم خدمات اجتماعية ورياضية وتعليمية وفرص لم تلوثها يد الفساد. ومع توغل الجرافات أشار أبو عمر إلى بقعة، قال إنها مخصصة لبناء ملجأ للأيتام الذين قال إن الحكومة تركتهم.

ويحلم أبو عمر بتطبيق الشريعة في داغستان وسماح روسيا للمسلمين بالعيش في سلام ورفاهية. لكن الحكومة تعتبر مثل هذا الكلام عنوان خطر للتدمير والإرهاب. ويؤكد أبو عمر على أن السلطة فقدت أثرها المعنوي وأخطأت بشأن السلفيين، فقال: «نحن نبني، لا نهدم».

وصل الإسلام إلى جمهورية داغستان في أواخر القرون الوسطى وانتهجت الصوفية المعتدلة التي امتزجت بالتقاليد المحلية. لكن الشعائر الدينية كانت تمارس سرا خلال عقود المنهج الملحد الذي تبنته حكومة الاتحاد السوفياتي آنذاك، ففي داغستان كان المسلمون يلجأون إلى دفن القرآن في الغابة ويعانون في صمت نتيجة تدمير مساجدهم.

عندما بدأ الدين في الظهور مرة أخرى في روسيا مع تقوض الاتحاد السوفياتي في أواخر الثمانينات بدأت السلفية في الدخول إلى هنا عبر أفغانستان. حلت خيبة الأمل والفوضى التي غلفت المشهد الروسي عام 1990 محل الشيوعية بديمقراطية قدمت أرضا خصبة لتجد موطأ قدم لها في داغستان. تسود علاقة كراهية بين الصوفية الموالين للحكومة والسلفيين، ويدير الصوفية مجلس المسلمين الروحي الذي يلقى دعما من الحكومة، والذي ينتمي إليه رجال الدين في الدولة، والذين يدعمون أيضا الدولة العلمانية في الوقت الذي يرفض فيه السلفيون ذلك.

ويقول أبو عمر: «سواء أكان المسلم صوفيا أم سلفيا فإن عدم إيمانه بضرورة تطبيق الشريعة يخرجه من الإسلام».

وقد تحولت أعمال القتل العنيف والملغزة جزءا من الروتين اليومي للحياة هنا. ففي المركز الرياضي في محج قلعة، تصف نيساخان ماغوميدوفا، كيف قتل مدير برنامج الجودو بعد حصوله على وظيفة أفضل في ناد آخر، وربما كان ذلك نتيجة لتنافس مهني.

ويحيط السكان منطقة على الشاطئ انفجرت فيها قنبلة العام الماضي، فيما قامت مظاهرة ضد ارتداء النساء لباس السباحة.

وقد قتلت الشرطة منذ بداية العام 100 شخص وصفتهم بأنهم متمردون، بحسب تصريحات لمسؤولي وزارة الداخلية في يونيو (حزيران) الماضي، لكن ناشطين حقوقيين اتهموا الشرطة بأعمال القتل أولا ثم البحث عن تهمة لإلصاقها بكل قتيل.

ويشير الصحافيون المحليون إلى وجود ما يقرب من 1000 إلى 1500 مسلح في الغابات في الوقت الراهن وأن هناك ما يقرب من 5000 آخرين يستعدون للانضمام إليهم. تأوي الغابات أيضا الجماعات الإرهابية المنظمة أيضا ـ عرضت الحكومة الأميركية 5 ملايين دولار لمن يقدم معلومات عن دوكو عمروف، الإرهابي الشيشاني المنتمي إلى القاعدة والذي يشتبه في اختفائه في داغستان والذي اتهم بشن هجمات في موسكو.

يعتبر كل رجال الشرطة في داغستان مستهدفين، لأنهم يمثلون الحكومة ولأنهم يتهمون بالتعامل بوحشية مع المواطنين. ففي إحدى مقاطعات محج قلعة، قتل 6 من رجال الشرطة بعد تفجير انتحاري استهدف مخفر الشرطة. ويقول سعيد عميروف، عمدة محج قلعة منذ عام 1998، والذي نجا من 15 محاولة اغتيال، لكنه أصيب في إحدى هذه المحاولات بإصابات خطيرة أقعدته عن الحركة: «هناك البعض ممن يحاولون العيش خارج إطار القانون، وأنا لا أتركهم يفعلون ما يحلو لهم».

ويقول أحد سكان محج قلعة: «كل هذا القتال نتيجة للأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية السيئة. فكل المؤسسات في الدولة فاسدة والقوة الفيدرالية الروسية هي مصدر ذلك». فيما تقول آيات عبد الرحمنوف، 28 عاما، التي ترتدي الحجاب: «جاء الروس إلى أرضنا وأملوا علينا كيف نعيش، جلبوا لنا المخدرات والدعارة والكحول، وقالوا لنا إن لم يعجبكم ذلك فارحلوا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»