متاهة ليبية دولية داخل مثلث صحراوي

فوضى في محاولات تعقب القذافي تثير غبارا من المعلومات المتناقضة

TT

ثمة محاولة من جانب الثوار لتعقب معمر القذافي تفتقر إلى التنسيق بشكل واضح، وتتزعمها فصائل متنافسة من القادة العسكريين وأشخاص راغبون في الحصول على مكافآت مالية معروضة، هذا إلى جانب قادة عسكريين ليبيين كلفهم ذلك القادة المدنيون. ويقول الليبيون المشاركون في عملية التعقب، إنهم لا يحصلون على قدر كبير من المساعدة من جانب «الناتو»، على الرغم من وسائل الاستطلاع الجوية والإلكترونية المتقدمة الموجودة لدى الحلف. وبدلا من ذلك، يجدون أنفسهم يعتمدون على معلومات استخباراتية يستمدونها من مخبرين وشهود، ولكنهم يواجهون صعوبات بالغة في ترشيح جميع المعلومات الواردة ومعالجتها وتبادلها. وتأتي معظم المعلومات من معقل القذافي القبلي، وهو عبارة عن مثلث واسع من أماكن مشجرة وأرض صحراوية، تمتد بين مسقط رأسه الساحلي في سرت، شرق طرابلس، ومدينة بني وليد في الغرب ومدينة سبها ذات التسليح العالي على حافة الصحراء في الجنوب. وفي هذه الأثناء، أوردت تقارير إخبارية محلية يوم الثلاثاء، أن موكبين عسكريين اتجها من ليبيا إلى دولة النيجر المجاورة. وأوردت وكالة «رويترز»، عن مصادر عسكرية من فرنسا والنيجر، أن عشرات من المركبات العسكرية الليبية عبرت الحدود الصحراوية وصولا إلى النيجر، جنوب ليبيا، في ما اعتبرت محاولة لطلب اللجوء من جانب القذافي في بوركينا فاسو المجاورة. وبدت هذه التقارير مبهمة، ولم يتسن التثبت منها من مصدر مستقل. ولا يكاد يمر يوم دون أن يزعم شخص معرفة مكان اختباء القذافي في مثلث سرت - بني وليد - سبها. وتكمن المشكلة في أن من يعرفون لا يتفقون مع بعضهم. ويوم الاثنين، قال أنيس الشريف، عضو اللجنة العليا للأمن في طرابلس الخاضعة لقيادة مدنية، إن معلومات مؤكدة وصلته تقول إن القذافي شوهد على بعد 12 ميلا جنوب مدينة سرت التي يسيطر عليها موالون قبل يومين اثنين فقط، وكان يستعد للاتجاه جنوبا صوب سبها. ولكن قال عضو في المجلس الوطني الانتقالي الحاكم، قال إنه وصلته «معلومات موثوقة من شخص قريب من القذافي»، تقول إن موقع العقيد الليبي السابق أقرب إلى بني وليد. ويحظى تعقب القذافي بأولوية كبيرة للثوار والكثير من المدنيين الليبيين، الذين يقولون إنهم لن يشعروا بالأمن حتى يلقى القبض على الديكتاتور السابق أو يقتل. وقد تعزز الشعور بعدم الراحة بعدما سمعت رسائل صوتية من القذافي يهدد فيها بتحويل ليبيا «إلى جحيم». ويوم الثلاثاء، ظل نظام القذافي المتداعي في وضع تحد، وتعهد باستعادة بنية القوة لديه. وقال موسى إبراهيم، المتحدث باسم القذافي والوجه العام المعبر عن حكومته، لقناة «الرأي» التي يوجد مقرها في سوريا: «نحن نقاتل ونقاوم من أجل ليبيا وجميع العرب، وما زلنا أقوياء وقادرين على قلب الطاولة على (الناتو)». وعلى الرغم من ورود تقارير عن أن القذافي يخطط للهرب، قال إبراهيم لقناة «الرأي»، إن القذافي «في حالة صحية ممتازة وإنه يخطط ويجهز للدفاع عن ليبيا».

وقال مسؤولون إن هناك مكافأتين منفصلتين أعلن عنهما مقابل الإمساك بالقذافي حيا أو قتله: مليونا دينار ليبي و6 ملايين دينار ليبي (أي ما يعادل 1.7 مليون دولار و5 ملايين دولار). وقد نتجت عن ذلك زيادة في تدفق المعلومات، وشجع بعض الثوار للانطلاق من أجل الإمساك به. وللمساعدة على تنسيق محاولات التعقب العديدة، قال الشريف إن اللجنة الأمنية في طرابلس ستعين فريق مهام وغرفة عمليات خلال الأيام القليلة المقبلة. وأضاف: «في الوقت الحالي، لا نحصل على مقدار كبير من المعلومات من (الناتو). ولكن تصلنا الكثير من المعلومات عبر الكثير من الطرق التقليدية مثل الشهود العيان وأفراد في الميدان تعرفنا بمكانه وما يخطط له».

قد كانت الاستخبارات البشرية عنصرا مهما في إلقاء القبض على الديكتاتور العراقي الأسبق صدام حسين، ومقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. ويقول الشريف إن القذافي يتجنب استخدام التليفونات التي تعمل عبر الأقمار الصناعية والتي يمكن لـ«الناتو» تعقبها، كما فعل أسامة بن لادن. وقد تخلى القذافي، الذي كانت خشيته من التعرض لهجوم جوي سمة في فترة حكمه منذ الغارة الجوية الأميركية على مجمعه السكني الرئيس في طرابلس عام 1986، عن سياراته رباعية الدفع المعتادة، واستخدم بدلا منها سيارات أصغر، وفق تقارير شهود ذكرها قادة في صفوف الثوار. ويقول قادة إنهم لا يعتقدون أنه يسافر في المواكب الضخمة التي يمكن أن تستهدفها طائرات تابعة لـ«الناتو». وهذه الوسائل تفيد بدرجة ما. ويعترف «الناتو» بأنه لا يعرف مكان القذافي، واشتكى مسؤول في الحلف داخل نابولي شريطة عدم ذكر اسمه، لأنه غير مخول الحديث لوسائل الإعلام، من تدافع «هائل» من جانب المدنيين والثوار والموالين على الطرق التي تربط المدن الكبرى في نقاط المثلث. وقال المسؤول إن المنطقة واسعة وسيكون من الصعب رصد موكب ربما يلوذ به القذافي من الجو. وجاءت أحد أكثر التقارير إقناعا عن رؤية القذافي في 26 أغسطس (آب) في ضواحي طرابلس، بعد أيام قليلة على سقوط معظم أنحاء المدينة في يد الثوار. وقال حارس شخصي وقع في قبضة قوات الثوار، إنه اجتمع داخل قاعدة عسكرية هناك مع ابنه خميس قبل أن يرحل مع زوجته وابنته. وبعد ذلك بوقت قصير، نصب كمين لخميس القذافي وقتل في الطريق إلى بني وليد، بحسب ما ذكره الحارس الأسير. واتجهت زوجة القذافي وابنته إلى الجزائر، بينما ذاب العقيد السابق في الصحراء. ولكن، إذا كان من الصعب التوصل إلى مكان القذافي، فالمعلومات عن أبنائه تبدو أسهل. وجاءت تقارير عديدة من قيادات الثوار تشير إلى أن سيف الإسلام كان في بني وليد حتى يوم السبت الماضي، وأنه يحاول حاليا «الهرب من البلاد»، بحسب ما ذكره شريف. ويوم الثلاثاء، أورد تلفزيون «الجزيرة» أن الثوار الليبيين توصلوا إلى صفقة من قادة مدينة بني وليد، وأنهم كانوا يستعدون لدخول المدينة نهارا. وتم التوصل إلى الصفقة بعدما غادر عدد من القوات الموالية للقذافي المدينة، وفق ما جاء في تقرير «الجزيرة». ومع اقتراب قوات الثوار من بني وليد وسرت، قال القادة إنهم يعتقدون أن القذافي ربما يتجه حاليا إلى سبها. ويوجد على ضاحيتها مزرعة تملكها عائلة القذافي التي تحدث عنها، كمكان اختباء للطوارئ، بحسب ما ذكره صديق العائلة السابق رضوان أديب. وقال أديب، إنه (المكان) يحتوي على مركز قيادة وتحكم – قصفته طائرات «الناتو» مؤخرا – ومخازن واسعة للأسلحة والمؤن والمال. وقال الشريف إن الثوار قالوا إن مساعدي القذافي أنشأوا 50 منزلا آمنا في الطريق جنوبا إلى سبها. وقال بعض المحللين إن القذافي ربما يفضل محاولة تجنب متعقبيه في الصحراء الليبية الواسعة. ويقول شاشانك جوشي، من معهد الخدمات الملكية المتحدة في لندن، إن تعقب القذافي قد يستمر لثمانية أشهر مثلما حدث مع صدام حسين في العراق. ولكن شهدت وسائل مراقبة الاتصالات الإلكترونية تحسنا منذ أن نجح صدام حسين في تجنب القوات الأميركية عام 2003. ويقول جوشي إنه يعتقد أنه ربما يكشف القذافي في النهاية عن أماكن تردده، سواء من خلال رسائل يبعث بها إلى العالم الخارجي، أو لأنه سيميل إلى المحافظة على بعض ملامح حياته السابقة. وقال جوشي: «سيكون عرضة للاكتشاف ما لم يعتمد إجراءات أمنية لا تشوبها شائبة في مجال الاتصالات والعمليات. وسيكون من الصعب على القذافي أن يتخلى عن بعض مظاهر التباهي، على عكس ما فعله بن لادن».

* ساهم في التقرير ليلى فاضل من طرابلس وجوبي واريك من واشنطن

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»