تمويل حصة لبنان بالمحكمة الدولية يضع لبنان في مواجهة مع مجلس الأمن

خبير قانوني لـ«الشرق الأوسط»: امتناع الحكومة عن التمويل لا يعطل المحكمة.. وعقوبات دولية محتملة إذا ثبت أن حزب الله وراء قرار الرفض

TT

يكاد يكون العنوان الأساسي لشهر سبتمبر (أيلول) الحالي أنه شهر الاستحقاقات أمام حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي تجتمع بعد عطلة طويلة لتناقش أبرز ملفين مطروحين على الساحة السياسية اللبنانية. وإذا كان قانون الكهرباء التحدي الأول بعدما ربط رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون مشاركته في الحكومة بإقراره سريعا، فإن التحدي الأكثر خطورة الذي يتخطى بارتداداته طاولة مجلس الوزراء إلى الشارع اللبناني المأزوم، يتمثل في استحقاق حصة لبنان في الموازنة السنوية للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان لعام 2011، بعدما تأخر لبنان في تسديدها منذ مطلع العام الحالي. وينذر استحقاق التمويل باستحضار مشاهد الانقسام والتجاذب، على الرغم من أن أيا من التيارات السياسية التي تضمها الحكومة لم يتطرق إلى هذه القضية الدقيقة في الإعلام بحيث بقيت المواقف ضبابية على الرغم من تأكيد ميقاتي في باريس التزام حكومته بالمحكمة وعدم رغبته في التقاعس عن التزامات لبنان الدولية، التي يأتي في مقدمتها تسديد حصة لبنان التي تبلغ 49% من الموازنة السنوية للمحكمة الدولية والمقدرة بـ65 مليون دولار.

واللافت أن كيفية تسديد الحصة تختلف مع الحكومة الجديدة عن حكومة الرئيس سعد الحريري السابقة، ذلك أنه في عام 2010 عمد الحريري إلى التسديد عبر سلفة خزينة قررها مجلس الوزراء بمعزل عن مجلس النواب، كون التسديد لم يدرج في مشروع قانون الموازنة العامة الذي من المفترض مناقشته وإقراره في المجلس النيابي. وفي عهد الحكومة الحالية يتطلب بت هذه القضية موافقة كل من الحكومة ومجلس النواب، وبالتالي، فإن المجلس سيقول الكلمة الفصل في هذا الاستحقاق وليس فقط الحكومة. فالأكثرية النيابية، أي قوى «8 آذار» ستصوت ضد التمويل، بينما المعارضة أو فريق «14 آذار» سيدعم التمويل ولكن من دون أن يكون قادرا على فرض توجهاته فيما لو بقي النائب وليد جنبلاط، وكتلته النيابية، مؤيدا لموقف حزب الله والأكثرية الحالية.

وفي هذا السياق، تحدثت مصادر نيابية قريبة من رئيس الحكومة عن التزام ميقاتي بما أعلنه على هامش مؤتمر «أصدقاء ليبيا» الباريسي إزاء ملف المحكمة الدولية وكذلك سائر القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان. وأضافت أن الحكومة ستناقش مسألة تسديد حصة لبنان من الموازنة السنوية للمحكمة بعدما تم إدراجها في موازنة العام الحالي وناقشتها لجنة المال والموازنة النيابية، ثم طلبت الحكومة استردادها لبحثها على طاولة مجلس الوزراء، وإعادة إفساح المجال لتكرار مناقشتها، علما بأن الحكومة السابقة كانت قد أحالتها إلى مجلس النواب للمناقشة.

في المقابل، اعتبر النائب في تيار المستقبل جان أوغاسبيان ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» أن آلية التسديد يجب أن تتم وفق ما اعتمدته الحكومة السابقة، أي إدراج التمويل في سياق سلفة خزينة وليس في إطار الموازنة العامة. وأوضح أن ترجمة إعلان ميقاتي في هذه المسألة تتم وفق سلسلة خطوات يجب اتخاذها قبل حلول السابع من الشهر الحالي؛ أولها إدراج التمويل كبند على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء، وثانيا سحب اقتراح التمويل من الموازنة ومناقشته داخل الحكومة وإقراره كسلفة خزينة لأن الموازنة تتطلب أسابيع عدة لبحثها وإقرارها، مما يؤخر هذا الاستحقاق، ثم موافقة مجلس الوزراء على التمويل بغالبية الأصوات؛ وهو ما يبدو صعبا بعض الشيء انطلاقا من الأصوات التي بدأت ترتفع مستنكرة ومنتقدة كلام ميقاتي عن تمويل المحكمة، وصولا إلى مقايضة الموافقة عليه بموافقة الحكومة على خطة العماد عون للكهرباء، وتأكيد وزير السياحة فادي عبود أن تمويل المحكمة يفترض موافقة مجلس الوزراء وليس فقط إعلان رئيس الحكومة التزامه بذلك.

وخلص النائب أوغاسبيان إلى أن تمويل المحكمة سيكون محطة اختبار أمام حكومة ميقاتي لتثبت للبنانيين وللمجتمع الدولي إرادتها ترجمة وعودها بتحقيق العدالة في لبنان، وتطبيق قرارات الشرعية الدولية.

ويضع تنامي السجال داخل الحكومة وفي الشارع اللبناني حول تمويل المحكمة الدولية الحكومة أمام مأزق بالغ الخطورة، خصوصا في ضوء اعتبار حزب الله المحكمة الدولية «إسرائيلية - أميركية» ومقاطعته لها. فماذا سيحدث إذا رفض لبنان تسديد حصته المالية؟ يقول الخبير في القانون الدولي الدكتور أنطوان سعد أن المحكمة الدولية ستضطر إلى توفير المال من موارد أخرى وستواصل عملها ولن تتوقف أو تسقط كما تتوقع بعض الرهانات المحلية. وأوضح أن المادة الخامسة من نظام المحكمة الدولية تنص على أنه في حال عدم تأمين التمويل يقوم الأمين العام للأمم المتحدة بالتعاون مع مجلس الأمن باستكشاف مصادر تمويل بديلة. وأكد أنه من الناحية المبدئية، فإن دولا عدة ستكون جاهزة للتبرع بهدف تحقيق العدالة الدولية وتمكين المحكمة من ممارسة مهامها.

وعن وضع لبنان القانوني أو المسؤولية التي ستترتب عليه في حال أدت الخلافات الداخلية إلى الامتناع عن التمويل، لم يحدد سعد نتائج مباشرة، لكنه كشف أنه إذا تبين لمجلس الأمن أن أسباب النكث بالوعود وعرقلة التزام الدولة اللبنانية مع المجتمع الدولي مرتبطة بحزب الله وباتهام عناصر منه بارتكاب جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فإنه من المحتمل عندها أن تتخذ تدابير عقابية بحق لبنان، وهذا الاحتمال وارد في حال تأكد للمحكمة الدولية وللأمين العام للأمم المتحدة أن حزب الله يدفع باتجاه هذه العرقلة وليس في أية حالة أخرى. وختم سعد معتبرا أنه في ظل التوترات الإقليمية الحاصلة اليوم، ليس من مصلحة لبنان واللبنانيين الوقوف في وجه القرارات الشرعية الدولية.