سيف النصر عبد الجليل لـ «الشرق الأوسط»: أستبعد مرور ليبيا بظروف العراق بعد صدام

وزير الدفاع الليبي في العهد الملكي: ما يقوم به المجلس الانتقالي في ثورة 17 فبراير معجزة

سيف النصر عبد الجليل
TT

«أنا أحد أركان نظام الملك إدريس السنوسي».

هكذا قال سيف النصر عبد الجليل، وزير الدفاع الليبي في عهد الملك السنوسي، معرفا نفسه خلال حواره مع «الشرق الأوسط»، مستعيدا ذكرياته التي يعكف الآن على جمعها، لتأليف كتاب يظهر فيه حقيقة الماضي الليبي كما يراه.

أعرب عبد الجليل عن سعادته لقيام ثورة 17 فبراير (شباط) الليبية، التي لم يتوقع قيامها بعد ما شاهده من تأييد للقذافي في الداخل، مشيرا إلى أن المجلس الوطني الانتقالي الليبي يواجه عبئا كبيرا في إدارة ليبيا منذ قيام الثورة، قبل نحو ستة أشهر، متمنيا لهم العون من الله، واصفا دورهم بالمعجزة.

وأكد عبد الجليل، الذي ولد عام 1929، وينتمي إلى أسرة عريقة في ليبيا، قامت بمقاومة الاحتلال الإيطالي حتى الاستقلال عام 1951، أن لديه تخوفا من الأحداث التي ستتبع الثورة الليبية الحالية، متمنيا أن يتمكن المجلس الانتقالي من وقف سيل الدماء الذي توقع أن يعقب سقوط القذافي في أيدي الثوار، معللا ذلك بوفرة السلاح بكثرة في ليبيا.

وأشار عبد الجليل، إلى أن ما أطلق عليه القذافي ثورة الفاتح عام 1969، قام بها سيرا على نهج أحداث العالم العربي التي شهدت موجة وصول العسكريين إلى السلطة والقيام بثورة ضد حكامهم، وأنه لم يكن هناك ما يدفع الشعب الليبي للقيام بثورة ضد الملك إدريس، الذي اعتبره صمام الأمان للشعب الليبي في فترة حكمه. وأكد عبد الجليل عودته إلى ليبيا خلال الأيام القريبة، معلقا: «ستظل ليبيا في القلب..».

وأوضح عبد الجليل أن ظروف المجتمع الليبي تختلف عن الوضع في العراق وقت حكم صدام حسين، على الرغم من تشابه القذافي وصدام في كونهما ديكتاتورين. وإلى نص الحوار..

* كنت وزيرا للدفاع قبل ثورة الفاتح بخمس سنوات، فكيف كانت هذه الفترة؟

- عشت في ليبيا بعد تركي لوزارة الدفاع في 1964.. عشت في ليبيا بلدي، واتجهت بعد ترك منصبي للأعمال الحرة، وتركت العمل السياسي. وبعد انقلاب ثورة العسكر، تم استدعائي للتحقيق معي، على اعتبار أنني أحد فلول نظام الملك إدريس السنوسي.. تم إلقاء القبض علي، وبعد استجوابي لم يجدوا هناك ما يدينني فأفرجوا عني. كنت لا أستطيع أن أسافر، لا أنا ولا عائلتي، إلا بإذن السلطات الليبية في ذلك الوقت.. بعدها عدت إلى مصر، واستدعتني سلطات الأمن المصرية في عهد الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، للتحقيق معي بشأن ما سموه، وقتها، مؤامرة فزان، كانقلاب ضد ثورة الفاتح (عام 1969). وبعد أسبوع أمضيته في مقر مباحث أمن الدولة المصري، رحلت إلى ليبيا، وقضيت هناك قرابة ثلاثة أيام من التحقيقات، ثم تم الإفراج عني، إذ لم يجدوا ما يدفعهم للزج بي في السجن.

* وكيف كنت ترى «انقلاب الفاتح» عام 1969؟

- أراه مثل الانقلابات التي سبقته.. القذافي لم يكن لديه ما يدفعه للقيام بما سماه ثورة الفاتح، لكن لأن العالم العربي شهد موجة ركوب العسكريين الحكم في تلك الفترة، قام القذافي هو أيضا بثورته.. لم يكن هناك مبرر للقيام بثورة ضد الملك إدريس، لأن هذا الرجل كان صمام الأمان لليبيا، لأنه رجل ورع عنده بعد سياسي وزاهد في الحكم؛ قدم استقالته وقت ذهابه للعلاج خارج ليبيا، وترجاه الكثير من الرؤساء ورئيس مجلس الشيوخ والنواب أن يعود إلى البلاد، لكنه فضل ترك السلطة.. أنا من أركان نظام الملك إدريس، لكن الانقلاب نجح في إسقاط الحكم.

* لكن قد يقول البعض، إنه على الرغم من شعبية الملك إدريس، حينذاك، أيد الليبيون «ثورة الفاتح»؟

- لم تكن هناك في ليبيا مبررات ولا ما يدعو لقيام ثورة من الأساس، ولكن الشعب دائما ما يكون مع الهوجة، ولأن الشعوب عاطفية، فقد انساقت وراء جيش القذافي.. الشعوب العربية عادة ما تكون شعوب حكومة، تتبع الموجة دون تفكير بتمعن. ودعني أحكي لك قصة أدلل بها على كلامي؛ أتى الملك فؤاد بإسماعيل صدقي باشا، لتأليف الوزارة، ففعل. وحينما عزل من رئاسة الوزراء، تم انتقاده من قبل الشعب الذي هتف ضده، وبعد عودته إلى الوزارة مجددا، قيل له اخرج وحي الشعب، فخرج ليجد الناس يهتفون ويشيدون به، فقال لهم: «أهلا يا شعب كل وزارة».

* هل توقعت قيام الشعب الليبي بثورة ضد العقيد القذافي؟

- حالة التهليل والهتافات والتأييد التي كان يقوم بها المنتفعون من نظام القذافي، جعلتني أستبعد حدوث ثورة بهذه السرعة، أو حدوث انتفاضة عليه.. لم تكن هناك دلالات لقيام ثورة ضد القذافي، حدثت فجأة، ولكن كيف حدثت؟ لا أعلم. القذافي خلاص في نهايته، وأتمنى أن يحدث استقرار في المستقبل، لأن الوضع القبلي تحكمه قوانينه الخاصة، فكل ما نتمناه من ربنا أن يوقف حمامات الدم التي أتوقع أنها ستستمر بعد سقوط معمر، بسبب كثرة السلاح الذي أصبح في يد كل شخص.

* هل ترى نهاية القذافي شبيهة بنهاية الرئيس العراقي السابق صدام حسين؟

- يختلف صدام والقذافي بعضهما عن بعض، على الرغم من تشابههما في الديكتاتورية، ولا أرى أن يكون مصير ليبيا مثل العراق بعد إعدام صدام، فالبيئة الليبية بطبيعتها وعاداتها ونمط حياتها، تختلف كل الاختلاف عن طبيعة الحياة ونمطها في العراق.

* هل لديك معلومات عن مكان القذافي؟

- لا.. ليس لدي، فأنا في مصر بعد انقلاب العسكر عام 1969، منذ ذلك الحين وأنا أبتعد عن الحقل السياسي، وهذا أثر على رؤيتي في بداية الثورة، فلم أكن أعلم ماذا يحدث في الداخل حتى بداية الثورة. لم أكن أثق في إسقاط الثورة للقذافي، ولكن الثورة نجحت والقذافي انتهى، وعلينا جميعا أن ننظر إلى الأمام، والحمد لله.

* كنت مع ثورة 17 فبراير وتؤيد مطالبها؟

- كل مواطن مخلص يتمنى أن يرى بلاده مستقرة تنعم بالهدوء.. أنا شيخ هرم في العقد الثامن من عمري، أحلم بوطن يسوده العدل والقانون، ولا تنس أنني أنا وأسرتي دفعنا ثمنا غاليا بعد الانقلاب العسكري؛ صودرت أملاكنا وحرياتنا، وتم تشويه التاريخ الوطني لأسرتي التي شاركت في صد الاحتلال الإيطالي، ومع ذلك تعيش ليبيا الوطن في وجداننا ونفديها بدمائنا وأرواحنا.

* هل شاركت مع الثوار بأي شكل؟

- على الرغم من تركي للعمل السياسي منذ عقود، فإنني شاركت وما زلت أشارك في الدعوة إلى حقن الدماء، ولن أتأخر في المشاركة، ولو بالرأي، من أجل بناء ليبيا، لتكون وطنا آمنا يحفظ كرامة أبنائه، وطنا ملكا لليبيين وليس لحاكمهم.

* كيف ترى سياسة المجلس الانتقالي في إدارة البلاد منذ الثورة؟

- كان الله في عونهم.. ما قاموا به معجزة في ظروف صعبة، وأنا أعلم وطنيتهم وحبهم الجارف لليبيا الوطن، وتفانيهم وحرصهم على سلامة ليبيا. أتمنى أن تخرج البلد مما تعانيه ويسود السلام، وأن يتمكنوا من اجتياز مرحلة إراقة الدماء إلى مرحلة بناء مستقبل كريم وعظيم للبلد، يكون عنوانه الحرية والديمقراطية العادلة.

* محاكمة القذافي ثوريا أم في المحكمة الجنائية الدولية؟

- هذا أمر متروك للشعب الليبي، أتمنى له محاكمة عادلة على أرض ليبيا.

* هل لديك تخوف من مستقبل ليبيا؟ وكيف تراه؟ ومن أقرب من الحكم؟

- أدعو الله أن يوفق الشباب في بناء وطن مزدهر يعم السلام كل أرجائه.. أنا أتخوف من الصراع على السلطة، والشباب الليبي أمامهم عمل كبير هدفه ليبيا وطن موحد يعطي للجميع حق المواطنة دون تمييز. أما فيما يتعلق بمستقبل ليبيا، فقد طرح المجلس الانتقالي التصور العام لوطن تحسم قضاياه بواسطة صناديق انتخابات، وأنا أتعشم أن يجتاز الشباب مرحلة التغيير وتوابعه، وأن يكون الهدف هو ليبيا المستقبل.. ليبيا الغد، تحكم من قبل الشباب الواعي المتعلم.

* هل ستعود إلى ليبيا؟

- نعم، سأعود إلى ليبيا. هي وطني وبلدي الذي حرمت منه لسنوات، وعشت فيه وقت مجده في عهد الملك إدريس السنوسي. ليبيا تظل في القلب.. ومن لا يشتاق إلى أرض وطنه؟