متاحف سراي طرابلس حماها رجل واحد ومسدس

لم يجد فيها اللصوص سوى أغراض تخص القذافي ليعبثوا بها

سيدة ليبية تسير في ميدان الشهداء وفي الخلف جانب من قلعة طرابلس (أ.ف.ب)
TT

هذا رجل مثير للإعجاب، للغرابة ولإثارة الأسئلة أيضا. لقد أمضى 13 يوما في حراسة متحف السراي وسط العاصمة الليبية طرابلس. لم يغادر موقعه خلال تلك الفترة، وأمضى الأيام الأخيرة من شهر رمضان، وأيام العيد أيضا، التي يفترض أن يكون خلالها مع زوجته وأولاده الستة، يتفقد الحواجز الإسمنتية والخشبية المثبتة عند أبواب متحف السراي الحمراء، وسط طرابلس، التي مكنته طوال 13 يوما من ردع محاولات سرقة محتويات المتحف.

يقول إبراهيم محمد صالح الزنتاني (46 عاما) الذي يعمل حارسا في الموقع منذ ثماني سنوات، لوكالة الصحافة الفرنسية، بينما يتلمس مسدسه بحركة عفوية، قبل أن يشير إلى ملابسه الرثة، إنه أمضى ثلاثة عشر يوما يحرس أبواب المتحف بمسدسه. ويؤكد أنه لم يغادر أبدا، حتى في أيام عيد الفطر، وبقي معتصما خلف أبواب المتحف.

يقع المتحف بين البلدة القديمة وسط العاصمة، والساحة الخضراء، التي أصبحت تعرف باسم «ساحة الشهداء» بعد سيطرة الثوار الليبيين على طرابلس في 23 أغسطس (آب) الماضي.

ومتحف السراي الحمراء، جزء من مجمع متاحف تحتضنها قلعة طرابلس، التي بنيت على أنقاض مبنى روماني ضخم، واشتهرت عبر التاريخ بكونها حصنا أساسيا للدفاع عن المدينة ورد الغزوات التي تستهدفها.

ومنذ أوائل الخمسينات، أصبحت القلعة مقرا لهيئة إدارة الآثار ومتاحفها، وبينها متحف ما قبل التاريخ، ومتحف القبائل الليبية، ومتحف عصر الجماهير الذي افتتح خلال عهد معمر القذافي.

وتنقل وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول الآثار في المجلس الانتقالي الليبي، فضل علي محمد (64 عاما)، الحائز على شهادة دكتوراه في علم الآثار من جامعة أثينا: «ليبيا عبارة عن متحف مفتوح، فيها آلاف المواقع الأثرية، لكن السراي أهمها». ويضيف: «هذا ليس متحف طرابلس فقط، بل متحف ليبيا كلها، حيث إنه يحتوي على تماثيل حجرية وصخرية ورملية، وقطع معدنية، وملايين القطع النقدية، وفخاريات متنوعة بينها الأواني والتماثيل الصغيرة، وتعود كلها إلى حضارة ما قبل التاريخ، والرومان، والفينيقيين، والبيزنطيين، والحضارة الإسلامية».

ويشير الأستاذ الجامعي، وهو عضو في منظمة اليونسكو، إلى أن «الرومان كانوا فيها، وبعدهم جاء فرسان مالطا، ثم الأميركيون الذين انهزموا على أبوابها، وبعدهم الأتراك الذين أطلقوا عليها اسم السراي الحمراء».

ويروي الزنتاني الذي تغطي لحيته السوداء والبيضاء الجزء السفلي من وجهه: «واجهت خلال وجودي هنا الكثير من المشكلات، لكن أصعبها كان منع السارقين من دخول المتاحف وسرقة محتوياتها».

ويتابع: «في أحد المرات تمكن أحدهم من الدخول، فأطلقت عليه النار، وظللت ألاحقه في الممرات حتى أجبرته على المغادرة».

ويقول إنه كان يعمل «صباح مساء، أدور بين أرجاء المكان بحثا عن أي دخيل، وخلال رمضان كنت أؤخر فطوري حتى لا يدخل أحدهم إلى المكان في أوقات الهدوء».

ويشير الزنتاني إلى أن «إفطاري كان عبارة عن تمر وماء وحساء، يمدني بها أبناء البلدة القديمة الذين كانوا يساعدونني في مهامي.. فقدت 15 كيلوغراما بعد أن كان وزني 75».

ويقول إنه يفتقد عائلته، «وأعرف ما تعانيه من دوني، لكنني أرسلت لها المال بعد أن أخذت سلفة من صديق طلبتها عبر الهاتف».

ويؤكد فضل علي محمد، أن «بعض الأشخاص، ربما من كتائب القذافي، دخلوا في أول الأحداث إلى السراي، لكنهم لم يتمكنوا إلا من الاستيلاء على أغراض للقذافي نفسه، وهي عبارة عن هدايا حصل عليها من زعماء آخرين».

ويوضح: «ما فعلناه هو أننا أخذنا كل القطع الصغيرة ووضعناها في مكان واحد، ثم بنينا جدارا أمامها وقمنا بطلائه حتى يبدو كجدار عادي. كنا على استعداد لكل شيء، ولم يجد هؤلاء إلا أغراض القذافي ليعبثوا بها». ولا يزال الزنتاني يعمل في المتحف حتى بعد انتهاء الاشتباكات بين الثوار وكتائب القذافي، واستتباب الأوضاع الأمنية جزئيا في العاصمة، حيث يشير إلى أنه لم يأخذ يوم راحة «منذ ثلاثة أشهر». ويقول: «في أول أيام العيد، حاول أشخاص يطلقون على أنفسهم اسم (كتيبة السراي) الدخول إلى المتحف، وطلبوا مني فتح الباب لكنني رفضت، وبقوا يفاوضونني لمدة ساعتين». إلا أن «هؤلاء تمكنوا في النهاية من الدخول.. قلت لهم إني مستعد للموت على أبواب المتحف لكنهم دخلوا، وهددوني بالرشاشات، قبل أن يفتشوا المكان ويعتذروا مني في النهاية بعدما لم يجدوا أي أثر لموالين للقذافي».

وفيما يأمل الزنتاني بأن يعيد المتحف فتح أبوابه قريبا، يرى مسؤول الآثار في المجلس الانتقالي، أن «الوضع ليس آمنا بعد، ولا يمكن فتح أبواب المتاحف حتى يستتب الأمن، إذ إن إحدى المجموعات المسلحة التي لا يمكن السيطرة عليها قد تقتحم أحد المتاحف».

ويقول الزنتاني وهو يلملم بقايا الرصاص عن أرض أحد ممرات السراي: «لم أواجه أبدا من قبل موقفا مماثلا». ويضيف: «لا أعتبر نفسي بطلا، هذا واجب وطني، لكنني في الوقت ذاته أشعر بالفخر والاعتزاز، أولا لأنني دافعت عن المتحف، وثانيا والأهم لأنني أول من علق علم الثوار على السراي».