الانشقاقات داخل الجيش السوري تظهر تنامي الاستياء في المؤسسة العسكرية

تزايدت خلال شهر رمضان والمنشقون يلجأون إلى تركيا ولبنان والعراق

TT

تظهر سلسلة من الانشقاقات في الجيش السوري الاستياء بين صفوف الجنود بشأن قمع الاحتجاجات الشعبية لكن نفوذ الجيش في مجمله لم يتأثر فيما يبدو مما يسمح للرئيس بشار الأسد بمواصلة استخدام القوة لتعزيز سلطته، بحسب تقرير لوكالة «رويترز» أمس. ومن شأن حدوث مزيد من أعمال العنف أن يفاقم التوتر الطائفي داخل الجيش الذي يمثل قاعدة سلطة محورية للأسد الذي ينتمي للأقلية العلوية في حين قد يحسن المزيد من الانشقاقات الروح المعنوية للمعارضة، في الوقت الذي يصعد فيه جهوده لإخماد الاحتجاجات التي دخلت شهرها السادس. لكن بعض المحللين تكهنوا بنقطة تحول يتغير فيها بشكل حاد ميزان الخوف الذي يصب في صالح الحكومة ويسرع بسقوطها، غير أنه لم يتم الوصول إلى هذه النقطة بعد.

وقال دبلوماسي في العاصمة السورية عن القوات المسلحة البالغ قوامها 220 ألف فرد معظمهم من المجندين: «تبدو الانشقاقات على مستوى منخفض بالجيش في ازدياد لكنها ما زالت لا تؤثر على فاعلية العمليات العسكرية». وقال نيكولاوس فان دام، وهو باحث هولندي متخصص في السياسة السورية ومسؤول كبير سابق في وزارة الخارجية، في تصريح لـ«رويترز»، إن «الانشقاقات في صفوف الجيش مستمرة لكن ما دام نطاقها ضعيفا ولا تنطوي على خسارة أسلحة ثقيلة أو ضباط كبار، فإنها لن تمثل خطرا يذكر على الأسد». وأضاف: «إذا وقع تهديد عسكري من أي نوع على النظام فسيزداد ترابط كبار الضباط»، مشيرا إلى أن مصير كثير من كبار القادة مرتبط بشدة بمصير الأسد. وتابع قوله: «أي محاولة للقيام بانقلاب داخلي ستكون خطيرة للغاية على من يفكرون فيه. إذا اكتشف أمرهم سيقتلون رميا بالرصاص سريعا».

وتشجع المحتجون بالإطاحة بالزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي الذي يرون تشابها بين الحكم في سوريا وحكمه الشمولي، كما شجعتهم أيضا الضغوط الخارجية على الحكومة. لكن اندرو تيريل، أستاذ أبحاث الأمن القومي بكلية الحرب التابعة للجيش الأميركي، قال لـ«رويترز» إن انشقاق أعداد كبيرة سيحدث في سوريا على الأرجح «كما حدث في ليبيا إذا تطورت هذه الثورة من احتجاجات حاشدة إلى صراع مسلح يهدد النظام». وأضاف: «الانشقاقات على هذا المستوى لم تحدث بعد». وتحدث مقيمون ونشطاء في مناطق مختلفة عن انشقاق مئات الجنود الذين استطاعوا الهرب من نظام المفوضين السياسيين على غرار الاتحاد السوفياتي السابق والشرطة السرية اللذين ضمنا فعليا عدم الانشقاق في الجيش خلال حكم عائلة الأسد المستمر منذ 41 عاما. ويقول نشطاء مدافعون عن حقوق الإنسان إن عشرات المجندين قتلوا بالرصاص لرفضهم إطلاق النار على المحتجين الداعين للديمقراطية. وترك آخرون الخدمة واختفوا عن الأنظار.

ومن بين العوامل وراء استياء الجنود السنة، هجمات شنها مسلحون علويون موالون للأسد على مساجد خلال عمليات توغل بالمدرعات في مدينتي حماه ودير الزور. وعرضت قنوات فضائية عربية مرارا لقطات تقول إنها لانهيار مئذنة مسجد في دير الزور بنيران دبابة وفقا لما ذكره نشطاء وضابط سابق. وتشير تقديرات لبعض الخبراء في الشأن السوري، إلى أن إجمالي الانشقاقات في الجيش يبلغ نحو 700 منذ اندلاع الاحتجاجات في مارس (آذار)، وترك كثير منهم الخدمة في شهر رمضان الذي حل في أغسطس (آب) هذا العام. وذكرت «رويترز» عن سكان ومقيمين في الخارج، أن كثيرين لجأوا في البداية لتركيا ولبنان، والآن ربما يذهب البعض إلى العراق.

وقال شيخ قبيلة لـ«رويترز» من دير الزور في الشرق إنه سمع دوي إطلاق نيران كثيف الليلة الماضية في منطقة الطويبة ببلدة البوكمال على الحدود مع العراق. وأضاف نقلا عن سكان، أن الجيش يبحث عن هاربين من الخدمة العسكرية يشتبه في أنهم فروا إلى هذا الجزء من البلاد، وهو ما يردد ما ورد في تقارير بشأن مناطق على الحدود مع تركيا ولبنان، حيث استهدفت عمليات عسكرية مكثفة فيما يبدو مخابئ المشتبه في هروبهم من الخدمة في الأسبوعين الماضيين. وينتمي معظم المجندين بالجيش إلى الأغلبية السنية في سوريا وينحدر كثيرون منهم من مناطق ريفية استهدفت في إطار جهود الجيش لإخماد الاحتجاجات الشعبية ضد الأسد. ومعظم قادة الجيش وكبار مسؤولي الأمن من الطائفة العلوية. ونفت السلطات السورية مرارا وقوع انشقاقات في الجيش. وطردت سوريا وسائل الإعلام المستقلة منذ بدء الاحتجاجات مما يجعل من الصعب التحقق من الروايات عن التطورات على الأرض. لكن بعض الانشقاقات المزعومة تم تسجيلها بالفيديو ونشرت على مواقع للتواصل الاجتماعي وموقع «يوتيوب» على الإنترنت. وأظهر مقطع آخر يصور ما يبدو أنه احتجاج شارك فيه المئات لافتة بالإنجليزية تقول «لدينا حلم - سوريا الحرة». ويتحدث نشطاء ومقيمون أيضا عن تزايد الانشقاقات في مدينة حمص في وسط سوريا والريف القريب منها.

ونشر مقيمون في الرستن وهي بلدة سنية قرب حمص وتعد تقليديا قاعدة تجنيد للجيش لقطات قبل يومين، يزعمون أنها تظهر جنودا منشقين في شرفة يحيون حشدا من عدة آلاف في مظاهرة داعية للديمقراطية في البلدة الأسبوع الماضي. ورغم أنه لم يتسن التحقق من صحة تسجيلات الفيديو فهي تعطي دفعة لنشطاء المعارضة الذين يسعون لاستكمال الاحتجاجات بحملة إعلامية ودبلوماسية لإسقاط الأسد. وزادت التكهنات بشأن وحدة الجيش بعد أسبوع من سقوط القذافي حين طوقت قوة حكومية مدرعة بلدة قرب مدينة حمص في 29 أغسطس (آب) وأطلقت نيران أسلحة آلية بعد انشقاق عشرات الجنود بالمنطقة وفقا لما ذكره نشطاء ومقيمون.

ويقول باتريك سيل الذي كتب سيرة الرئيس الراحل حافظ الأسد، والد بشار، إنه «ما دامت أجهزة الأمن والجيش موالية للأسد فسيكون من الصعب جدا الإطاحة به». وأضاف: «يبدو لي أنه سيكون صراعا طويلا».