جوبيه من موسكو: نظام الأسد ضالع في جرائم ضد الإنسانية.. ولافروف: المعارضة اختارت المواجهة

موسكو تستقبل وفدا من المعارضة السورية وترفض دعوة فرنسا تأييد قرار يدين النظام السوري في مجلس الأمن

رتل من الدبابات وحاملات المدرعات على طريق حماه تتجه نحو طريق حلب (أوغاريت)
TT

اتهم وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه من موسكو أمس، النظام السوري بأنه ضالع في ارتكاب «جرائم ضد الإنسانية» من خلال قمعه للحركات الاحتجاجية في البلاد. وصرح جوبيه في مؤتمر صحافي بعد محادثات مع نظيره الروسي سيرغي لافروف الذي ترفض بلاده حتى الآن الانضمام إلى إدانة مجلس الأمن الدولي: «إننا نلاحظ أن النظام السوري ضالع في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية».

وتابع جوبيه: «إن طريقة قمع (النظام السوري) للمظاهرات الشعبية غير مقبولة». وأعرب وزير الخارجية الفرنسي عن رغبته في موافقة روسيا على دعم إدانة للنظام السوري في مجلس الأمن، الأمر الذي تعرقله موسكو منذ أشهر. وقال إن «القمع الذي يمارسه النظام مفرط ويؤدي إلى إراقة الدماء وهو غير مقبول على الإطلاق. لذلك على مجلس الأمن الدولي أن يوجه رسالة قوية» إلى دمشق «حتى يتوقف هذا القمع الوحشي».

وقد كشف اللقاء بين وزيري خارجية البلدين سيرغي لافروف وآلان جوبيه، عن الخلاف في وجهات نظريهما تجاه معالجة الأوضاع في سوريا. فبينما دعا جوبيه إلى تشديد العقوبات الدولية ضد النظام السوري، أصر لافروف على القول إن «المعارضة هي التي اختارت المواجهة مع النظام»، موجها إليها الدعوة إلى الجلوس معه إلى طاولة الحوار.

ودعا لافروف إلى إعطاء الفرصة مرة أخرى للحوار بين الأطراف المعنية في سوريا، متهما المعارضة بأنها التي اختارت نهج المواجهة برفضها الدخول في حوار، وأنها تراهن على تلقي الدعم الخارجي مثلما جرى الحال في ليبيا. وأعاد لافروف إلى الأذهان أن بلاده تقدمت بمشروع قرار إلى مجلس الأمن يدعو جميع الأطراف إلى وقف العنف وتجنب المواجهة، مؤكدا أن مقاطعة الحوار قد تؤدي إلى تكرار السيناريو الليبي، الأمر الذي تتفق فرنسا وروسيا على ضرورة تجنبه، على حد قوله.

وقد أتاحت روسيا، العضو الدائم في مجلس الأمن، تبني إعلان في مجلس الأمن يدين القمع، لكنها لم تؤيد قرارا في هذا الصدد. ويزور جوبيه موسكو برفقة وزير الدفاع الفرنسي جيرار لونغيه لإجراء الاجتماع السنوي لمجلس التعاون الفرنسي - الروسي للشؤون الأمنية.

ووصل في تلك الأثناء عناصر من المعارضة السورية إلى موسكو لإجراء محادثات هناك، ويترأس الوفد عمار القربي، رئيس المنظمة الوطنية السورية لحقوق الإنسان. وذكرت مصادر في موسكو أن القربي الذي انتخب مؤخرا عضوا في المجلس الوطني الانتقالي الذي تشكل في أعقاب المؤتمر الأخير للمعارضة في إسطنبول، يعتزم الالتقاء بالمفوض الخاص للرئيس الروسي ورئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الاتحاد، ميشائيل مارغيلوف. ومن المنتظر أن تتوجه مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان، إلى موسكو الاثنين المقبل لإجراء محادثات، حسبما أعلنت الخارجية الروسية. ويستقبل مارغيلوف وفد المعارضة السورية يوم الجمعة بصفته رئيسا لاتحاد جمعيات الصداقة والتعاون مع الشعوب الأفروآسيوية.

وكان مارغيلوف قد سبق واستقبل في موسكو منذ قرابة الشهرين وفدا آخر برئاسة الناشط السوري رضوان زيادة. وتأتي مباحثات الغد في أعقاب سلسلة من التصريحات أعلنت موسكو فيها عن تحذيراتها من مغبة استمرار تدهور الأوضاع وتزايد أعداد القتلى في صفوف المدنيين في سوريا. وكان الرئيس ديمتري ميدفيديف أعرب مؤخرا عن قلقه تجاه استمرار تدهور الأوضاع في سوريا وأعاد دعوته إلى الرئيس السوري بشار الأسد من أجل سرعة إجراء الإصلاحات المطلوبة وتحقيق المصالحة وإعادة السلام الاجتماعي. ونقلت وكالة أنباء «ريا نوفوستي» عنه قوله حينها: «إن الأمور تتطور في سوريا الآن، مع الأسف، على نحو دراماتيكي. ولم يوجه الرئيس السوري الحالي بقتل المعارضين. ومع ذلك تسقط أعداد كبيرة من الناس قتلى هناك، وهو مثار قلقنا الكبير. لهذا أناشده خلال اتصالات معه وفي رسائلي إليه أن يسرع بإجراء الإصلاحات المطلوبة ويتصالح مع المعارضة ويستعيد السلام الاجتماعي وينشئ دولة عصرية. وإذا لم يتمكن من ذلك فسوف يلقى مصيرا محزنا، ونضطر نحن أيضا في نهاية المطاف إلى اتخاذ قرارات. وبطبيعة الحال فإننا نتابع تطورات الوضع وهو يتغير كما تتغير بعض توجهاتنا».

وكان ميخائيل بوجدانوف نائب وزير الخارجية الروسية استقبل في موسكو رياض حداد السفير الجديد لسوريا في موسكو حيث بحث معه عددا من قضايا العلاقات الثنائية والأوضاع الداخلية، مؤكدا في الوقت نفسه أن روسيا لا تقبل أي تدخل في الشؤون الداخلية السورية فيما طالبه بسرعة وقف العنف وإجراء الإصلاحات والحوار مع المعارضة. ويضم وفد المعارضة السورية كلا من عبد الإله الملهم ممثلا عن المعارضة السورية في تركيا ووجدي مصطفى عنها في النمسا ورضوان باديني عنها وواحد صقر عن بريطانيا وجورجيت علام ومحمود الحمزة في روسيا. وكانت موسكو قد استبقت هذه اللقاءات بمباحثات أجرتها مع فرنسا في إطار مجلسي الشؤون الدفاعية والخارجية الذي يضم وزراء دفاع وخارجية البلدين.

إلى ذلك، كشفت مصادر روسية في موسكو عن زيارة وفد عسكري سوري إلى موسكو للمشاركة في المناورات المشتركة لجيوش بلدان منظومة الكومنولث (السوفياتي). وعزا المراقبون هذه الزيارة إلى ما وصفوه بـ«ضرورة حصول سوريا على أسلحة دفاعية متطورة تحسبا لاحتمالات مواجهة السيناريو الليبي للأحداث هناك». وأشارت صحيفة «ازفيستيا» في إطار تناولها لمناورات بلدان الكومنولث والتدريبات على استخدام منظومات الدفاع الجوي من طراز «إس - 300» و«إس - 400»، إلى أن روسيا سبق وقامت بتوريد أنظمة صاروخية مضادة للطائرات من طراز «تونجوسكا» و«بوك - إم 2 اي» و«بانتسير - إس1» و«ايجلا» إلى سوريا. ونقلت وكالة أنباء «ريا نوفوستي» عن الجنرال ليونيد ايفاشوف، رئيس أكاديمية القضايا الجيوسياسية، قوله إن «دعوة الوفد العسكري السوري واقتناء معدات عسكرية حديثة أمور ذات دلالات قد يفسرها ما سبق وشهدته ليبيا من أحداث أكدت ضرورة تحسين القدرات الدفاعية لتعزيز مجالات مواجهة العدوان الخارجي». وكان ليونيد بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسية سبق وأشار في حديثه إلى وكالة أنباء «إنترفاكس»، إلى أن موسكو تراعي التزاماتها الدولية لدى تعاونها مع البلدان الأجنبية فيما أكد حرص روسيا على الالتزام بذلك لدى تعاونها مع دمشق الذي يستهدف تعزيز القدرات الدفاعية السورية. ورغم أن دوريت جوليندر سفيرة إسرائيل في موسكو أعربت عن قلقها من احتمالات وقوع مثل هذه الأسلحة في أيدي تنظيمات إرهابية، فقد قالت إنها تتفهم مبررات اتخاذ روسيا لهذه الخطوة انطلاقا من مصالحها القومية، مؤكدة أن علاقات الشراكة الإسرائيلية - الروسية بلغت مستوى لا يمكن معه أن تشكل هذه الصادرات تأثيرا سلبيا عليها.

ونقلت صحيفة «ازفيستيا» عن إيغور كوروتشينكو الخبير العسكري قوله «إن سوريا تشغل المرتبة الأولى بين الدول المستوردة للسلاح الروسي في الشرق الأوسط، أنها تعاقدت على شراء أسلحة بقيمة 600 مليون دولار أميركي في روسيا خلال الفترة من عام 2011 إلى عام 2014، وتبحث توقيع عقود أسلحة أخرى بقيمة إجمالية تتراوح بين 3 مليارات و4 مليارات دولار». وتأتي كل هذه التطورات في وقت مواكب لما تقوم به موسكو من خطوات تبدي من خلالها حرصا واضحا على الإبقاء على خيوط الاتصال مع كل من النظام والمعارضة في سوريا.