ليبيا: صدام مبكر بين الليبراليين والإسلاميين في طرابلس

معلومات عن محاكم تفتيش وترهيب.. والخلافات تعصف بأول مجلس محلي للعاصمة

TT

بعد مرور نحو أسبوعين فقط على اجتياح الثوار لمقر العقيد معمر القذافي طرابلس، بدا أمس أن التعايش السلمي بين مختلف الاتجاهات السياسية في المدينة، التي يربو عدد سكانها على 1.5 مليون نسمة، معرض للخطر بعد وقوع ما يمكن اعتباره صداما مبكرا بين الإسلاميين والتيارات الأخرى بالمدينة.

وعقب اجتماع عقده مساء أول من أمس نحو 25 من علماء ومشايخ طرابلس في مسجد باقي بمنطقة بن عاشور بطرابلس، قرر هؤلاء وفقا لما علمته «الشرق الأوسط»، تدشين رابطة علماء طرابلس للوقوف في وجه ما وصفوه بسطوة الإسلاميين ومحاولتهم المستمرة للهيمنة على إيقاع الحياة اليومية لسكان العاصمة.

وكما حدث في مصر عقب الإطاحة بنظام حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك من تفشى النفوذ الإسلامي بكل أطيافه السياسية في الشارع، فإن طرابلس تعيش هذه الأيام مرحلة جديدة في تاريخها المعاصر تمثل تحديا كبيرا لكل من راهنوا على أن الإطاحة بنظام القذافي سيمثل بداية جدية وأكثر ديمقراطية في البلاد.

وشكا نشطاء وكتاب وإعلاميون ليبيون لـ«الشرق الأوسط» مما وصفوه بمحاكم التفتيش التي شكلها محسوبون على جماعة الإخوان المسلمين الذين باتت لهم اليد العليا في تسيير الأمور داخل ائتلاف ثورة 17 فبراير (شباط) الماضي.

وقال أحد أعضاء الائتلاف لـ«الشرق الأوسط»، عبر الهاتف من طرابلس، إن الإسلاميين اختطفوا قيادة الائتلاف الذي يعتبر الشيخ علي الصلابي زعيمه الروحي في هدوء، مشيرا إلى أن سطوة الإسلاميين وصلت إلى ردهات أول مجلس محلي تم تشكيله مؤخرا في طرابلس، لتفجر خلافات عنيفة بين الكثير من التيارات السياسية.

وبالإضافة إلى سيطرة الإسلاميين على الإذاعات ووزارة الأوقاف التي تهيمن وتشرف على كافة المساجد في طرابلس وخارجها، هيمن الإسلاميون على المنصة الرئيسية في قلب ميدان الشهداء الذي كان يعرف سابقا باسم الساحة الخضراء، حيث اعتاد أعوان القذافي إظهار التأييد له برفع صوره والهتاف والغناء له.

ولم يعد ممكنا الحديث عبر منصة ميدان الشهداء إلا بعد الحصول على إذن من قيادات الإخوان المسلمين، على نحو دفع البعض للتساؤل عما إذا كان هؤلاء قد قرروا مبكرا تحويل طرابلس إلى إمارة إسلامية. ويجتهد الإسلاميون في تشجيع النساء ليس فقط على ارتداء الحجاب والالتزام بالزي الشرعي في الإسلام، بل أيضا لتشجيعهن على لبس النقاب باعتباره الزي المفروض. وتعبيرا عن رفضه لسطوة هؤلاء، قرر الصحافي والناشط الليبي المعروف فتحي بن عيسى الاستقالة من منصبه كمسؤول لشؤون الإعلام والثقافة في المجلس المحلي لطرابلس الذي يترأسه عبد الرزاق أبو حجر، بعدما كشف النقاب أمس لـ«الشرق الأوسط» عن تلقيه تهديدات بالقتل بسبب مواقفه المناوئة لمساعي الإسلاميين للسيطرة على العاصمة.

وقال بن عيسى لـ«الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي «كنا نعتقد أن المجلس المحلي للعاصمة هو لكل السكان ويضم كل التيارات من علمانيين وليبراليين ويساريين وإسلاميين وغيرهم، لكن اكتشفنا مؤخرا أن الإسلاميين يريدون إقصاء الجميع». وأوضح بن عيسى أنه اضطر إلى الاستقالة من منصبه بعدما تبين له أن هناك محاولات لإصدار مطبوعات إسلامية وتدشين إذاعات لا تتبنى سوى الخط السياسي لجماعة الإخوان المسلمين. ولفت بن عيسى، الذي يترأس تحرير «عروس البحر»، باعتبارها أول صحيفة خاصة تصدر في طرابلس بعد هروب العقيد القذافي منها، أن هناك محاولات دؤوبة لاختطاف ثورة الشعب الليبي من قبل من وصفهم بجهات إسلامية تسعى بالقوة لفرض سيطرتها على مقاليد الأمور في العاصمة.

وأضاف «ثمة محاولات إقصاء مستمرة تجرى على قدم وساق. الإسلاميون يريدون إقصاء الجميع بشتى الطرق والوسائل حتى يتسيدوا المشهد السياسي والإعلامي في البلد، هذا خطأ لن نقبله». ويقول نشطاء في المدينة إن ما وصفوه بمحاكم تفتيش مفاجئة تم تشكيلها بشكل غير معلن لمراجعة عقائد من يشك الإسلاميون ليس فقط في مدى ولائهم للثورة ضد القذافي، ولكن أيضا في عقائدهم الفكرية.

وتمثل تحركات الإسلاميين على هذا النحو تهديدا إضافيا لمدى مقدرة المجلس الوطني الانتقالي الذي يترأسه المستشار مصطفى عبد الجليل على قيادة البلاد في مرحلة ما بعد القذافي.