معارضون سوريون يدعون روسيا للعب «دور إيجابي» في سوريا.. وموسكو تتمسك بحق الاستماع للطرفين

القربي: لا يمكن أن تتناول المفاوضات شيئا سوى تغيير السلطة.. وموقف السلطات الروسية متناقض وغير مفهوم

مظاهرة حاشدة في بصر الحرير في حوران أمس.. ولافتات تدعو الأسد للرحيل (اوغاريت)
TT

دعا معارضون سوريون روسيا، أمس، إلى لعب «دور أكثر إيجابية» في حل الأزمة السورية، وذلك عقب محادثات أجراها وفد سوري معارض في موسكو مع ميخائيل مارغيلوف، الممثل الخاص للرئيس الروسي، وقبيل استقبال موسكو، الاثنين، بثينة شعبان، مستشارة الرئيس السوري بشار الأسد. وفيما بدا أنه تطور في الموقف الروسي نظرا لإضفاء بعض الطابع الرسمي للزيارة، واستقبال الوفد في مقر مجلس الاتحاد، كشف مارغيلوف عن عزم موسكو إيفاد بعثة من أعضاء المجلس إلى سوريا لتقصي الحقائق.

غير أن عمار القربي، رئيس وفد المعارضة السورية، وإن أكد ارتياحه لما تبذله موسكو من محاولات لإنهاء الأزمة، قال إن الوضع في سوريا «وصل إلى طريق مسدود»، مشيرا إلى أن «ما يرتكبه النظام من انتهاكات وإراقة للدماء، دفع إلى فقدان الثقة بين الشعب والنظام»، الذي قال إنه يستمر لعقود طويلة، مؤكدا إصرار الشعب على الإطاحة بهذا النظام. إلا أنه لم يستبعد الجلوس إلى طاولة المفاوضات في حال وقف العنف وإراقة الدماء وسحب التشكيلات العسكرية إلى خارج المدن والتجمعات السكنية وبدء محاكمة المسؤولين عن قتل المدنيين في سوريا.

ودعا القربي، رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان مدير المكتب التنفيذي للمؤتمر السوري للتغيير، الذي انعقد في أنطاليا في يونيو (حزيران) الماضي، في مؤتمر صحافي في موسكو، روسيا إلى لعب «دور أكثر إيجابية في تسوية الوضع الداخلي في سوريا». وأضاف: «نريد أن نروي لوسائل الإعلام الروسية ما يجري حقا في سوريا كي تساعدنا وتضغط على السلطات الروسية».

وأضاف: «ليس هناك حاليا أي حوار بين السلطة والمعارضة، ولا يمكن أن تتناول المفاوضات شيئا سوى تغيير السلطة»، في حين أن موسكو لا تزال ترفض التخلي عن النظام السوري وتحول دون فرض عقوبات عليه وتدعو إلى حل سياسي وحوار بين المعارضة والنظام. وقال القربي لاحقا: «إن موقف السلطات الروسية المتناقض وغير المفهوم، فيما يخص أحداث سوريا، قد ينعكس سلبا على سمعتها في المستقبل». وأضاف أن «روسيا اعترفت متأخرة بالسلطات الليبية الجديدة، وكان ذلك خطأها الثاني بعد أن كان الخطأ الأول في العراق، ونأمل ألا يتكرر هذا الخطأ للمرة الثالثة مع سوريا».

من جهته، أعلن مارغيلوف أن روسيا تريد التباحث مع الطرفين «كي تدرك ما يجري حقا في سوريا». وأضاف أن «مجلس الاتحاد (المجلس الأعلى في البرلمان الروسي) مستعد في مستقبل قريب أن يشكل وفدا من أعضائه وأن يرسله إلى سوريا بهدف توضيح الوقائع وكي يشاهد، عن كثب، ما يجري حقا في سوريا». غير أنه أوضح أنه ينتظر موافقة السلطات السورية على إرسال ذلك الوفد، معربا عن الأمل في الحصول عليها بمناسبة المباحثات التي ستجريها بثينة شعبان. وقال: «إن روسيا ستبذل قصارى جهدها كي لا يتحول الوضع في سوريا إلى ما آل إليه في ليبيا». ودعا المبعوث الروسي للشرق الأوسط المجتمع الدولي إلى عدم الانحياز لأي طرف دون آخر حين التعامل مع أحداث العنف التي تشهدها سوريا.

كما شدد على الحاجة لتجنب «تكرار الأخطاء التي وقعت في العراق»، وقال: «تكمن المشكلة في أنه لم يتضح بعدُ ما الذي سينجم عن تشكيل نظام جديد». وأشار إلى أن هدف الكرملين من هذه المحادثات هو إيضاح المنظور الروسي لسبل إنهاء العنف في سوريا وخلق نظام سياسي جديد في البلاد مع الحفاظ على السلام في الوقت نفسه.

وقال مصدر مقرب من الوفد السوري في موسكو: «إن الزيارة تكتسب أهمية خاصة في هذه الفترة»، نافيا أن يكون في جدولها لقاء المعارضين السوريين مع بثينة شعبان، المستشارة السياسية والإعلامية في الرئاسة السورية، بوساطة روسية. وأشار إلى أن «مؤتمر أنطاليا طالب، منذ بيانه الأول، بإسقاط النظام وأكد أنه لا حوار مع السلطات السورية».

وقال المصدر إن زيارة الوفد بدأت الخميس، وتنتهي اليوم السبت، ويتضمن برنامج الزيارة لقاءات في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية ولقاء مفتي روسيا ولقاءات مع مجموعة من الدبلوماسيين والمثقفين والمستعربين الروس وأبناء الجالية السورية في روسيا. وقال ناشط سياسي سوري، تحدث لـ«الشرق الأوسط» عبر الإنترنت من دمشق شريطة عدم ذكر اسمه: «إن المعارضة السورية تتخذ مسارا جديدا يتمثل في محاولة تحييد حلفاء النظام السوري بشتى الطرق». وأضاف: «فارق القوى على الأرض رهيب ومخيف، لكن هناك إجماعا بين المعارضة على رفض التدخل الأجنبي؛ لذا فالمعارضة تعمل الآن لإسقاط النظام السوري عبر تحييد حلفائه من أجل إسقاطه بالطرق السلمية». وكشف عن فتح عدة خطوط اتصال مع إيران وموسكو، وقريبا الصين، لتحييدها عبر كشف حجم الانتهاكات التي يقترفها النظام السوري.

وعبر 6 أشهر من الاحتجاجات الواسعة التي تضرب المدن السورية، ظل النظام السوري يتلقى دعما غير محدود من إيران، وغطاء سياسي قويا من موسكو وبكين اللتين ترفضان مبدأ إسقاط النظام وتصران على إعطائه فرصة أخرى للإصلاح.

كان مارغيلوف قد استقبل، منذ ما يقرب من الشهرين، وفدا آخر من ممثلي المعارضة في إطار محاولات موسكو الإبقاء على اتصالاتها مع كل الأطراف، معلنا عن تصريحه الشهير حول أنه «لا صديق لروسيا في سوريا إلا شعبها». وتابع قائلا: «إن السياسيين والزعماء يأتون ويذهبون، والأنظمة الاجتماعية تتغير، لكن الشعب باقٍ دائما كما هو». يُذكر أن وفدا روسيا، برئاسة إسلام بك إصلاخانوف، عضو مجلس الاتحاد، كان قد قام بزيارة سوريا في بعثة قالوا آنذاك أيضا إنها لتقصي الحقائق.

من جهته، قال الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف، مساء أول من أمس، في حديث مع قناة «يورونيوز»: إنه يتعين توجيه «رسالة صارمة»، ليس فقط للسلطات السورية، بل إلى المعارضة أيضا، ورأى أن بعض هؤلاء المعارضين السوريين يمكن وصفهم بـ«الإرهابيين».

وعاد إلى تأكيد رفض بلاده للانضمام إلى قرارات فرض العقوبات ضد سوريا واستخدام السيناريو الليبي سبيلا إلى حل الأزمة هناك، وإن حاول الالتزام بموقف وسطي يرضي من خلاله الأطراف المعنية كلها. ففي الوقت الذي اعترف فيه باستخدام النظام السوري القوة المفرطة في التعامل مع المتظاهرين قال إن بين فصائل المعارضة متطرفين، بل وإرهابيين. وأشار ميدفيديف إلى أنه تحدث مع الرئيس الأسد أكثر من مرة عما وصفه بـ«عدم التكافؤ في استخدام القوة ووقوع عدد كبير من الضحايا»، مؤكدا ضرورة أن يتم «توجيه رسالة قوية إلى طرفي الأزمة بسبب عدم وجود رؤية واضحة للجميع ولأن الذين يرفعون شعارات معارضة ليسوا فقط من أنصار الديمقراطيات الأوروبية المثالية بل ويوجد بينهم متطرفون وبعضهم يمكن القول إنهم إرهابيون».

وأكد استعداد بلاده دعم التوجهات المختلفة، شرط ألا يقتصر ذلك على إدانة الحكومة والرئيس الأسد. وإذ أكد ميدفيديف اهتمام بلاده بجمع الأطراف المعنية حول مائدة الحوار من أجل الاتفاق ووقف إراقة الدماء قال: «إن سوريا صديق كبير لروسيا»، مشيرا إلى أنها ترتبط معها بالكثير من العلاقات السياسية والاقتصادية. وكشف الرئيس الروسي عن أنه ناقش مع وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه خلال زيارته الأخيرة لموسكو ما طلبته فرنسا حول دعم موسكو لعقوبات الاتحاد الأوروبي ضد سوريا، وهو ما أجاب عنه بإعلان رفض بلاده للانضمام إلى أي قرار يصدر عن مجلس الأمن على غرار القرار 1973 الصادر بحق ليبيا؛ نظرا لعدم ارتياحها تجاه تجاوز حدود تطبيقه. وقال إنه لا يريد تكرار ذلك بالنسبة لسوريا، وهو موقف ثمة من يقول في موسكو إنه يشير إلى أن السياسة الخارجية لروسيا تمضي على نفس طريق أخطائها لدى معالجة الأوضاع في ليبيا.

وترفض روسيا، حليفة سوريا منذ زمن طويل، التي تزودها بالأسلحة، منذ أشهر، إدانة النظام السوري في مجلس الأمن الدولي. ورفض وزير الخارجية سيرغي لافروف، الأربعاء، دعوات نظيره الفرنسي الذي زار موسكو، إلى وقف «الجرائم ضد الإنسانية».