الثوار يدخلون بني وليد قبل ساعات من انتهاء المهلة لاستسلامها.. وقوات القذافي تمطرهم بالصواريخ

الإنتربول يصدر مذكرة اعتقال «حمراء» بحق العقيد وسيف الإسلام والسنوسي.. والنيجر: سنفي بالتزاماتنا تجاه المحاكم الدولية

TT

قبل ساعات من انتهاء المهلة التي حددها المجلس الانتقالي أمام بلدة بني وليد، الموالية للعقيد الليبي الهارب معمر القذافي، للاستسلام أو دخولها بالقوة، تمكن الثوار من دخول المدينة بعد قتال شرس دام ساعات، وخاضوا هناك حرب شوارع داخل المدينة، بينما واجههم القناصة. وجاء هذا التطور بعد أن شنت قوات العقيد الفار هجوما مضادا بالصواريخ على الثوار المرابطين قرب بني وليد ومدينة سرت, بينما أصدرت الشرطة الدولية (الإنتربول) مذكرة اعتقال «حمراء» بحق القذافي ونجله سيف الإسلام وصهره عبد الله السنوسي، رئيس الاستخبارات.

ودخل الثوار الليبيون إلى شوارع البلدة، التي تعد أحد المعاقل الأخيرة المؤيدة للزعيم المخلوع، وقال المسؤول الكبير من المجلس الوطني الانتقالي عبد الله كنشيل: إن المقاتلين المناهضين للقذافي يقاتلون القناصة في شمال المدينة، وإنهم دخلوا أيضا من الشرق.

وقال كنشيل في موقع يتمركز فيه الصحافيون على بعد نحو 20 كم من البلدة: «تحركت خلايا نائمة من الثوار داخل بني وليد، وتدور حاليا اشتباكات بينها وبين عناصر مسلحة موالية للقذافي في شوارع المدينة».

وأوضح: «نحن على بعد كيلومتر واحد من المدينة»، مشددا، في الوقت ذاته، على أن ما يجري «ليس هجوما شاملا، بل محاولة للقضاء على المواقع التي تنطلق منها الصواريخ وتستهدفنا، والقضاء أيضا على القناصة». وتابع: «لا نريد هجوما شاملا من دون قرار من المجلس الوطني الانتقالي، لكننا في الوقت الحالي لا نملك أي خيار آخر؛ إذ إننا نريد حماية وإنهاء محنة المدنيين الموجودين في الداخل».

وأكد كنشيل مقتل أحد مقاتلي الثوار وإصابة 4 آخرين بجروح في الاشتباكات، إضافة إلى مقتل 3، على الأقل، من المقاتلين الموالين للزعيم الليبي الفار، كما أكد «أسر 5 من هؤلاء المقاتلين»، حسبما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية.

جاءت هذه الاشتباكات قبل نحو 5 ساعات من انتهاء المهلة التي حددها المجلس الوطني الانتقالي لاستسلام بني وليد التي تعتبر ممرا استراتيجيا نحو معاقل القذافي المتبقية الأخرى، والجنوب بشكل عام.

كان مقاتلون موالون للقذافي قد أطلقوا صواريخ على الثوار الذين يطبقون حصارا على بني وليد ومدينة سرت.

وأفادت وكالة «رويترز» بأن زخات من صواريخ غراد أُطلقت بانتظام على مواقع للمجلس الوطني الانتقالي شمال بني وليد وشرق سرت، مسقط رأس القذافي.

وتحركت سيارات الإسعاف من وإلى الخط الأمامي خارج بني وليد، حاملة المصابين، وحمل مقاتلو المجلس عشرات الصناديق من القذائف الصاروخية وقذائف المورتر وهرعوا إلى الجبهة.

وقال مسؤولون بالمجلس الوطني الانتقالي عند نقطة تفتيش تبعد 30 كيلومترا خارج البلدة الصحراوية إنهم اعتقلوا مقاتلين مؤيدين للقذافي على الجبهة ورأى شهود عدة رجال أثناء اقتيادهم وقد قُيدت أيديهم خلف ظهورهم.

وتصاعد الدخان من الخط الأمامي الذي أصبح الآن على بعد 5 كيلومترات خارج بني وليد الواقعة على مسافة 150 كيلومترا من العاصمة طرابلس مع تواصل القتال وتحليق طائرات لحلف شمال الأطلسي على ارتفاع منخفض لمراقبة سير المعارك.

وعلى بعد 90 كيلومترا شرق سرت جرى تبادل كثيف لإطلاق الصواريخ بين قوات المجلس والقوات الموالية للقذافي، وشوهدت قوات المجلس الوطني الانتقالي وهي تنقل قطعا من المدفعية باتجاه سرت.

وعلى الرغم من أن قتال أمس كان الأعنف منذ أيام، فضلا عن مواجهة قوات المجلس الوطني الانتقالي لمقاومة عنيفة مع تقدمها، لم يذكر القادة العسكريون أن هذه هي المعارك الحاسمة للاستيلاء على البلدتين.

وأمهل المجلس الوطني الانتقالي بني وليد وسرت حتى اليوم للتفاوض بشأن استسلامهما له على الرغم من تمديد عدد كبير من الإنذارات السابقة.

لكن رئيس الحكومة المؤقتة محمود جبريل قال، في تصريحات أدلى بها بالعاصمة طرابلس، أول من أمس، للمرة الأولى منذ استيلاء قوات المجلس الوطني عليها في 23 أغسطس (آب) إن قواته ستقاتل إذا تعرضت للهجوم.

ولم تسيطر قوات المجلس الوطني الانتقالي على بلدة أخرى هي سبها الواقعة على مسافة عميقة في الصحراء الجنوبية الشاسعة بليبيا.

ومعظم الناس في البلدات الثلاث محاصرون، ويقول الأشخاص القليلون الذين تمكنوا من مغادرتها إن الموالين للقذافي يرفضون السماح للسكان بالرحيل. ومع تضاؤل إمدادات الوقود في مناطق تحيط بها صحراء قاسية فإن الهرب على الأقدام يبدو أمرا مستحيلا.

وقال القادة الميدانيون للمجلس الوطني الانتقالي إن قوات القذافي حاولت اختراق خطوطهم خلال الليل وأطلقت الصواريخ على أحد مواقعهم على مسافة 30 كيلومترا شمال بني وليد، لكن تم صدهم في أعقاب اشتباكات بسيطة.

وقال مواطن، يدعى خالد أحمودا، وهو من السكان الذين غادروا بني وليد، أثناء عبوره من نقطة تفتيش تابعة للمجلس الوطني: «لا يوجد طعام ولا ماء. الكثير من الناس يريدون الرحيل، لكن ليس لديهم وقود لتحريك سياراتهم، وقوات القذافي تمنع الناس من مغادرة المدينة، يطلقون النار في الهواء لترهيب الناس».

من جانبه، دمر الحلف الأطلسي (الناتو) صاروخي سكود كانا موضوعين في مرأب قريب من بني وليد، وقال الكولونيل الكندي، رولان لافوا، المتحدث باسم العملية: إن وجود هذين الصاروخين الباليستيين قصيري المدى قد كشفت عنه أجهزة استخبارات الحلف الأطلسي «في الساعات الـ24 الأخيرة».

وأضاف المتحدث في بيان «في نحو الساعة 6.00 بالتوقيت المحلي، استهدفت طائرة للحلف الأطلسي مستودعا كان الصاروخان مخبأين فيه. تكللت عملية القصف بالنجاح ودمر الصاروخان».

وأوضح المتحدث أن الصواريخ من نوع سكود في مخازن قوات القذافي «أسلحة غير دقيقة، ولا تستخدم للتصويب على أهداف محددة»؛ لذلك تشكل «تهديدا جديا للمدنيين في ليبيا».

في غضون ذلك، أصدر الإنتربول أمس «مذكرة حمراء»، طلب فيها من الدول الأعضاء الـ188 اعتقال العقيد القذافي وابنه سيف الإسلام وصهره عبد الله السنوسي، الذين أصدرت المحكمة الجنائية الدولية بحقهم مذكرة توقيف.

وقال رونالد نوبل، الأمين العام للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية ومقرها ليون (وسط - شرق فرنسا): إن تلك المذكرة «ستحد كثيرا من إمكانية الرجال الثلاثة عبور الحدود وستكون أداة مهمة للمساعدة في تحديد مكانهم والقبض عليهم».

وأضاف نوبل أن معمر القذافي «هارب من بلاده، والمحكمة الجنائية الدولية تريد اعتقاله وملاحقته على التهم الخطيرة الموجهة إليه».

وطلب مدعي المحكمة لويس مورينو أوكامبو، الخميس، من الإنتربول إصدار «مذكرة حمراء» بحق المسؤولين الليبيين الثلاثة المشتبه في ارتكابهم «جرائم ضد الإنسانية، أي القتل والاضطهاد».

وتتقاسم ليبيا حدودا برية مع تونس والجزائر غربا والنيجر وتشاد جنوبا ومصر والسودان شرقا.

ونفت النيجر، حيث لجأ عدد من المقربين من القذافي، أن يكون الزعيم الليبي السابق في أراضيها، في حين اعتبرت تشاد أنه «سيتجنب» عبور حدودها بسبب الانتشار العسكري الفرنسي في البلاد.

من جهته، أكد مصدر رفيع المستوى من الطوارق، أمس، أن قادة عسكريين مقربين من الزعيم الليبي السابق موجودون في بوركينا فاسو بعدما عبروا النيجر، وأضاف المصدر: «قبل 3 إلى 4 أسابيع، دخلت مجموعة من القادة العسكريين وكبار الكوادر المقربين من القذافي إلى النيجر عبر أغاديز (شمال النيجر)».

وأوضح المصدر: «بعدما توقفوا في منطقة تاهوا المجاورة لأغاديز، تابعوا (سيرهم) إلى نيامي، عاصمة النيجر؛ حيث قاموا بعمليات مصرفية كبيرة في مصرف ليبي قبل أن يتابعوا إلى بوركينا فاسو».

إلى ذلك، أكد وزير العدل النيجري المتحدث باسم الحكومة، مارو أمادو، أن بلاده «ستفي بالتزاماتها» حيال المحاكم الدولية بالنسبة إلى المقربين من معمر القذافي، الملاحقين والموجودين داخل أراضي النيجر.

وقال أمادو: «في حال كان الليبيون الموجودون في النيجر ملاحقين فسنحترم الآليات إذا تقدمت (المحاكم الدولية) بطلبات» لتوقيفهم. وأضاف: «لا نتحدث عن القذافي، بل عن الموجودين في النيجر»، مؤكدا «أننا لا نعلم» مكان وجود الزعيم الليبي الفار حاليا.

وأكدت نيامي أنها استقبلت نحو 10 أشخاص مقربين من القذافي بينهم منصور ضو قائد الكتائب الأمنية «لدواع إنسانية».