بعد 10 سنوات.. ماذا تبقى من «القاعدة»؟!

بانيتا: تأثير «القاعدة» تراجع بشكل كبير لكنه لا يزال يشكل تهديدا للأمن الأميركي

TT

تمر غدا الذكرى العاشرة للهجمات المأساوية التي راح ضحيتها آلاف الضحايا من بينهم المئات من المسلمين العاملين في مركز التجارة العالمي.

وكانت هجمات سبتمبر (أيلول) على الولايات المتحدة في عام 2001 بداية تغييرات واسعة، سواء داخل الولايات المتحدة نفسها، أو في علاقتها بالعالم العربي والإسلامي، فعقب هذه الهجمات رفعت إدارة الرئيس السابق جورج بوش شعار «الحرب على الإرهاب»، وشنت حملة عسكرية واسعة في أفغانستان للقضاء على نظام طالبان، وحملة أخرى في العراق لإسقاط نظام صدام حسين، وما زالت قوات أميركية في البلدين حتى الآن، وما زالت واشنطن تتحمل أعباء عسكرية ومالية كبيرة بسبب الحربين.

وعقب الهجمات قامت الإدارة الأميركية بمراجعة واسعة لأداء أجهزة الأمن والاستخبارات، وذلك بهدف أن لا تتكرر هذه الهجمات مرة أخرى، كما تم تشديد إجراءات السفر والهجرة من عدة دول عربية وإسلامية، الأمر الذي عانى منه بعض الطلبة والمهاجرين العرب في الولايات المتحدة، واضطر بعضهم لنقل برامج دراستهم إلى جامعات أوروبية أو آسيوية.

ثم تمكن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، من الوصول إلى سدة الحكم في مطلع 2010، وسعى إلى تحسين علاقة بلاده بالعالم الإسلامي، وألقى من القاهرة خطابا شهيرا أكد فيه أن الحرب على الإرهاب لا تعني حربا على الإسلام. وتمكنت القوات الأميركية منذ أشهر من قتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في أبوت آباد الباكستانية، وهو ما اعتبرته ضربة هامة للتنظيم، كما أن الإدارة الأميركية نجحت في منع تكرار هجمات واسعة على الولايات المتحدة منذ هجمات 11 سبتمبر.

والآن، وبعد عشر سنوات على وقوع هجمات 11 سبتمبر، كيف ترى نتائج الحرب على الإرهاب؟

هل أصبح العالم أكثر أمنا بعد أن أطلقت الإدارة الأميركية الحرب على الإرهاب؟ هل ترى أن نتائج الحرب على الإرهاب توازي التكلفة المالية والبشرية الكبيرة لها؟ وهل كان هناك خيار آخر أمام الإدارة الأميركية بدلا من إطلاق الحرب على الإرهاب؟ مثلا؛ هل كانت هناك خيارات سياسية أو اقتصادية لجعل الولايات المتحدة أكثر أمنا؟

ولكن يمكن القول إن اغتيال العقل المدبر لهجمات سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة، في مايو (أيار) الماضي، كلمة النهاية لعملية مطاردة مكثفة، لكن موروث تلك السنوات العشر باق، في جبهات جديدة للتطرف، رغم تصريحات وتأكيدات ليون بانيتا، وزير الدفاع الأميركي الجديد، أن تأثير «القاعدة» تراجع بشكل كبير، مشددا على أن تنظيم القاعدة أضعف لكنه لا يزال يشكل تهديدا للأمن الأميركي.

وقال بانيتا للصحافيين، بعد زيارته النصب التذكاري والمتحف الذي أقيم لذكرى ضحايا اعتداءات 11 سبتمبر: «كانت تلك الاعتداءات مأساوية، لكننا استوحينا كثيرا منها»، موضحا أنها جمعت كل البلاد حول التزام واحد وهو أن هذا الرعب «لن يتكرر من جديد»، مضيفا أنه «منذ هجمات سبتمبر حققنا نجاحا كبيرا على تنظيم القاعدة وقيادته»، مشيرا إلى أن 3 من أصل 4 من كبار قادته قتلوا، والعديد من القادة من الدرجة الأدنى إما قتلوا أو اعتقلوا، لافتا إلى أن «هذا قوض إلى حد كبير قيادة وسيطرة (القاعدة) وقدرتها على التخطيط لاعتداءات مثل سبتمبر».

ومن مدريد إلى مومباي، ومن لندن إلى بالي، ومن باكستان إلى كينيا، لم تسلم من الهجمات الإرهابية سوى بقاع محدودة من العالم خلال ذلك العقد.

صحيح أن «الربيع العربي» الذي أزهر في 2011، منح بريق تفاؤل مع نهاية العقد بتلك الخطوات المتخبطة نحو الإصلاح، غير أن النتائج ليست أكيدة.

لقد أيقظت عملية اختطاف الطائرات الأميركية الـ4، بكل جرأتها، من مطارات أميركية، وتحويلها بعد ذلك إلى صواريخ قاتلة، في ذلك اليوم المشمس من أيام سبتمبر، المارد العسكري الأميركي من سبات ما بعد حرب فيتنام.

وقارن المؤرخون بين هذا الهجوم والهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر عام 1941، بوصفه آخر هجوم تتعرض لها أرض أميركية، وأدى هو الآخر إلى إيقاظ المارد من سباته.

لكن، على الرغم من التغيرات الجذرية في موازين الأمن العالمي والتحالفات التي أبرمت، فإن ذلك العقد لم يكد يشهد ظهور فجر جديد في التاريخ العالمي، كما حدث بعد الحرب العالمية الثانية، بل كان مجرد فصل آخر من عهد العولمة الذي بدأ مع انتهاء الحرب الباردة، حسب ما يقول جيمس لينزي، المحلل في مجلس العلاقات الخارجية بواشنطن.

لقد بدا عدد الـ3 آلاف ضحية الذين فقدوا حياتهم في ذلك اليوم المشمس في نيويورك وواشنطن وبنسلفانيا، ضئيلا إذا ما قورن بالخسائر الهائلة التي تقع في صراعات مثل صراعات رواندا والبلقان والعراق، حيث لقي 110 آلاف مدني حتفهم منذ الغزو الأميركي عام 2003.

رد الفعل الذي جاء بعد الهجوم رآه البعض متطرفا للغاية: الإطاحة بطالبان من حكم أفغانستان بحثا عن بن لادن، والإطاحة بصدام حسين في العراق. لقد قضت الحربان على أي تعاطف يكنه المجتمع الدولي للولايات المتحدة، التي قادت التحالف الدولي إلى الحرب في أفغانستان وإقناع العالم بقرار جورج بوش بغزو العراق عام 2003 استنادا إلى يقين كاذب بأن صدام حسين كان يمتلك أسلحة دمار شامل.

وتواجه البلدان قدرا كبيرا من الشكوك بعد انسحاب القوات الغربية.

ومع بدء الانسحاب التدريجي لقوة المساعدة الأمنية الدولية (إيساف) من أفغانستان هذا الصيف، والانسحاب المقرر لآخر قوات أميركية من العراق بنهاية العام الحالي، لا تزال هناك أسئلة ضخمة عن مستقبل الحكومتين الجديدتين الهشتين اللتين تشكلتا بتطلعات للديمقراطية، تنتظر إجابات.

من جهته يقول الإسلامي المصري الدكتور هاني السباعي، مدير مركز المقريزي للدراسات في لندن، لـ«الشرق الأوسط»: «ماذا تبقى من (القاعدة) بعد مقتل بن لادن وكذلك العديد من قيادات التنظيم بفعل الضربات الصاروخية بطائرات من دون طيار في الشريط القبلي هو (الوحدة الفكرية)، رغم عدم وجود علاقة عضوية بين الذين يؤمنون بأفكار التنظيم في دول وأماكن مختلفة، ورغم أيضا أنهم لم يكونوا من الجيل الأول أو الكادر الثاني؟ نعم قتل بن لادن، لكن التنظيم ما زالت عناصره والمؤمنون بأفكاره موجودة في اليمن والعراق وإندونيسيا وماليزيا، وأسامة بن لادن بالنسبة لهم بات (شهيد الفكرة)». ويضيف السباعي: «هناك قيادات اعتقلت وأخرى محبوسة في غوانتانامو وقيادات أخرى تحت الإقامة الجبرية في إيران مثل سيف العدل، القائد العسكري للتنظيم، لكن التنظيم موجود في خراسان والشريط القبلي وزعيمه، أيمن الظواهري، ما زال على قيد الحياة، والتنظيم الآن (زئبقي) يتكيف مع المحيط به ويستفيد من أخطاء الإدارة الأميركية، وهو أشبه بـ(سجادة تعوم فوق الماء)»، وقال الإسلامي المصري إن انشغال الإدارة الأميركية بمطاردة عناصر التنظيم أعطى فرصة لظهور «الربيع العربي»، حتى إن «سي آي إيه» فوجئت بـ«الربيع العربي» ولم تتنبأ به. وأضاف: «بعد مرور 10 سنوات على الهجوم الذي شن ضده أصيب تنظيم القاعدة بالوهن إثر الضربات التي تعرض لها وخسارة زعيمه، لكنه ما زال بإمكانه التخطيط لاعتداءات أو أن يكون مصدر إلهام لها، كما أن الجماعات التي تدور في فلكه في اليمن والساحل الأفريقي ما زالت خطرة وقادرة على التعبئة».

ويوضح: «تصفية بن لادن بعد 10 سنوات من المطاردة أضعف التنظيم مركزيا، لكنه وضع في موقع دفاعي بفضل حملة من الهجمات استهدفت معاقله الباكستانية بطائرات أميركية من دون طيار مسلحة بصواريخ، مما أدى إلى سقوط مئات القتلى في صفوفه».

وفي الوقت نفسه، ظهرت باكستان بوصفها الميدان الجديد للمعركة ضد الإرهاب، كجولة جديدة مع متطرفي «القاعدة» وطالبان على الحدود الأفغانية - الباكستانية، وباتت العلاقة التي جمعت بين واشنطن وإسلام آباد في الحرب ضد الإرهاب وما شهدته تلك العلاقة من تطورات بعد هجمات سبتمبر، أسمالا بالية.

وكثيرا ما أثارت هجمات الطائرات الأميركية من دون طيار التي تجتاح الأراضي الباكستانية ثائرة إسلام آباد، غير أن عملية اغتيال بن لادن في أبوت آباد كانت القشة التي قصمت ظهر البعير. وأكثر من مرة أكد الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أن الولايات المتحدة ليست في حرب مع الإسلام، لكنها في حرب مع «الجماعات الإرهابية» التي هاجمت البلاد وما زالت تتآمر لإيذائها.

وشدد أوباما على أن عدو الولايات المتحدة هو تنظيم القاعدة وحلفاؤه الذين يحاولون قتل الأميركيين، مشيرا إلى أن «أكثر من قتلهم تنظيم القاعدة على الأرض هم المسلمون».

وكانت اليمن، بؤرة أخرى تستحوذ على اهتمام واشنطن، فهي مسقط رأس المسلح الأميركي المولد أنور العولقي، الذي ارتبط اسمه بالمجموعة التي اختطفت طائرات هجمات سبتمبر، والمحرض للضابط المشتبه به في حادث إطلاق النار في قاعدة فورت هود العسكرية بولاية تكساس، بل وحتى ذلك الشاب عمر الفاروق، النيجيري، الذي حاول بواسطة متفجرات في ملابسه الداخلية تنفيذ تفجير ديترويت.

لقد وافق أوباما في أبريل (نيسان) 2010 على قتل الإمام العولقي في إطار مساعي كبح جماح تهديد «القاعدة» المتزايد في شبه الجزيرة العربية، التي تتعرض الآن لهجمات متواترة تنفذها طائرات أميركية من دون طيار، حيث تنثر «القاعدة» بذور الاضطراب في اليمن.

فإن كان مسؤولون وخبراء رحبوا بمقتل أسامة بن لادن على يد قوات نخبة أميركية في مايو الماضي وتوقعوا بداية النهاية بالنسبة للشبكة التي أنشأها في أواخر ثمانينات القرن الماضي، فإن آخرين رأوا أن لا شيء قد حسم، وأن تنظيم القاعدة حتى وإن تضاءل نفوذه فإنه ما زال يشكل خطرا. وفي أواخر يوليو (تموز) قال مايكل ليتر، الذي كان يدير المركز الأميركي لمكافحة الإرهاب حتى يونيو (حزيران) الماضي، إن «نواة (القاعدة) باتت تحت السيطرة»، مؤكدا: «إنهم باتوا أضعف مما كانوا عليه من قبل».

ورأى وزير الدفاع الأميركي الجديد، ليون بانيتا، أن «الهزيمة الاستراتيجية لـ(القاعدة) باتت في متناول اليد». ولفت العديد من الخبراء إلى أن المصري أيمن الظواهري خلف بن لادن على رأس الشبكة. وأكثر الأخير منذ ذلك الحين التصريحات والدعوات إلى «الجهاد» عبر الإنترنت، لكنه لا يملك لا الكاريزما ولا الهالة التي كان يتمتع بها سلفه. ومع انتهاء العقد، أصبحت واشنطن تتمتع بحس من الثقة أنها تمكنت من وقف المخططات الإرهابية على ترابها. غير أن الغزو الأميركي لدولتين إسلاميتين رفع نبرة العداء لأميركا في أنحاء العالم الإسلامي. أعمال التعذيب التي يزعم أنها استخدمت، والتسليم السري لمشتبه بهم في عمليات إرهابية، ومركز احتجاز غوانتانامو، حيث لا يزال 170 من المشتبه بهم يعانون الأمرين دون محاكمة.. كلها أمور أثارت انتقاد وإدانة الحلفاء الأوروبيين، لقيام واشنطن بالتخلي الآن عن شعلة الدفاع عن حقوق الإنسان.