رئيس الاستخبارات الباكستانية السابق لـ «الشرق الأوسط»: ثقل تنظيم القاعدة انتقل إلى اليمن

الجنرال حميد غل: كرزاي قدم 3 شروط لإقامة قواعد عسكرية أميركية دائمة في أفغانستان

الجنرال حميد غل
TT

اكتسب رئيس جهاز الاستخبارات الباكستاني السابق، اللفتنانت جنرال حميد غل، شخصية شبه أسطورية في أعقاب انسحاب السوفيات من أفغانستان. كان يرأس جهاز الاستخبارات الباكستاني أثناء معظم فترة الجهاد الأفغاني، عندما كانت باكستان، إلى جانب دول إسلامية أخرى والولايات المتحدة، تزود المجاهدين الأفغان المحاربين لقوات الاحتلال السوفياتية بالأسلحة والتدريب اللازم. أدرك العالم كله، لا سيما العالم الغربي، الدور الذي لعبته الاستخبارات الباكستانية في إلحاق الهزيمة بالاتحاد السوفياتي. وفي غرفة الجلوس في مقر سكن الجنرال حميد غل، توجد كتلة من القرميد غير واضحة المعالم على منضدة. وبالنظر عن إليها قرب، يمكن تبين أنها جزء من حائط برلين تم إرسالها إلى الجنرال حميد غل في عام 1989 من قبل رئيس جهاز الاستخبارات الألماني، ومكتوب عليه: «أنت ساعدت في توجيه الضربة الأولى». ولاحقا، في أعقاب أحداث 11/ 9، أصبح الجنرال حميد غل شخصية شريرة في نظر الغرب، حينما استمر في تقديم الدعم المعنوي للمسلحين في أفغانستان. واتهمته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) بإمداد حركة طالبان بمعدات القتال. ويعتبر الجنرال حميد غل شخصية مثيرة للجدل بدرجة كبيرة في الأوساط السياسية الباكستانية المحلية. وبينما كان لا يزال يشغل منصب رئيس جهاز الاستخبارات الباكستاني، استمر في القيام بدور صانع الملوك في السياسات الباكستانية.

وجاء حوار «الشرق الأوسط» مع جنرال حميد غل، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الباكستاني في إسلام أباد على النحو التالي:

* بعد مرور عشر سنوات على أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، ما موقف الأمن الإقليمي في رأيك؟ هل أصبحت باكستان أكثر أمانا؟ هل أصبحت أفغانستان أكثر أمانا؟ هل أصبحت أميركا أكثر أمانا؟

- أولا، سيكون علينا أن نعي أن أحداث 11/ 9 أعطت الأميركيين ذريعة للوجود الدائم في أفغانستان. إن أفغانستان تحتل موقعا استراتيجيا محوريا؛ فمن هنا، يمكنهم (الأميركيين) كبح جماح الصين والسيطرة على مجريات الأمور في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، ومن هنا أيضا، يمكنهم مراقبة آسيا الوسطى. وفي ظل هذا النظام، تعتبر باكستان هي هدفهم الرئيسي. يمكنني تقديم الكثير من الأدلة ذات الطبيعة الفنية التي تفيد بأن أحداث 11/ 9 كانت جريمة مدبرة من الداخل. بوسعي أن أستفيض في التفاصيل، لكنها ستكون مطولة جدا بشكل مبالغ فيه وستبعدنا عن موضوع الحوار الأساسي.

لقد كانت هناك تقارير داخلية صادرة عن الإدارة الأميركية تفيد بأنه في العقود المقبلة سيأتي خطر حقيقي من جانب المسلمين والصين من شأنه أن يهدد النفوذ الأميركي. لقد قتل الروس 1.3 مليون أفغاني، لكن الأميركيين أزهقوا أرواح 50000 أفغاني حتى الآن فقط. إن الإطاحة بأقوى نظام رأسمالي باتت أمرا يسيرا جدا. اتفق المؤرخون على أن أميركا أصبحت قوة في طريقها للانهيار. وقد تنبأ بول كنيدي بانهيار أميركا منذ أعوام مضت. لكن لم يكن أحد يتخيل أن يأتي انهيارها على أيدي الأفغان، ذلك الشعب الضعيف قليل الحيلة الذي يتنقل أفراده هنا وهناك بحثا عن مأوى. لقد خسر الأميركيون الآن في ساحة المعركة, وفيما يتعلق بباكستان، كانت هناك مخاوف أمنية بالنسبة لها. هناك مخاوف أمنية بالنسبة لباكستان الآن، وستستمر هذه المخاوف في المستقبل القريب. لكننا الآن خارج نطاق الخطر. لم يعد احتمال أن يرهبنا الأميركيون ويستأسدوا علينا قائما هنا.

* دائما ما كنت تنتقد الوجود الأميركي في المنطقة.. إذا غادرت القوات الأميركية أفغانستان وفقا للجدول الزمني المحدد، كيف سيؤثر ذلك على الموقف الأمني في المنطقة؟

- ستصبح الصين قوة اقتصادية عظمى بشكل سلمي من دون أي حرب. وحينما يغادر الأميركيون المنطقة، ستكون الصين أكبر مستفيد. وهذا معناه أن الصين ستظهر كأهم قوة في المنطقة. الصين تربطها علاقة طبيعية بباكستان. وبشأن الهند، فلطالما قلت إنها على الجانب الخاطئ من التاريخ.

* لماذا؟ ألم تظهر الهند كقوة اقتصادية مهمة أيضا؟

- كلا، هذا لم يحدث. إن قوتها الاقتصادية زائفة. ففيها، دخل 300 مليون هندي ضمن الطبقة المتوسطة ويحظون بمكانة النخبة المتحضرة. ولكن هذا لا يعني أن 900 مليون هندي معدم لن يظهروا بقوة يوما ما. يشار إلى هذا التقسيم في الهند بمسمى الشريط الأحمر، حيث تجري حركات ماوية. على الجانب الآخر، ستواجه القوات الإسلامية الهند أيضا. كانت الهند في صف القوى الرأسمالية في هذه الحرب ضد القوى الإسلامية، والقوى الإسلامية تحقق انتصارات. انظر إلى الجانب الآخر، فستجد أن الصين ليست مجرد قوة اقتصادية، فهي حليف استراتيجي لباكستان. ومؤخرا، اتخذت الصين موقفا قويا جدا لدعم باكستان، ووجهت انتقادات للهند. وفي أعقاب عملية أبوت آباد (التي راح ضحيتها أسامة بن لادن)، تبنى الصينيون موقفا قويا داعما لباكستان

* هل تعتقد أن الحكومة والجيش الباكستانيين يمكنهما أن يحققا الاستقرار لباكستان، في حالة مغادرة القوات الأميركية أفغانستان؟

- بالطبع يمكن أن تحقق باكستان الاستقرار لنفسها بنفسها. لقد كان التأثير الأميركي عاملا أساسيا في زعزعة استقرارها. انظر إلى كراتشي، من المسؤول عن المذبحة التي وقعت فيها؟ لقد قسموا دولة باكستان. إنهم طلبوا من الهنود تزويد حركة طالبان باكستان بالأسلحة. إنهم يزعزعون استقرار كراتشي. ترى المجتمع الهندي ينقسم. خذ هذا الرأي مني: إن ديمقراطيتهم تنهار، فهناك أصوات منادية بالثورة مقبلة من الهند. ويجب أن يظهر بديل للنظام الديمقراطي، ويمكن أن يأتي هذا البديل من مصادر إسلامية؛ الدين أداة تأثير قوية جدا. بل والإسلام أقوى تأثيرا لأنه في قلب هذه الدولة الثائرة. لديها نظام إسلامي متكامل، لذلك فالإسلام له تأثير مهيمن داخلها. وفي هذا الموقف، يمكن أن تظهر باكستان كنموذج لثلاثة عناصر، الدين والقومية والديمقراطية، لأننا ملتزمون دستوريا تجاه كل هذه الاتجاهات المهيمنة في القرن الحادي والعشرين. إن مزيج أفغانستان وباكستان والصين كجهة دعم لهما سيمثل جبهة قوية جدا. إنه عملاق ناشئ محتمل في العالم، ليس بمساعدة التوسعات الإقليمية، وإنما بظهوره كنموذج يحتذى به.

* شهدت فترة ما بعد أحداث 11/ 9 زيادة حادة في عدد الميلشيات في باكستان وأفغانستان، ماذا كانت أسباب ذلك في رأيك؟ وكيف ترى تطور الموقف في السنوات المقبلة؟

- أحد الأسباب الرئيسية وراء ذلك هو وجود مثل هذا العدد الضخم من قوات الاحتلال الأجنبي في أفغانستان. إنها معركة ضخمة، وبالطبع لها تداعياتها. فحينما تسقط قنبلة على الأرض، تطير شظاياها في كل اتجاه وتحدث أضرارا فادحة. لم تكن تلك معركتنا، بل كانت معركة الأميركيين التي جر الجنرال مشرف وطننا إليها. قام الجنرال مشرف في البداية بتقسيم باكستان من خلال سياساته؛ فقد قلب المثقفين المعتدلين ضد المتطرفين، هل رأيت من قبل قائدا يقسم دولته؟ لقد تسببت سياسات مشرف في ردود فعل متطرفة من جانب من يطلقون على أنفسهم اسم إسلاميين. فقد اعتقدوا أن كلا من حكومتهم والحكومة الأميركية تقفان ضدهم. وقادت ردود الفعل المتطرفة هذه إلى انقلاب في المجتمع الباكستاني.

* أنت تقول إن باكستان وأفغانستان مدعومتين بالصين ستظهران ككيان مؤثر قوي جدا. لكن حتى الآن، الموقف هو أن النخبة الحاكمة في باكستان مؤيدة لأميركا؟ ماذا ترى؟

- الآن، يجب أن تضع في اعتبارك الموقف الجديد؛ لقد بدأ الجيش الباكستاني يتخذ مواقف صارمة بشأن مواضيع مختلفة متعلقة بالمصالح الوطنية. الشعار الذي يردده الأميركيون هو: «أصدقاء لا أسياد». ويفسر هذا تاريخ علاقات باكستان مع الولايات المتحدة برمته؛ بدأ الأميركيون بزعم أن باكستان دولة صديقة، لكننا في النهاية أدركنا أنهم يشعرون في قرارة أنفسهم بأنهم أسيادنا. إنهم يعاملوننا كما لو كنا خدما أو تابعين لهم. هنا، وفجأة، بدأ الباكستانيون يقدحون زناد فكرهم. وبعدها، بدأت باكستان في اتخاذ موقف ضد واشنطن. الآن، يستحثون الجيش الباكستاني على بدء عملية في شمال وزيرستان. إنهم (الأميركيون) يرغبون في خلق موقف في كراتشي، يتورط بمقتضاه الجيش الباكستاني. في حقيقة الأمر، هناك صراع دائر بين إرادة الشعب الباكستاني والأجندة الأميركية في المنطقة. على الجانب الآخر، يطلب الأميركيون من الباكستانيين قبول الهيمنة الهندية على المنطقة. كانت مشكلتنا أننا لم نكن نملك أي بديل. ولحسن الحظ، لدينا الآن بديل ممثل في الصين.

* كيف يمكن أن تسهم باكستان في استقرار أفغانستان بعد رحيل الأميركيين من أفغانستان؟

- الأفغان قادرون نوعا ما على إدارة شؤونهم بأنفسهم، ولا يجب حتى أن تحاول باكستان التدخل في شؤون الأفغان. إذا رجعت للتاريخ، فستجد أنهم قد تمكنوا مرارا وتكرارا من هزيمة قوى عظمى داخل وطنهم. لم تنجح أي دولة على الإطلاق في السيطرة على أفغانستان. لقد استطاعوا إلحاق الهزيمة ببريطانيا ثلاث مرات، وهزموا روسيا مرة واحدة، وهم الآن على وشك إلحاق الهزيمة بالأميركيين. التاريخ يخبرنا أنهم قادرون على تسوية نزاعاتهم. إذن، ما الذي يمكن أن تنصحهم به؟

* لكن باكستان يمكن أن تلعب دورا سياسيا في هذا الشأن، أليس كذلك؟

- إن الموقف شديد التعقيد، لأن باكستان لو تدخلت في الشأن الأفغاني، فستطلب إيران التدخل بالمثل فيه. والصين أيضا من دول الجوار، وكذلك غيرها من الدول الأخرى. وإذا لعبت إيران مثل هذا الدور، فستطلب الكثير من دول العالم العربي التدخل في الموقف الأفغاني. لذلك، ففي رأيي، لا يجب أن يتدخل أي طرف في الشأن الأفغاني. الأميركيون يرغبون في انتزاع النصر من بين فكي الهزيمة. إنهم يطالبون بضرورة أن تكون لهم قواعد عسكرية في أفغانستان. دعني أخبرك أنه حتى لو لم يكن كرزاي مستعدا لمنحهم قواعد عسكرية في أفغانستان، فماذا عن طالبان؟ مؤخرا، طلب الأميركيون من الحكومة الأفغانية السماح لهم ببناء قواعد عسكرية دائمة في أفغانستان. وأخبر كرزاي الأميركيين أنه ليس بيده اتخاذ القرار، بل إنه متروك للبرلمان. بعدها، قدم ثلاثة شروط للأميركيين. أولا، يتم بناء القواعد العسكرية الأميركية بموجب القانون الأفغاني. ثانيا، يحظر استخدام القواعد الأميركية في احتلال أي دولة ثالثة أخرى. ثالثا، يتعين على الأميركيين تزويد القوات الأفغانية بالأسلحة التي ستمتلكها القوات الأميركية في قواعدها. لقد خسر الأميركيون المعركة، ولن يكونوا قادرين مطلقا على تحقيق أهدافهم. لكني ما زلت أقول إن الشعب الأفغاني مستعد لإعلان أنه لن يسمح باستغلال أرضه في شن هجوم ضد أي دولة أخرى. كما أنهم بحاجة لوقت لإعادة إعمار دولتهم.

* ثمة مخاوف من أن تصبح أفغانستان ساحة قتال بين باكستان والهند، فماذا ترى؟

- تلعب الهند دورا سلبيا جدا في أفغانستان. وإذا قامت الهند بأي دور في أفغانستان، فمن المؤكد أن باكستان ستتدخل في الشأن الأفغاني. سيكون موقفا غاية في السوء. أرى أنه لا يجب أن يتدخل أي طرف في الشأن الأفغاني؛ فإذا لم تتدخل باكستان بأي صورة، لا يجب أن تتدخل الهند بالمثل.

* هل ستنجح محاولة تحقيق المصالحة في أفغانستان؟

- يبذل الأميركيون مساعي من أجل دفع حركة طالبان للانضمام إلى حكومة ائتلافية. وأعتقد أن هذا مستحيل. فالأميركيون يرغبون في أن تعزل حركة طالبان نفسها عن تنظيم القاعدة. وهذه فكرة خاطئة الآن. تنظيم القاعدة لديه هدف مختلف. لقد نصب تنظيم القاعدة فخا للأميركيين في أفغانستان، والآن قد تحولوا إلى الشرق الأوسط. ويمكن تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة في أفغانستان بمجرد مغادرة الأميركيين أفغانستان.

* هل ثمة أي أمر ما زال خفيا على عامة الناس فيما يتعلق بعملية أبوت آباد التي أردت أسامة بن لادن قتيلا؟

- نعم، بالتأكيد، لقد مات أسامة بن لادن، وقد أغلقوا وحدة تعقب أسامة بمقر الـ«سي آي إيه». وخلال الثلاثة أعوام التالية التي ظل فيها جورج بوش في منصبه، لم يشر حتى ولو إشارة عابرة إلى أسامة بن لادن. في الأساس، أراد أوباما وضع نهاية لحرب. لقد رغب في أن يصبح رئيس سلام. لقد رسموا خطة مع شعبنا الباكستاني. وعندما تنامى إلى علمهم أن بعض أفراد أسرة أسامة بن لادن كانوا يعيشون بالقرب من أبوت آباد، ظهر على السطح موضوع ريموند ديفيس (عميل «سي آي إيه» الأميركي الذي قتل مواطنين باكستانيين اثنين في لاهور)، وأدى هذا إلى توترات بين رئيس «سي آي إيه»، بانيتا، ورئيس جهاز الاستخبارات الباكستاني اللفتنانت جنرال شجاع باشا. وأجبر هذا «سي آي إيه» على إعلان عدم وثوقها بجهاز الاستخبارات الباكستاني. وبعدها، قام الأميركيون بهذه العملية أحادية الجانب.

* هل طالعت تصريحات بنات وزوجات أسامة بن لادن بأنهن قد شاهدن أميركيين يصوبون رصاصاتهم تجاه بن لادن عن قرب؟ لقد أدلوا بهذه الاعترافات أثناء تحقيقات مع مسؤولي استخبارات باكستانيين، وهي المعلومات التي تم تسريبها لاحقا إلى وسائل الإعلام.

- هذه الادعاءات لا تستحق التعليق عليها، فأنا لا أصدقها على الإطلاق.

* هل أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة موجود داخل باكستان أم في منطقة قبلية؟

- أعتقد أنه غادر إلى اليمن. لا أظن أنه في باكستان. لقد تزوج في باجور، لكني أعتقد أن مركز ثقل تنظيم القاعدة قد تحول إلى الشرق الأوسط؛ إلى اليمن، ليس لدينا وجود مكثف لتنظيم القاعدة في باكستان، لدينا أربعة وعشرون شخصا فقط.