باكستان وعشر سنوات من الفوضى

سعت لإقناع طالبان في اللحظات الأخيرة بالتخلي عن بن لادن وتجنب حملة عسكرية كارثية

TT

دفعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 باكستان إلى الانخراط في الحرب على الإرهاب وأدت إلى تركيع البلد النووي خلال قتاله للمتشددين الإسلاميين في الداخل ومخاطرته بأن يصبح دولة منبوذة في الخارج.

فذات مساء قبل عشر سنوات، بدأت قنوات التلفزيون الباكستانية التي كان الرئيس الجنرال برويز مشرف آنذاك قد أطلق لها مساحة من الحرية، في بث صور مرعبة للبرجين التوأمين في نيويورك.

وقليلون لم يسهروا تلك الليلة لمتابعة الأخبار إذ أدرك كثر أن العالم قد تغير إلى الأبد وأن باكستان غدت في عين المعمعة بعد سنوات أمضتها إسلام آباد تغذي الحركات المتطرفة لخدمة أهدافها الخاصة. ويقول الكاتب أمتيار غول الذي وضع عدة كتب عن الحرب التي تلت ذلك وتداعياتها على باكستان «للوهلة الأولى، روعني ما جرى، إذ أدركت أن مزيدا من البلاء سيلحق بباكستان». ويتابع «مخاوفي تحققت، فقد دفعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر باكستان إلى خضم أزمة أمنية غير مسبوقة».

ولم يمض كثير على مشرف ليتدارس الخيار الذي طرحته واشنطن ويعلن في التاسع عشر من سبتمبر أن باكستان ستفتح مجالها الجوي وأراضيها أمام الولايات المتحدة لهزيمة الإرهاب، فضلا عن توفير قدراتها لخدمة الهدف ذاته.

ولكن، بينما كانت أميركا تضع اللمسات الأخيرة على خططها الحربية، حاولت باكستان جاهدة إقناع حلفاءها الطالبانيين في أفغانستان بالتخلي عن أسامة بن لادن وتجنب حملة عسكرية ستحمل تداعيات كارثية، غير أن مناشداتها لم تجد صدى لدى طالبان.

وخلال أسابيع، فر بن لادن ومساعده آنذاك أيمن الظواهري، فضلا عن قادة مستضيفيهم من طالبان، من وجه الغزو الأميركي لأفغانستان إلى باكستان المجاورة. وفي المناطق القبلية شمال غربي باكستان حيث لم تستطع حكومة فرض سيطرتها، وجد عناصر التنظيم الإسلامي المتشدد ملاذا بين شبكات المتشددين المحليين التي تعود إلى جهاد التسعينات ضد السوفيات في أفغانستان. وأعاد المتشددون تنظيم صفوفهم وكونوا قواعد استخدمتها طالبان لإدارة حركة تمرد وهجمات دامية في أفغانستان فضلا عن معسكرات تدريب لـ«القاعدة» لغسل أدمغة الشباب من كافة أصقاع العالم لتنفيذ هجمات إرهابية.

ونتيجة لذلك، وجدت القوة النووية الإسلامية الوحيدة نفسها خلال العقد الماضي أكثر ترنحا من أي وقت مضى خلال 64 عاما من تاريخها الدامي والفوضوي منذ الانفصال عن الهند والاستقلال عن بريطانيا.

وجاءت نقطة تحول أخرى في تموز يوليو (تموز) 2007 عندما أخلت القوات الحكومية المسجد الأحمر (لال مسجد) بقلب إسلام آباد، حيث دأب المتطرفون على إطلاق خطب الكراهية.

وعندها أعلن المتشددون الجهاد وعلى مدار الأعوام الأربعة الماضية، وقع 500 هجوم تفجيري أسفرت عن مقتل 4600 شخص، بحسب حصيلة لوكالة الصحافة الفرنسية.

وحينما بدا أن الأمور لا يمكن أن تكون أسوأ من ذلك، وجدت القوات الأميركية الخاصة أسامة بن لادن يعيش على مقربة من كبرى الأكاديميات العسكرية الباكستانية عندما قتلته في بلدة أبوت آباد، مما زاد العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان ترديا.

ويقول الصحافي الباكستاني أحمد رشيد الذي حقق كتابه «طالبان» مبيعات عالمية منذ الحادي عشر من سبتمبر، «لا شك في أن البلاد تمر بأسوأ حقبة لها».

ويصف رشيد باكستان بأنها باتت «معزولة بالكامل» بسبب حرب «أخرجت إرهابا وطائفية وضعفا في أركان الدولة وحركات تمرد عرقية أكثر خطورة»، محملا باكستان نفسها المسؤولية عن ذلك بتبديدها أموال المساعدات الأميركية ورفضها إعادة ترتيب أولويات أمنها القومي.

ويقول رشيد «سياسيا كان الخطأ الأفدح هو احتضان الجيش والاستخبارات العسكرية الباكستانية لطالبان أفغانستان وإعادة إطلاقها من جديد. كان ذلك أمرا بالغ الضرر وأدى لتنامي طالبان باكستان».

وكثيرا ما تقول الحكومة الباكستانية إن البلاد ضحت بالأغلى في محاربتها للإرهاب، إذ تقول أرقام الحكومة الباكستانية إن 35 ألف شخص قتلوا، بينما يؤكد الجيش مقتل 3019 جنديا منذ 2001، وهو ما يربو على القتلى بين القوات الغربية في أفغانستان وعددهم في نفس الفترة 2684. وبحسب أرقام أصدرتها المجموعة الدولية للأزمة في 2010، فقد أدت أعمال العنف وحملات مكافحة الإرهاب في باكستان منذ 11 سبتمبر إلى نزوح وتشريد أكثر من ثلاثة ملايين نسمة.

ويقول الجيش الباكستاني إنه ينشر 147 ألف جندي في مناطقه الشمالية الغربية مقارنة بـ35 ألف جندي كان ينشرهم في أكتوبر (تشرين الأول) 2001، في تحول كبير عن التركز السابق للقوات بمحاذاة الحدود الهندية شرقا.

ولكن التطرف زاد بينما تنفذ الطائرات الأميركية من دون طيار ضربة بمعدل مرة كل أربعة أيام لاستهداف مسلحين في المنطقة القبلية، مما يشير إلى نشوء جيل جديد من الانتحاريين.

أما جماعات الجهاد التي تبنتها المؤسسة الأمنية الباكستانية لقتال الهند في كشمير وللإبقاء على أفغانستان كرصيد استراتيجي في حوزة إسلام آباد، فقد تشعبت وتشرذمت وتحولت أكثر إلى السلاح ترفعه في وجه حلفاء الأمس في الدولة الباكستانية.

ويقول الصحافي زاهد حسين «باتت باكستان أقل أمانا بكثير الآن عنه قبل عشرة أعوام، إذ أصبحت ساحة قتال وامتدادا للحرب الأفغانية، وتواجه الآن تهديدا خطيرا يمس استقرارها».

ومع ذلك، يدور الحديث العام في باكستان ليس حول كيفية محاربة التشدد، بل حول مساوئ التحالف مع الولايات المتحدة.

والثقة بين واشنطن وإسلام آباد في أدناها والتعاون بين وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) والاستخبارات الحربية الباكستانية (آي إس آي) ضعيفة، ولعبة تبادل اللوم تجري على الساحة الإعلامية بين الجانبين.

وما يزيد المشهد تعقيدا الانهيار الاقتصادي الباكستاني، فإسلام آباد تقول إن خسائر الحرب تناهز 68 مليار دولار، والمنتقدون يقولون «إن البلاد بددت ما يصل إلى عشرين مليار دولار أعطتها الولايات المتحدة منحا». ويقول رشيد «الخطأ الأكبر كان عدم التعامل مع القضايا الاقتصادية الاستراتيجية. فقد كان بإمكان باكستان استغلال تلك الفترة لتغيير هياكلها الاقتصادية الواهنة».

ولكن، بدلا من ذلك بات التضخم معوقا رئيسيا للبلاد فضلا عن استشراء البطالة وأزمة الطاقة، حيث تنقطع الكهرباء لمدد تصل إلى 16 ساعة يوميا، مما جعل الملايين يتساءلون كيف لهم الخروج من هذا النفق المظلم.