ارتباكات وسط الائتلاف الحكومي في المغرب

باحث مغربي: الأحزاب المغربية تائهة ومنشغلة بقضايا هامشية

TT

أثار تحالف حزبين من الأغلبية الحكومية مع حزبين من المعارضة ارتباكا وسط الائتلاف الحكومي الحالي، الذي يقوده حزب الاستقلال، وذلك قبل أشهر من الانتخابات التشريعية المبكرة المقرر إجراؤها في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وفي غضون ذلك قال باحث مغربي إن الأغلبية الحكومية أنهت مهامها مباشرة بعد نشر مضامين الدستور في الجريدة الرسمية، وزالت بالتالي كل العوامل والشروط التي كانت وراء تشكيلها، ووصف الأحزاب السياسية بأنها «تائهة» ومنشغلة حاليا بقضايا هامشية لا تهم المواطن.

والتحالف الجديد بين الأحزاب الأربعة والذي يضم الحركة الشعبية، والتجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، والاتحاد الدستوري فهم على أنه تكاتف واستعداد للحصول على أغلبية المقاعد في الانتخابات المقبلة تؤهله للفوز بقيادة الحكومة، رغم أن قيادات هذه الأحزاب لا تعبر عن ذلك صراحة، بل ترى فيه مجرد تنسيق لا يرقى إلى التحالف السياسي الذي يتطلب موافقة الأجهزة المقررة داخل كل حزب على حدة.

إلا أن الأحزاب الأربعة أعلنت أنها ستنسق فيما بينها لإصدار مواقف موحدة بشأن مختلف القضايا، ومنها تقديم مقترحات موحدة بشأن قوانين الانتخابات التي يجري التوافق حولها بين مختلف الأحزاب ووزارة الداخلية.

وفي هذا السياق، قال محمد الشيخ بيد الله، أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، إن التنسيق بين هذه الأحزاب ليس وليد اليوم، ولم يبدأ منذ الاجتماع الذي تمخض عنه البيان المشترك الصادر في 12 أغسطس (آب) الماضي، حيث «كنا دائما في تشاور وتنسيق مع هذه الأحزاب» واعتبر أن المبادرة «ترمي إلى عقلنة المشهد السياسي ومحاولة لإنشاء قطب منسجم مبني على أفكار، ورؤى وبرامج واضحة كفيلة بمنح نظرة أفضل للمشهد الحزبي بالبلاد».

وقلل محمد العنصر، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية المشارك في الحكومة، من أهمية الانتقادات التي وجهت لحزبه من قبل أحزاب الأغلبية الحكومية وعلى رأسها «التقدم والاشتراكية»، وكذا «الاتحاد الاشتراكي»، وقال: إن «التحالفات مع أحزاب الأغلبية ليست دائمة» مشيرا إلى أن هذا التحالف تم مع «أحزاب تشاركنا نفس الأفكار ونفس القضايا».

وكان المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية قد أصدر بيانا ينتقد فيه موقف حزبي الحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار، وقال: إنه «يسجل باستغراب وقوف مكونين اثنين من الأغلبية في منزلة بين المنزلتين، تارة ضمن الأغلبية، وتارة أخرى من موقع تحالف رباعي، إلى درجة تقديم تعديلات مشتركة على مشاريع الحكومة من خارج الأغلبية البرلمانية» وحذر من «تداعيات مثل هذه الممارسات التي تعطي إشارات سلبية عن العمل الحزبي، وتضر بمصداقيته، وتعمق عدم الثقة في ممارسة حزبية لا تحتكم لأي ضوابط» بيد أن خالد الناصري وزير الاتصال، الناطق باسم الحكومة المنتمي لنفس الحزب لم ير في تحالف الأحزاب الأربعة أي تأثير، مشيرا إلى أن «أحزاب الأغلبية ما زالت مرتبطة بميثاق أخلاقي، وبتوجهات الالتزام الحكومي الذي يجمعها».

أما «العدالة والتنمية» الإسلامي المعارض فلم يستسغ بدوره هذا التحالف ووصفه بـ«التحالف الهجين» الذي يتنافى مع التعهدات التي يجب أن تراعيها الأحزاب المشاركة في الحكومة.

وتعليقا على هذا الجدل الدائر بين الأحزاب السياسية حول التحالفات، قال ميلود بلقاضي، الباحث في العلوم السياسية لـ«الشرق الأوسط» إن الاعتراض على تحالف أحزاب تنتمي إلى الأغلبية مع أحزاب من المعارضة طرح خاطئ سياسيا ودستوريا، لأن الأغلبية الحكومية انتهت مهامها مباشرة بعد نشر مضامين الدستور في الجريدة الرسمية، فكل العوامل والشروط التي كانت وراء تشكيل هذه الحكومة زالت بزوال الدستور القديم، وأضاف أن الحكومة الحالية ليست لها مهام دستورية بالمعنى السياسي فمهمتها هي تصريف الأعمال.

وأوضح بلقاضي أنه حينما تقترب الانتخابات فإن كل الاتحادات والتحالفات تصبح مخترقة ومتجاوزة، ومشروعة، لأن العامل النفعي يصبح هو المتحكم في التحالفات الجديدة.

وعبر بلقاضي عن استغرابه لكون حزب التقدم والاشتراكية انتقد تحالف الأحزاب الأربعة وتساءل عمن سمح له بالتحدث باسم الأغلبية الحكومية، فالتحالف شأن يهم تلك الأحزاب.

وأشار بلقاضي إلى أن مثل هذه الممارسات ليست أمرا جديدا في المشهد الحزبي المغربي، وأعطى مثالا على ذلك بتشكيل حزب الاتحاد الدستوري المعارض فريقا برلمانيا مع حزب التجمع الوطني للأحرار، كما أن حزب الأصالة والمعاصرة خرج من الأغلبية الحكومية وظل وزير ينتمي إليه في منصبه، في إشارة إلى أحمد خشيشن وزير التعليم.

وقال بلقاضي إن تحالف الأحزاب الأربعة هو الطبيعي لأنها كلها توصف على أنها أحزاب إدارية، وغير الطبيعي، من وجهة نظره، هو أن يتحالف حزبان يمينيان مع حزبين اشتراكيين. كما كان الحال في الحكومة الحالية، موضحا أنه بعد إعلان الأحزاب الأربعة عن التحالف فيما بينها بأيام قليلة اتخذ حزب التجمع الوطني للأحرار موقفا منفردا واعترض على موعد الانتخابات، فيما الأحزاب الأخرى المكونة لذلك التحالف وافقت عليه.

ووصف بلقاضي الأحزاب السياسية المغربية بأنها تائهة تدور في حلقة فارغة مما يدل على أن المشهد السياسي المغربي ليس مشهدا سليما، مستدلا كذلك بـ«حرب البيانات والبيانات المضادة بين وزارة الداخلية وحزب العدالة والتنمية».

وأضاف أن الأحزاب السياسية منشغلة بقضايا هامشية دوخت الشعب وهو ما يمثل الخطر الحقيقي من وجهة نظره على مستقبل تطبيق الدستور الجديد، في الوقت الذي كان من المفترض أن تهتم بالمشاريع المجتمعية والبرامج التي ستطبقها في حال فوزها في المرتبة الأولى في الانتخابات لأن المواطن المغربي بحاجة إلى أن يقتنع لمن سيعطي صوته ويقدم له حلولا لمشاكل البطالة والصحة والتعليم.