الثوار الليبيون يناضلون لكسب عقول وأفئدة سكان بلدة العجيلات الموالية للقذافي

الكثير من المسؤولين السابقين يتحدرون منها.. والأهالي يشكون من سيطرة الثوار على الإدارة المدنية

علم الثوار الليبيين فوق إحدى البنايات في بلدة العجيلات (واشنطن بوست)
TT

يقول الرجال الذين جلسوا على سجادة تحت ظل شجرة، إنهم يعرفون أين يوجد معمر القذافي اليوم، والمكان الذي سيظل دائما موجودا فيه. قالوا في آن واحد تقريبا وهم يربتون بأيديهم اليمنى على صدورهم: «إنه في قلوبنا».

وقبل أسبوعين تقريبا، كان كل بيت تقريبا في مدينة العجيلات، أحد معاقل القذافي التي تقع على بعد نحو 50 ميلا إلى الغرب من طرابلس، يرفع العلم الأخضر لليبيا في عهد القذافي. اختفت هذه الأعلام اليوم، لكن علم الثوار لا يرفرف إلا على عدد قليل من المباني الحكومية.

ورغم طمس الرسوم الجدارية المؤيدة للقذافي، فإنها لم تستبدل بشعارات الثورة. فلا تزال مصارع المتاجر خضراء اللون، وخلافا لغيرها من المدن لا يبدو أن أحدا يحاول البحث عن طلاء أحمر وأسود، وهي الألوان المميزة للثوار، لتغيير اللون الأخضر الموحد. وقال خميس (45 عاما) وهو رجل أعمال، يفضل مثل كثير من الناس هنا عدم ذكر اسم عائلته، حتى يتمكن من التحدث بحرية أكبر: «نحو 10 في المائة فقط من الناس في هذه المنطقة هم الذين يقفون ضد القذافي. وتسعون في المائة منهم من المؤيدين للقذافي. ولكن في هذه اللحظة نحن قابعون في بيوتنا، ونحن قلقون وخائفون مما يجري».

وكان الثوار الليبيون قد «حرروا» العجيلات في بداية شهر سبتمبر (أيلول)، بعد نحو 10 أيام من سقوط طرابلس. وقد شكل مجموعة من الشبان الجادين من البلدة مجلس مدينة جديد، ويقولون إنهم يعملون بجد لكسب ثقة الناس.

ولكن الدعم الذي يحظى به القذافي وحكومته هنا عميق الجذور؛ فالكثير من كبار المسؤولين في حكومة القذافي جاءوا من العجيلات التي تعد مجتمعا محافظا ومترابطا إلى حد بعيد، والتي تعتبر أكثر فقرا وأقل مدنية من بلدات ومدن أخرى موجودة على طول الساحل، حيث ازدهرت الثورة. ولم تساعد الطريقة التي تصرف بها المقاتلون الثوار عندما اقتحموا البلدة قضيتهم. فقد تم نهب بيوت بعض كبار المتعاطفين مع القذافي أو حرقها، والاستيلاء على أسلحة تحت تهديد السلاح، ومصادرة السيارات الحكومية، كما يقول السكان.

وقال خليفة عمر مصباح (61 عاما)، وهو مزارع يدعي أن ابنيه قتلا عندما رفضا التخلي عن سلاحيهما: «إن هذه ليست ثورة سلمية. فالثورات ينبغي أن تكون سلمية وتجلب نظاما أفضل للحكم، وليس مجرد الأسلحة».

وتعتبر مشكلات الثوار في كسب قلوب وعقول أهل العجيلات نموذجا مصغرا للمشكلات الأكبر التي من المرجح أن تواجههم، حيث يستعدون للانتقال إلى معاقل القذافي في سرت، وبني وليد، والجفرة‎ إلى الشرق من طرابلس.

وقد أطلق أنصار القذافي في بني وليد، يوم الخميس، ما لا يقل عن 10 صواريخ باتجاه خطوط الثوار. ويقول الثوار الذين تدفقوا على بني وليد إنه يتم إيواء عدد من الموالين المهمين للقذافي هناك، والذين ربما يتضمنون واحدا أو اثنين من أبنائه.

في الوقت نفسه، أصدر العقيد الليبي السابق رسالة صوتية متحدية أخرى إلى «التلفزيون السوري»، تعهد فيها بالبقاء في ليبيا ومواصلة القتال، ناعتا خصومه بـ«المرتزقة والسفاحين والخونة»، ونافيا التقارير التي تفيد بأنه كان هاربا في إحدى الدول الأفريقية المجاورة.

وقال القذافي: «نحن مستعدون لبدء القتال في طرابلس وفي كل مكان آخر، والوقوف ضد كل هذه الجرذان، والجراثيم والحثالة. فهم ليسوا ليبيين، واسألوا أي شخص عن ذلك. فهم قد تعاونوا مع حلف شمال الأطلسي».

وفي العجيلات، قال عدة أشخاص إنهم ما زالوا يأملون في أن يتمكن القذافي من العودة، وإنهم ما زالوا مستعدين للقتال نيابة عنه.

ويقول الناس هنا، إن القذافي جعل بلاده قوية ومستقلة وفخورة، في حين تهتم منظمة حلف شمال الأطلسي والغرب بنفط ليبيا فقط. ويحكي الموالون بينما هم يجلسون متحلقين يحتسون الشاي الأسود الحلو، حكاية شعبية تدور حول شاب في البلدة لم يتحدث لمدة 20 عاما منذ ولادته. وكيف أنه عثر فجأة على صوته في الأسبوع الماضي. وكانت الكلمات الوحيدة التي لفظها، كما يزعمون، هي «النصر للقذافي». وقال خالد 40 عاما: «لا أستطيع أن أنكر أن الناس يريدون القذافي. فنحن لا يمكننا العيش في ظل الغزو. وعلى الرغم من أن الناس خائفون، فإنهم في غضون أيام قليلة يمكن للرجال والنساء والأطفال أن يقاتلوا مرة أخرى».

وتعد الأسلحة هي لب المشكلة في العجيلات اليوم، وهي المشكلة التي ستطفو بالتأكيد على السطح عندما يحاول الثوار الاستيلاء على المدن الأخرى الموالية للقذافي. ويعرف الثوار أن سكان هذه البلدة كانوا، وربما ما زالوا، أعداءهم. وبالتالي، فإنهم يريدون من السكان تسليم أسلحتهم. ولكن السكان، من ناحية أخرى، لا يشعرون بالأمان، ولا يرون لماذا ينبغي عليهم التخلي عن أسلحتهم.

وقال رمزي (28 عاما): «لقد أوقفوا سيارتي وأخذوا أوراق تسجيلها. وقالوا إذا كنت أرغب في استعادة أوراقي مرة أخرى، فلا بد لي من تسليم سلاحي. ولكنني لا أعرف حتى من هم. وهم يتعاملون مع ممتلكات الناس وكأنها مغانم لهم».

وقال فتحي جهات (31 عاما)، ويعمل موظفا في شركة الكهرباء الحكومية، إن الثوار صادروا سيارته لأنه كانت من ممتلكات الحكومة. وقال، مثل كثير من الناس هنا، إنه يبدو إن الإدارة المدنية للبلدة ليس لديها سوى القليل من السيطرة على المقاتلين، الذين كانوا على الأقل في الأيام القليلة الأولى بعد سقوط البلدة، من بلدات أخرى. وقال: «لقد شكوت إلى المجلس المحلي، ولكنهم قالوا إنهم لا يعرفون شيئا عن ذلك».

في المركز الإعلامي للثوار في المدينة، تتم إذاعة النشيد الوطني الليبي الجديد بلا توقف من أحد المكاتب. كما تم توزيع منشورات في المساجد والمحلات التجارية في الخارج في محاولة لطمأنة الناس بأن حكام المدينة الجدد هم إخوانهم، وأنهم ليسوا من «القاعدة»، كما تصر دعاية القذافي على وصفهم.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»