يحيى الجمل: المشير طنطاوي رفض استقالتي مرتين وقبل الثالثة لظروفي الصحية

نائب رئيس الوزراء المصري السابق بحكومة الثورة في حوار مع «الشرق الأوسط»: «الاختصاصات» سبب اختلافي مع شرف

TT

أكثر ما يفتخر به الدكتور يحيى الجمل، هو منصبه الجامعي المرموق كأستاذ للقانون بجامعة القاهرة، وهو ذات المنصب الذي يتخذه طريقا مفضلا للابتعاد عن العمل السياسي التنفيذي، فعلها مع الرئيس السادات حينما كان وزيرا لشؤون مجلس الوزراء عام 1974، وفعلها مؤخرا مع المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري الحاكم في مصر، حينما قدم استقالته من منصبه كنائب للدكتور عصام شرف رئيس الوزراء المصري، وهو المنصب الذي شغله الجمل للمرة الأولى في حكومة الدكتور أحمد شفيق الثانية التي شكلها بعد تنحي الرئيس المصري حسني مبارك عن الحكم في 11 فبراير (شباط) 2011.

ويؤكد الجمل أن خروجه من الوزارة كان بسبب عدم وضوح الاختصاصات، ويروي قصة استقالاته الثلاث، موضحا أن ظروفه الصحية هي التي دفعت المجلس العسكري إلى قبولها في النهاية، ويعتبر نائب رئيس الوزراء السابق أن الاستقالة الثالثة كانت واحدة من أصعب أزمات حياته، خاصة بعد إصراره عليها، مما أغضب المشير طنطاوي وأعضاء المجلس العسكري.

وعن دور الإسلاميين في خروجه من الحكومة، يرفض الجمل تعميم علاقته بالتيار الإسلامي، ويؤكد أن خلافه مع فصيل من السلفيين، بينما يفخر بعلاقته المميزة مع جماعة الإخوان المسلمين، معتقدا في قدرتهم على تكرار النموذج التركي بعد تأسيسهم لحزب الحرية والعدالة، الذي يمثل الجناح السياسي للجماعة، ويؤكد أن البلاغات التي قدمت للنائب العام ضده بتهمة «العيب في الذات الإلهية» قد تم حفظها، ويردد مقولة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب «المقاصد أهم من الملافظ» باعتبارها براءة لذمته الدينية.

ويروي الدكتور الجمل في الجزء الثاني من حواره المطول مع «الشرق الأوسط» بعض أسرار التغييرات الصحافية التي أجراها بحكم منصبه كنائب لرئيس الوزراء والتي أثارت جدلا كبيرا، كما يحكي لأول مرة للإعلام القصة الكاملة لخلافه مع وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، التي بدأت جذورها عندما عملا معا في السفارة المصرية في باريس في سبعينات القرن الماضي، وحقيقة الدور الأمني الذي لعبه حسني في هذه الفترة، ويختتم الجمل حديثه عن ذكريات تأسيسه لحزب الجبهة الديمقراطية الذي شارك في تأسيسه مع نخبة من رموز الفكر في مصر، وإلى نص الحوار.

* قال الكاتب الراحل رجاء النقاش عن حياتك التي نشرت بعض تفاصيلها في كتاب «قصة حياة عادية»: إنها قصة كفاح ضد الأزمات الصغيرة والوقوف في وجهها وعدم إتاحة الفرصة لها حتى تكبر وتصبح عسيرة على الحل، إلى أي مدى يمكن أن نطابق ذلك على أزمة خروجك من الحكومة المصرية؟

- هي لم تكن أزمة، فأنا أصلا أستاذ في الجامعة وعملي أكاديمي وأحبه جدا، وأجد فيه نفسي ولم أجد نفسي في العمل التنفيذي، حتى حينما كنت شابا صغيرا في الوزارة أول مرة، وهذه المرة أيضا لم أكن سعيدا بها، ولكني قبلت الوزارة كخدمة وطنية إجبارية، وأستطيع أن أقول إنها كانت أكثر من 100 يوم أعمال شاقة، خاصة أني أرى أن السن لها حكمها، وأعتقد أن الناس فوق سن الخامسة والسبعين يحق لها أن ترتاح وأن تشارك في بلدها بالرأي والحكمة والفكر أكثر من العمل التنفيذي.

* هل هذا يعني أن خروجك من الوزارة لم يحمل أسرارا أو أزمات خاصة غير معلن عنها؟

- صدقني لم يحدث، خروجي من الوزارة له سببان أساسيان؛ أولهما أني لا أطيق العمل التنفيذي، وثانيهما: أنه في الحقيقة لم تكن هناك اختصاصات محددة أقوم بها، فقد كنت النائب الوحيد وكان المفترض أن نقتسم المسؤولية أنا وعصام شرف، ولكن لم يكن واضحا حدود مسؤولياته وحدود مسؤولياتي، وقد عولج هذا في التعديل الوزاري الأخير من خلال النائبين الدكتور علي السلمي للتحول الديمقراطي والوفاق القومي، والدكتور حازم الببلاوي للشؤون الاقتصادية، فكل منهما اختص بجانب محدد، وهذا أمر أراح الكل حقيقة.

* ولكن عدم وجود اختصاصات محددة لك يفتح طريقا للخلاف؟

- يقينا كان هناك اختلافات ولكن الاختلافات شيء والخلافات شيء آخر، نعم كان هناك اختلافات في وجهات النظر وفي المنهج ككل، ولكن لم يكن هناك خلافات بيننا.

* وهل هذا هو ما دفعك لتقديم استقالتك 3 مرات؟

- الأولى لم يكن بها أسباب ولقد أرسلتها للدكتور عصام شرف، الذي قام بدوره بتحويلها إلى المجلس العسكري ورفضت وقتها، أما الثانية فقد كانت مسببة بحالتي الصحية وبعض الاختلافات في وجهات النظر في العمل في الوزارة ورفضها شرف كثيرا، ولكني ترجيته أن يقبلها، فما كان منه إلا أن أرسلها إلى المجلس العسكري هي الأخرى، وحدث وقتها أن المشير طنطاوي «زعل جدا»، وكلمني على التليفون وقال لي: «يا دكتور يحيى، البلد لا يحتمل هذا التفكير الآن، ولا يمكن أن تتخلى عن البلد»، فقلت له: «ولكني أريد أن أراك»، فقال لي: «إذا كنت تريد أن تراني لكي تتحدث في أسباب الاستقالة فلا تأتِ لي ولا أريد أن أراك، أما إذا كنت تريد أن تراني دون الحديث في أمر الاستقالة فأهلا بك في أي وقت»، وبالفعل تراجعت عنها، أما الاستقالة الثالثة والأخيرة، فهي متعلقة مرة أخرى بحالتي الصحية ومتابعاتي الطبية في النمسا، وكان يجب أن أسافر من أجل الفحوصات، وفي النهاية شعر المجلس العسكري أنه لا يمكنه مراجعتي مرة أخرى إذا كانت هذه هي رغبتي الأخيرة.

* ما حقيقة التحقيقات التي أجراها معك النائب العام؟ وما هي طبيعة الاتهامات التي وجهت ضدك؟

- التحقيقات كلها كانت بناء على البلاغات التي قدمت ضدي فيما سمي بقضية «العيب في الذات الإلهية»، وكان ذلك بسبب ما قلته عن نتائج استفتاء التعديلات الدستورية في أحد البرامج التلفزيونية، وقد كنت أقصد به أن أصحاب الديانات السماوية الثلاث يمثلون نصف الكرة الأرضية فقط، وهناك من يدينون بأديان ليست سماوية، وآخرون لا دين لهم على الإطلاق، وللأسف فقد فهم البعض هذه التصريحات بشكل خاطئ واعتبروها تطاولا، وعلى كل الأحوال هذه البلاغات كلها حفظت الآن، كما قال لي شيخ الأزهر العالم الجليل الدكتور أحمد الطيب: «المقاصد أهم من الملافظ».

* إلى أي مدى أسهم خلافك مع الإسلاميين في إشعال أزمات كثيرة حول وجودك في منصب نائب رئيس الوزراء، وهل كان هذا الخلاف هو بداية نهاية علاقتك بهذا المنصب؟

- أعترض في البداية على التعميم في كلمة «إسلاميين»، فكلمة إسلاميين بصفة عامة لا تصلح ويجب تحديدها، فأنا لا أختلف مثلا مع «الإخوان المسلمين»، وعلاقتي بهم جيدة، وإطلاق وصف الإسلاميين فيه كثير من التجاوز، ولهذا أعني هنا خلافي مع «بعض السلفيين» وليس كلهم، فصيل منهم، ففريق معين منهم يفسرون الإسلام تفسيرات، في تقديري الشخصي وقد أكون مخطئا، لا صلة لها بالإسلام، فأول دولة في الإسلام أسسها الرسول صلى الله عليه وسلم هي دولة مدنية، ووثيقة المدينة المنورة تشهد بذلك، وعندما قلت هذا وصممت عليه وقدمت الأدلة النوعية والنقلية بدأوا يشعرون بالخطر على دعوتهم، لهذا أطلقوا علي سهام الحرب والنقد لي، لأنهم اعتبروني أمثل خطرا على دعوتهم، فهذا الفريق هو الذي شن علي هجوما ظالما.

* هل تفترض حسن النية في التيارات الإسلامية المختلفة وفي الحديث عن فصائلها، وهم ما زالوا يرددون أنهم في خندق واحد؟

- بعضها أفترض به حسن النية، فـ«الإخوان المسلمون» الأصل فيهم حسن النية ولكن هناك استثناء، والصوفية الأصل فيها حسن النية، لكن هناك استثناءات كذلك، أما السلفيون فإني أفترض في بعضهم عدم حسن النية، الذين أزعجوا مصر وروعوها وأخافوا الأقباط والمسلمين، هؤلاء لا أفترض بهم حسن النية وأتصور أنهم يعملون بإدراك أو بغير إدراك لحساب جهات تريد أن تقصم ظهر مصر.

* ظلت النخبة السياسية في مصر لسنوات طويلة ترفض الإسلام السياسي وتعتبره خطرا على الدولة، ما تعليقك؟

- أنا من الذين يؤمنون بأن خلط الدين بالسياسة هو خلط بين المطلق والنسبي، فالدين مطلق والسياسة نسبية، والخلط بين الدين والسياسة يضر الدين ويضر السياسة ولا يفيد أيا منهما، الدين أحكامه مطلقة وأحكامه كثير منها لا يعود إلى إرادة البشر، في حين أن السياسة كلها إرادة بشر، السياسة نسبية وتعالج أمورا تتغير بين وقت وآخر، تتغير في جيل وجيلين وأحيانا في قرن أو اثنين، لكن الأكيد أنها تتغير وغير ثابتة، في حين الدين أحكامه مطلقة وثابتة، والخلط بين هذين الأمرين (المطلق والنسبي) خلط غير سليم. أما الدين له مجاله، فالعلاقات الإنسانية بغير دين تصبح غابة.. إذا ضاع الإيمان فلا أمان.. مثلما قال محمد إقبال، لكن على مستوى تنظيم المجتمع فلا يصلح له غير السياسة وتتغير من بلد لبلد ومن عصر لعصر.

* كيف ترى مستقبل جماعة الإخوان المسلمين في حكم مصر؟

- أفرق الآن ما بين الجماعة والحزب، الجماعة عمل دعوي إسلامي، الحزب حزب سياسي يقولون إنه قائم على فكرة المواطنة، وبعض أعضائه أقباط، وأعتقد أن التوجه سيصل بهم إلى ما وصل به حزب العدالة في تركيا، وهذا هو منطق التاريخ والظروف المحيطة.

* ما الفرق ما بين التجربة المصرية والتركية في رأيك؟

- التجربة التركية غير قائمة على الخلط ما بين الدين والسياسة، الدين علاقة بين الإنسان وربه، والسياسة علاقة ما بين الفرد ودولته، والأتراك مؤمنون بهذا الأمر تماما، والتجربة التركية في بدايتها كانوا فيها متشددين في فصل الدين عن السياسة، لدرجة اعتقاد البعض أنها تتبنى المنهج العلماني.

* أثير لغط كثير حول دورك في التغييرات الصحافية التي جرت بعد ثورة يناير، وهاجمك الكثيرون على ترشيحاتك لرؤساء تحرير الصحف، ما تعليقك؟

- لم أكن يوما مستقلا بالاختيار، بل كانت هناك مشاورات ما بيني وبين الدكتور عصام شرف والمجلس العسكري، وتحميلي أنا وحدي مسؤولية هذه الاختيارات ليس منصفا، كانت قرارات توافقية ولقد رفضت أسماء وقبلت أسماء أخرى بالإجماع، وفي النهاية لن تستطيع أن ترضي كل الناس، وكل شخص له مميزاته وعيوبه، وكل شيء نسبي في الحياة.

* لكن قيل إنك أطحت ببعضهم لمواقف شخصية بينك وبينهم، ومنهم على سبيل المثال عبد الله كمال رئيس تحرير «روزاليوسف»، الذي أثار جدلا بمقاله حول استيلائك ونجلتك «مايسة» على أراضي الدولة؟

- عبد الله كمال، فعلا كنت ضد بقائه لأنه لم يترك شريفا في هذا البلد ولم يهاجمه، وكأنه كان مسخرا من قبل آخرين لكي يلقي بالقاذورات على كل شرفاء مصر، وبعض الهجوم كان رخيصا للغاية، وأذكر يوما أنه اتصل بالدكتور عصام شرف وقت أن كنت نائبا، وقال له: من رئيس الحكومة، أنت أم يحيى الجمل؟.. وهذا أسلوب رخيص للوقيعة بيننا، كما أني لم أكن أحبه أو أحترمه، فكان طبيعيا أن يمشي، وهذه لم تكن قناعاتي وحدي بل قناعات الكثيرين في الوسط الصحافي، وقد اتخذت هذا القرار بعد مشاورات كثيرة.

* وهل رفض الشاعر فاروق جويدة تولي رئاسة تحرير «الأهرام»؟

- فاروق شاعر وفنان، وقد عرضت عليه بالفعل هذا المنصب، بل وأعترف أني عرضت عليه ما هو أكبر من «الأهرام» وهو منصب وزير الثقافة، ولكنه رفض كل هذه المناصب، ولقد قدرت هذا الرفض لاحقا لمعرفتي الشخصية بتكوينه الإنساني.

* حاول بعض المتهمين بقضايا فساد من كبار رجال الحكم في عهد الرئيس السابق مبارك توكيلك للدفاع عنهم خلال محاكمتهم، من هم؟ وما هي قصة هذه الطلبات؟

- زارتني زوجة أحمد عز الأولى ومعها أحد أقاربه، وطلبت مني الدفاع عنه بمقابل مادي خيالي، ووضعوا لي على المكتب شيكا كدفعة أولى بمبلغ مليون دولار، وقالوا لي كل الذي تطلبه مجاب، ورغم أن زوجته الأولى تنتمي إلى أسرة كريمة تربطني بها علاقة عائلية مما سبب لي حرجا عاطفيا، لكن ردي لم يستغرق أكثر من دقيقة واحدة وهو الرفض والاعتذار لهم. أما زهير جرانة، فهو للأسف أيضا لديه عندي رصيد إنساني كبير، حيث كان والده أستاذي في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، وكان أستاذا فاضلا أعتز به كثيرا، ولكني أيضا فضلت الاعتذار، في حين جاء لي محام كوسيط لعرض طلب اللواء حسن عبد الرحمن الدفاع عنه وقلت له قطعا لا، ولم أفكر لثانية واحدة.

* شغلت منصب المستشار الثقافي المصري في باريس في مطلع سبعينات القرن الماضي، وأثير لغط كبير حول وزير الثقافة المصري الأسبق فاروق حسني وعلاقتك به في هذه الفترة، وقيل إنك تعرضت لضغوط لحذف جزء من مذكراتك تناولت فيه دوره الأمني في متابعة معارضي الرئيس السادات في ذاك الوقت، ما صحة هذا الحديث؟

- لم أحذف ولا حرفا من مذكراتي، ولكن الواقعة أكشف عنها لأول مرة للرأي العام، وإن كنت نشرت بعضا منها في مذكراتي، وتتلخص الواقعة في أنه أثناء عملي كملحق ثقافي لمصر في باريس، وكان فاروق حسني أحد العاملين في الملحقية الثقافية المصرية، طلب مني أن ألتقيه على انفراد، وقال لي في لقائنا وقتها: «الحقيقة أنا مهمة عملي ليست فقط بأن أكون موظفا في الملحقية الثقافية المصرية ولكني مكلف أيضا بأن أكتب تقارير في الطلاب المصريين الدارسين في فرنسا»، فقلت له: «يا فاروق نحن (مش في القاهرة - إحنا في باريس) والبلد وضعه قلق والشباب متوتر (قبل حرب 73) فأرجوك يا فاروق لا داعي لحكاية التقارير دي وأنا أعرف أن الذي يعمل لصالح المخابرات ولا ينال أي مصالح شخصية منها هو رجل وطني، وهذا أمر لا يعيب أي شخص، لكني أرجوك لا تكتب التقارير، وإذا كتبتها (من ورائي) سأعرف وحينئذ سأضطر إلى إنهاء بعثتك في باريس».

* وماذا حدث بعد أن نشرت هذه القصة في مذكراتك؟

- وبعد أن قمت بنشر هذا الكلام في مذكراتي الشخصية وكانت تطبع من خلال «دار الهلال» وهي دار نشر حكومية، حدث أن أبلغ أحد العاملين في المطبعة فاروق حسني بهذه الواقعة وكان وقتها وزيرا للثقافة وكان قريبا من السيدة الأولى سوزان مبارك وزوجها مبارك، فاتصل مبارك بنقيب الصحافيين مكرم محمد أحمد وطلب منه التوسط بيني وبين فاروق حسني لاحتواء هذه الأزمة، وبالفعل حدث ذلك ولكني لم أحذف كلمة واحدة مما قلت، وظهر فاروق حسني بعد ذلك في حوار مع مجلة «المصور» نفى فيه ما قلته، وقال إنه قال لي: أنا كنت أراقب عمل الموساد في باريس حتى لا يتمكن من تجنيد بعض الطلبة المصريين الدارسين في باريس، ولكني رددت عليه قائلا إني صراحة لا أتذكر جملة الموساد هذه، وأنا لا أعيبك ما دام العمل مع الأمن القومي الهدف منه خدمة البلد وليس استغلاله في أمور شخصية.

* ما تقييمك لأداء الكنيسة والبابا شنودة منذ بداية الثورة وحتى اليوم ووسط محاولات مستمرة لإثارة الفتنة الطائفية والوقيعة بين المسلمين والأقباط؟

- البابا شنودة في تقديري الشخصي هو أحد صمامات الأمن في مصر، وربنا يحفظه، لأنه إذا غاب وكلنا بشر ستحدث قلاقل كبيرة في الكنيسة المصرية وسيحدث أيضا في داخل مصر «هزات»، لأن البابا شنودة هو «رمانة الميزان»، وله مقولة خالدة «مصر ليست وطنا نعيش فيه، بل هو وطن يعيش فينا»، وعلاقتي به علاقة وثيقة وقديمة وهو رجل حكيم جدا.

* ولماذا قبّلت يد البابا عندما زارك في المستشفى وهو ما استخدمه بعض المتشددين ذريعة ضدك؟

- غير صحيح والصور موجودة، ولو حدث ذلك لا حرج لدي، وأنا لا أستحيي في أن أقبّل يد البابا شنودة أو الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر، فكلاهما شخصية كبيرة بالنسبة لي، لكن الحقيقة أنه لم يحدث وإلا كنت اعترفت بذلك، وكل الموضوع أنه أتى لزيارتي في المستشفى واقترب مني ووضع يده على صدري وكان وجهه قريبا مني فتخيل البعض أني أقبل يده التي كانت قريبة من فمي بحكم الوضعية التي اتخذها، وما حدث كان تصيدا للموقف.

* ما أفضل تجربة سياسية يمكن القول إنك استمتعت بها؟

- تجربة تكوين حزب الجبهة الديمقراطية السياسي، وقد كان يضم أسماء كبيرة كل في تخصصه، على رأسهم الدكتور أسامة الغزالي حرب والكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة والأستاذة سكينة فؤاد والدكتور محمد غنيم وغيرهم من اللامعين في المجتمع المصري، وبعدها تركت الحزب لأني عند بداية التأسيس قلت للجميع سأجلس رئيسا للحزب لمدة سنة فقط، لتطبيق مبدأ تداول السلطة داخل الحزب.

* دمعة كبيرة كانت هي فرحة حصولك على الدكتوراه بعد رحلة طويلة مرت بالسعودية قبل أن تصل إلى باريس لتنتهي في جامعة القاهرة، حيث توجت مشوارك الأكاديمي أستاذا للقانون، وكان العمل الأكاديمي هو خيارك الاستراتيجي دائما، فهل تعتبر دخولك السياسة هو غلطة كبيرة؟

- هذا السؤال يلح على خاطري كثيرا هذه الأيام، ولي كتاب اسمه «الأنظمة السياسية المعاصرة» وهو أول كتاب قمت بتأليفه في حياتي، وقلت في هذا الكتاب إني أرى أن إسهامي في حياة أمتي يجب أن يكون بالكلمة والرأي «ويا ريتني نفذت هذا الكلام».

* ما أصعب الأزمات التي واجهتها خلال رحلة 80 عاما؟

- هناك ثلاث أزمات لا أنساها في حياتي؛ الأولى تتعلق بتعييني أول مرة كمعيد في كلية الحقوق، وقد واجهت حربا شرسة من دون سبب للحؤول دون هذا التعيين مع أنه كان من أهم مطامح حياتي، والثانية كانت لها علاقة بترقيتي في الكلية وأنا في مهمة إعارة للتدريس في جامعة الكويت وقد لاقى الأمر أيضا حربا شعواء ضدي، أما الثالثة فقد كانت حينما رفض المشير طنطاوي استقالتي الثالثة وقد أصررت عليها وهذا تسبب في غضب المشير، ولكن لم يكن باليد حيلة، نظرا لظروفي الصحية، وأنا جد آسف إزاء «زعل المشير والمجلس العسكري»، لأني أكن لهم كل احترام وتقدير، وأعتبرهم صمام الأمان الحقيقي في مصر الآن.