مهمة لا يمكن تخيلها: قائدة طائرة «إف ـ 16» تتذكر واجباتها هذا اليوم

كان علي أن أكون طيارة انتحارية وطلب مني إسقاط الطائرة الرابعة المختطفة

الملازم هيذر بيني تروي قصتها في يوم الهجمات
TT

في وقت متأخر صباح يوم الثلاثاء الذي غير كل شيء، كانت الملازم هيذر بيني التي تعرف أيضا باسم «لوكي» في مدرج الطيران في قاعدة «أندروز إير فورث» بميرلاند مستعدة للإقلاع. وضعت يديها على صمام الخانق الخاص بالطائرة «إف - 16» وكانت لديها أوامر تتمثل في إسقاط طائرة «يونايتد إيرلاينز فليت 93». وكان يبدو أن طائرة الركاب التي تعد الطائرة الرابعة والتي تتعرض لمحاولة اختطاف هذا اليوم تندفع نحو واشنطن. وطلب من بيني، التي كانت واحدة من بين أول طيارين مقاتلين هذا الصباح، إيقاف هذه الطائرة.

الشيء الوحيد الذي لم تكن تمتلكه أثناء انطلاقها نحو السماء البلورية هو الذخيرة الحية أو الصواريخ أو أي شيء يمكنها أن تطلقه على الطائرة المعادية، سوى طائرتها، هكذا كانت الخطة.

ونظرا لأن الهجمات المفاجئة كانت تتضح بسرعة تفوق قدرتهم على تسليح الطائرات الحربية، انطلقت بيني بصحبة الضابط الآمر بطائراتهما النفاثة نحو طائرة من طراز «بوينغ 757».

وقالت بيني وهي تتذكر مهماتها هذا اليوم «لم نكن لنطلق عليها النيران، لكن علينا أن نصدمها، وكان علي أن أكون طيارة انتحارية».

وعلى مدار سنوات، كانت بيني واحدة من الجيل الأول من الطيارات المقاتلات في أميركا، ولم تجر حوارات عن تجربتها عند أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، (التي اشتملت، في نهاية المطاف، على عودة «إير فورث ون» إلى واشنطن فجأة ثم أصبح المجال الجوي أكثر صرامة).

لكن بعد مرور عشر سنوات، تقص بيني إحدى روايتها التي لم تذكرها كثيرا عن هذا الصباح الذي لم ينته: وكيف كان أول شيء يستعد الجيش الأميركي لإطلاقه على المهاجمين شن عملية انتحارية.

وقالت الأسبوع الماضي في مكتبها بلوكهيد مارتين، حيث تشغل منصب مدير برنامج «إف - 35»: «كان علينا حماية المجال الجوي بأي طريقة ممكنة».

ولم تعد بيني، التي أصبحت ميجور الآن لكنها لا تزال شقراء أنيقة وذات ابتسامة خلابة، طيارة مقاتلة. وقد قادت رحلتين في العراق كما خدمت كطيارة في الحرس الوطني ولكن بدوام نصفي وكانت تقوم في أغلب الأحيان بنقل الشخصيات المهمة في طائرة عسكرية من طراز «غلف ستريم». كما كانت تقود طائرتها الخاصة التي صنعت عام 1941 من طراز «تيلور كرافت» في أي مكان ممكن.

ولا يمكن مقارنة أي من آلاف الساعات التي قضتها في الهواء، بهذا الاندفاع للطيران في رحلة كان من المفترض أن تكون ذا اتجاه واحد، من الاصطدام في وسط الهواء.

كانت بيني مجندة جديدة في خريف عام 2001، وكانت أول طيارة في سرب الطائرات رقم 121 التابع للحرس الوطني الجوي. وقد ترعرعت مستنشقة وقود الطائرات النفاثة، حيث كان والدها يقود الطائرات النفاثة في فيتنام ولا يزال يتسابق معهم حتى الآن. وقد حصلت بيني على رخصة الطيران عندما كانت دراستها للأدب في جامعة بوردو. وكانت تخطط لأن تكون مدرسة. لكن أثناء مشروع تخرجها في الدراسات الأميركية، فتح الكونغرس مجال الطيران القتالي أمام النساء وكانت بيني من أوائل المتقدمين.

تقول «لقد أعلنت انضمامي في الحال، وأردت أن أكون طيارة مقاتلة مثل والدي».

وفي يوم الثلاثاء هذا، كانوا قد انتهوا لتوهم من تدريب دام لمدة أسبوعين على القتال الجوي في نيفادا، وكانوا يجلسون حول منضدة صغيرة عندما جاء شخص ما ليقول إن طائرة اصطدمت بمركز التجارة العالمي في نيويورك، عندما حدث هذا مرة واحدة، افترضوا أنها مناوشات لطائرات من طراز «سيثنا»، لكن عندما حدث مرة أخرى، علموا أنها حرب.

لكن المفاجأة اكتملت، ففي الاضطراب الضخم الذي حدث في الساعات الأولى هذه، كان من المستحيل أن تحصل على أوامر واضحة، فلم يكن أحد مستعدا، وكانت الطائرات النفاثة لا تزال محتوية على رصاصات التدريب الزائفة.

وقال الكولونيل جورج ديغنون، نائب قائد الجناح 113 في قاعدة «أندروز» الجوية «لم يكن هناك خطر ملموس في هذا الوقت، وبخاصة خطر يعد أمنا قوميا مثل هذا، كان هناك شعور بالعجز، لكننا أعددنا كل شيء ممكن إنسانيا لجعل الطائرات مسلحة وموجودة في الجو، وكان من المدهش أن ترى الناس وهي تتفاعل».

ويقول ديغنون، الأشياء مختلفة اليوم، فهناك على الأقل طائرتان على أتم استعداد في جميع الأوقات، وطياراها دائما جاهزان في حجرة الطيار.

وعندما صدمت طائرة ثالثة مبنى وزارة الدفاع الأميركية، وفي الوقت نفسه جاءت أنباء أن طائرة رابعة في طريقها، وربما أكثر من ذلك، يتم تسليح الطائرات النفاثة خلال ساعة، لكن على أحد ما أن يقود الطائرة الآن سواء في وجود أسلحة أو من دون أسلحة.

وقال الكولونيل مارك ساسيفيل «لوكي، ستأتي معي».

لقد كانوا يستعدون في منطقة ما قبل الطيران عندما التقت عيناها بعين ساسيفيل، الذي كان يكافح من أجل ارتداء زي الطيران.

وقال ساسيفيل: «سأذهب إلى حجرة الطيار».

فأجابت دون تردد «سأتولى توجيه الذيل».

وكان هناك طائرة، وتحالف.

«لننطلق!».

ولم تكن بيني قد انطلقت بطائرة نفاثة من قبل، قبل الطيران بنصف ساعة أو نحو ذلك يجري فحص منهجي للطيارين، وبدأت بصورة آلية في الاستعداد للفحص.

وصاح ساسيفيل «لوكي، ماذا تفعلين. دعينا ننطلق!».

وتسلقت واندفعت لتشغيل المحركات، وصاحت بطاقم العمل الموجود بالأسفل لسحب الأوتاد، وكان رئيس الطاقم لا يزال يضع سماعات الأذن الخاصة به في جسم الطائرة عندما دفعت عصا القيادة للأمام، واندفع ليسحب دبابيس الأمان من الطائرة النفاثة بينما هي تتحرك.

وقال ساسيفيل، الذي توجه نحو مبنى وزارة الدفاع «لا نتدرب من أجل إسقاط الطائرات، إذا ما قمت فقط بصدم المحرك، ربما تنزلق ويمكنك اقتيادها لهدف ما، وكان تفكيري إما أن أصطدم بحجرة الطيار أو الجناح».

وفكر أيضا في مقعد الطرد الخاص به، هل سيكون هناك لحظة فقط قبل التأثر؟

قال «كنت آمل أن أقوم بالأمرين في نفس الوقت، ربما لم يكن ليحدث هذا، لكن هذا ما أملته».

وخشيت بيني أن تفقد هدفها إذا ما حاولت القفز بمظلة من الطائرة. وقالت «إذا ما خرجت وحلقت طائرتك النفاثة دون أن تحدث تأثيرا..» وكان التفكير في الإخفاق أكثر رعبا من التفكير في الموت.

لكن لم يكن عليها أن تموت، فلم يكن عليها أن تصطدم بطائرة ممتلئة بالأطفال والبائعين والصديقات، لقد فعلوا هذا بأنفسهم.

ومرت ساعات قبل أن تعلم بيني وساسيفيل أن طائرة «يونايتد 93» قد سقطت بالفعل في بنسلفانيا، عندما تمرد الرهائن الذين كانوا مستعدين أن يفعلوا ما كان طيارا الحرس الوطني على استعداد للقيام به: أي شيء، وكل شيء.

وهي الآن أم ترعى طفلتين بمفردها، ولا تزال تحب الطيران، ولا تزال أيضا تفكر في هذه الحادثة غير العادية التي حدثت منذ عقد مضى.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»