ليبيا: صراع مبكر على السلطة يربك الثوار

مصادر الثوار لـ «الشرق الأوسط»: اعتقال رئيس جهاز مخابرات القذافي قد يسهم في تحديد مكانه

مسلحون ليبيون في سياراتهم يستعدون للذهاب إلى سرت للمشاركة في اقتحامها (إ.ب.أ)
TT

بدا أمس، أن صراعا مكتوما يدور بين المجلس الوطني الانتقالي المناهض لنظام حكم العقيد الليبي، معمر القذافي، وجماعات إسلامية، حول طريقة تسيير شؤون البلاد وإدارتها في المرحلة المقبلة، بينما لا يزال القذافي هاربا، في وقت انضمت فيه غينيا بيساو إلى بوركينا فاسو في عرض ملاذ آمن على أراضيها للقذافي الذي ما زال هاربا ومطاردا.

وكشفت مصادر رفيعة المستوى في المجلس الوطني الانتقالي لـ«الشرق الأوسط»، النقاب أمس، عن أن رئيس المجلس، المستشار مصطفى عبد الجليل، ما زال غاضبا من ممارسات بعض التيارات السياسية ذات الصبغة الإسلامية، مشيرة إلى أن الدكتور محمود جبريل، رئيس المكتب التنفيذي التابع للمجلس يشارك عبد الجليل الغضب نفسه.

والتقى عبد الجليل في ثاني أيام أول زيارة له إلى طرابلس، منذ هروب القذافي منها واجتياح الثوار لمعقله الحصين في ثكنة باب العزيزية، في الحادي والعشرين من الشهر الماضي، مع كبار المشايخ ورؤساء القبائل والعشائر، بالإضافة إلى عبد الحكيم بلحاج، العضو القيادي البارز بالجماعة الإسلامية المقاتلة، التي لعبت دورا بارزا في تحرير العاصمة من قبضة العقيد الليبي المخلوع.

ويسعى رئيس وأعضاء المجلس الانتقالي إلى إقناع الإسلاميين المسلحين بالتخلي عن السلاح الذي حملوه على مدى نحو سبعة شهور للإطاحة بالقذافي، والإسهام في فرض الأمن والاستقرار في كل أنحاء الدولة الليبية، وخاصة طرابلس الغرب.

وتقول مصادر في المجلس الانتقالي لـ«الشرق الأوسط»، إن جماعات إسلامية كثيرة طالبت المجلس الانتقالي بحصة في الحكومة الجديدة، التي يعكف رئيس المكتب التنفيذي، الدكتور جبريل، على تشكيلها، لإدارة المرحلة الانتقالية على مدى الشهور الـ18 المقبلة.

وفي محاولة للفت الأنظار إلى أن الجدل السياسي في الوقت الراهن، قد يشكل خطرا على الثورة الشعبية التي أطاحت بالقذافي، اعتبر المستشار مصطفى عبد الجليل، أن القذافي الطليق ما زال يمثل بأمواله والذهب الذي بحوزته، خطرا على الوضع الراهن في البلاد. وكان لافتا أن ينتقد جبريل للمرة الأولى، بصورة علنية، ما وصفه بتصاعد نغمة الانتقادات الموجهة ضد المجلس الانتقالي، بعدما تحدث خلال زيارته لمدينتي الزنتان والرجبان، عما سماه بالطابور الخامس الذي يسعى لضرب ثورة 17 فبراير، على حد قوله.

وقال مسؤولون في المجلس الانتقالي لـ«الشرق الأوسط»، عبر الهاتف، من العاصمة الليبية طرابلس، إن نفوذ الإسلاميين المتصاعد في طرابلس، قد يؤدي إلى صدام سياسي وعسكري بين هذه الجماعات والمجلس الانتقالي في أي وقت.

وقال مسؤول في المجلس عبر الهاتف من طرابلس: «الجميع يتصور أن السلطة كعكة يمكن اقتسامها، نريد أن تمضى الأمور بشكل جيد، وتمكين البلاد من عبور المرحلة الانتقالية للوصول إلى انتخابات برلمانية ورئاسية نزيهة تتسع للجميع».

وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم تعريفه: «البعض يتلهف على أن يجد لنفسه ولتياره السياسي مكانا في الصورة، هذا أمر طبيعي، لكن استمراره قد يطيح بالثورة، ويهدد محاولات المجلس الانتقالي لقيادة ليبيا بشكل سلسل وهادئ، وإعدادها لمرحلة ما بعد القذافي».

ويقول رئيسا المجلس الانتقالي والمكتب التنفيذي، إنه من المبكر اتجاه تفكير بعض الجماعات السياسية لدخول المعترك السياسي وتشكيل أحزاب، على اعتبار أن المهمة الرئيسية، وهي تحرير كامل الأراضي الليبية من قبضة القذافي واعتقاله، لم تتم بعد.

وأجل المجلس الانتقالي خططه لإعلان تشكيلة الحكومة الجديدة التي سيترأسها الدكتور جبريل، إلى حين اعتقال القذافي الذي ما زال مكان اختبائه مجهولا، ويتحول إلى لغز مع مرور الوقت، على الرغم من تكثيف حملة المطاردات الواسعة النطاق، التي يقوم بها مقاتلو الثوار بدعم من حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وأجرى مسؤولون من المجلس الانتقالي، محادثات على مدى اليومين الماضيين، مع حكومة النيجر التي استقبلت مؤخرا عشرات من كبار مساعدي القذافي الأمنيين والعسكريين، في حين علمت «الشرق الأوسط» أن المجلس طلب رسميا من النيجر، استعادة الأموال التي يعتقد أن مساعدي القذافي حملوها معهم في قوافل برية لدى اجتيازهم المنطقة الحدودية بين البلدين.

وقال مسؤول على صلة بهذه المفاوضات: «أطلعناهم على مخاوفنا من استقبال القذافي، ومنحه ملاذا آمنا، وطالبنهم بالتعاون معنا، وتسليمه إذا ما وصل بالفعل إلى هناك، لتقديمه للمحاكمة الجنائية الدولية، كما قلنا لهم إن أموال الشعب الليبي المنهوبة يجب أن تعود إليه على وجه السرعة». وبينما لا يزال مكان القذافي مجهولا، فقد اعتقل الثوار، أمس، أحد مساعديه البارزين والمقربين منه، مما قد يسهم في الإدلاء بمعلومات إضافية عن مكان اختبائه، فقد ألقت قوات من الثوار القبض على أبو زيد عمر دوردة، رئيس جهاز المخابرات الليبية، قبل أن يتم لاحقا تسليمه إلى المجلس الوطني الانتقالي.

في غضون ذلك، أعلن كارلوس جوميز جونيور، رئيس وزراء غينيا بيساو، أن بلاده سترحب بالقذافي إذا سعى للجوء إليها.

وأبلغ كارلوس راديو بومبولوم المستقل، في وقت متأخر من مساء أول من أمس، «مع كل الاستثمارات التي ضخها (القذافي) على غينيا بيساو، فهو يستحق الاحترام والمعاملة الجيدة من جانب سلطات وشعب غينيا بيساو».

ولكن لم يتضح إلى أي مدى تمثل تصريحات جوميز توافقا في سياسة الحكومة، علما بأن رئيس غينيا بيساو، مالام باكاي سانها، الذي يعاني من اعتلال صحته منذ توليه السلطة عام 2009، موجود في السنغال للتعافي بعد أن أمضى فترة في المستشفى.

إلى ذلك, خاض الثوار معارك عنيفة لليوم الثاني على التوالي، من أجل السيطرة على آخر معاقل القذافي في مدينتي سرت وبني وليد، بعد انضمام مقاتلين ليبيين ذوي خبرة إلى القتال.

وأطلقت قوات القذافي الصواريخ والقذائف لإعاقة مقاتلي المجلس الوطني الانتقالي من التقدم نحو الضواحي الشرقية لبني وليد، التي تقع على بعد 150 كيلومترا جنوب شرقي طرابلس.

ولحق العشرات من جنود المجلس الوطني الانتقالي الذين يرتدون الزي الرسمي، والمقاتلين المخضرمين، بزملائهم الذين يواجهون مقاومة ضارية من قوات القذافي منذ يومين، قائلين إنهم سيشنون هجوما في غضون ساعات.