السفير الأميركي في كابل لـ«الشرق الأوسط»: لن نتخلى عن أفغانستان حتى بعد نقل المسؤولية الأمنية عام 2014

رايان كروكر: يوم 11 سبتمبر شاهدت من مطار لاغارديا دخان البرج الأول وتابعت سقوط «الثاني» لحظة بلحظة

رايان كروكر
TT

قال رايان كروكر، السفير الأميركي لدى أفغانستان، في الذكرى السنوية لهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، إن الوجود الأميركي قد منع «القاعدة» من إعادة ترسيخ نفسها في أفغانستان. ودافع كروكر عن استمرار مهمة القوات الدولية في أفغانستان حتى الآن. وأضاف أن الأصوات تعالت أيضا في الولايات المتحدة حول السبب في استمرار مهمة القوات الدولية في أفغانستان حتى الآن. وأوضح كروكر أن سبب استمرار هذه المهمة «هو ببساطة أن تنظيم القاعدة لم يعد نشطا في أفغانستان وهذا لأننا هنا».

وتجيء تصريحاته بينما تظهر استطلاعات الرأي خيبة أمل عميقة للولايات المتحدة، خاصة مع الحملة الطويلة والمكلفة، وبدء انسحاب التعزيزات التي أمر باراك أوباما بإرسالها إلى أفغانستان قبل عامين.

وعلى الرغم من أن قوات حميد كرزاي الأفغانية ستتولى المسؤولية الأمنية على الصعيد الوطني بحلول نهاية عام 2014، ولكن ما زال من المتوقع أن يكونوا في حاجة إلى قدر كبير من الدعم والتدريب والمال لرفع كفاءتهم بعد ذلك.

وتتفاوض كابل وواشنطن حاليا حول عدد الجنود والمستشارين الذين سيبقون، ومقدار التمويل الذي ستوفره أميركا بعد الموعد النهائي في عام 2014.

وقال كروكر: «بعض الناس في الوطن يسألون لماذا لا نزال هنا. لقد كانت معركة طويلة، والناس قد تعبوا. والسبب بسيط. نحن موجودون هنا حتى لا تشن هجمات مثيلة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر من الأراضي الأفغانية مرة أخرى».

وقد أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن معظم الأميركيين يعارضون الآن الحرب في أفغانستان، ويريدون عودة القوات إلى الوطن بسرعة.

وأميركا لديها حاليا نحو 95000 جندي في أفغانستان، وقد فقدت 1762 قتيلا في السنوات العشر الماضية، وفقا لموقع «أيكاجولتيز» الإلكتروني.

وقال كروكر لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف، إنه كان ذاهبا جوا إلى نيويورك في صباح يوم 11 سبتمبر 2001، وقت حدوث الهجمات. وقد شاهد بنفسه انهيار برجي مركز التجارة العالمي. وقد أعاد فتح السفارة الأميركية في كابل في عام 2002، ثم ذهب ليكون سفيرا في العراق. والآن بعد تقاعده يعود ليكون رجل واشنطن في كابل مرة أخرى.. وجاء معه الحوار على النحو التالي:

* هل تذكر أين كنت يوم الحادي عشر من سبتمبر، وماذا تذكر من هذا اليوم؟

- إنني أتذكر هذا اليوم وكأنه حدث بالأمس. فقد كنت على متن طائرة في الساعة التاسعة صباحا من مطار ريغان في واشنطن العاصمة، ذاهبا إلى مطار لاغارديا في نيويورك. وبينما كنا نستعد للهبوط في مطار لاغارديا ضرب البرج الأول. وكان بإمكاننا رؤية الدخان يتصاعد من البرج، ووصلتنا الأنباء بمجرد هبوطنا أن البرج الثاني قد ضرب. وعلقت في حركة المرور على جسر كوينزبورو المؤدي إلى مانهاتن، وشاهدت من على الجسر انهيار البرجين. لقد كنت حاضرا لحظة بلحظة في مكان وقوع الحادث.

* ولكن في رأيك، هل ترى أن تنظيم القاعدة قد مات بموت بن لادن؟

- من الواضح أن وفاة بن لادن قد أضعفت تنظيم القاعدة، إلا أنها لا تزال إلى حد كبير منظمة عاملة. وحتى بعد أن تمكنا من قتل الرجل الثاني الجديد في تنظيم القاعدة عطية عبد الرحمن، فإننا قد رأينا تقارير بالأمس واليوم توضح أن هناك تهديدات حقيقية لهجمات على الولايات المتحدة، وضعها الزعيم الجديد أيمن الظواهري. ومن ثم فأي شخص يعتقد أن ذهاب بن لادن يعني ذهاب «القاعدة»، يرتكب خطأ خطيرا جدا جدا، كما تشير التهديدات التي نحن بصددها الآن.

* هل تعتقد أن العالم أصبح أكثر أمانا منذ وفاة بن لادن؟

- أنا أعتقد أنه قد أصبح أكثر أمنا، ولكن تعبير الأمن هو تعبير نسبي. فما دامت «القاعدة» موجودة هناك، سواء في مقارها في المنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان، أو تلك الموجودة في شمال أفريقيا، أو في شبه الجزيرة العربية، أو العراق، فإنها ستشكل تهديدا لبقيتنا.

* كيف تنظر إلى العلاقة بين الولايات المتحدة وباكستان في أعقاب وفاة بن لادن؟

- من الواضح أننا نمر بفترة صعبة، فهي علاقة معقدة للغاية. وهي كذلك الآن، وكانت كذلك من قبل عندما كنت سفيرا هناك من 2004 حتى 2007، ولكنها أيضا علاقة هامة. وقد تفاءلت كثيرا جدا من التقارير التي صدرت قبل عدة أيام، عن التعاون الفعال بين الولايات المتحدة وباكستان في القبض على ثلاثة من أعضاء تنظيم القاعدة، بما في ذلك شخصية بارزة نسبيا، هو يونس الموريتاني. وأعتقد أننا على حد سواء، سواء في إسلام آباد أو واشنطن، نقدر أننا مهمون لبعضنا البعض، ونحاول أن نجد سبلا للتغلب على خلافاتنا والمضي قدما.

* كيف تشعر وأنت على رأس أكبر بعثة دبلوماسية في العالم؟

- في بعض الأحيان تكون هذه النظرة مخيفة إلى حد كبير. فعندما أستيقظ في الصباح وأفكر في كل الناس الذين أعتبر مسؤولا عنهم والذين على الرغم من ذلك، يعتبر كل واحدا منهم هنا متطوعا. فلم يكن هناك ما يجبرهم على القدوم هنا. كان يمكنهم أن يذهبوا إلى أماكن أخرى أسهل بكثير، مثل لندن، ولكنهم اختاروا المجيء إلى هنا، لأنهم يعتقدون أنهم يمكنهم أن يحدثوا فرقا. وكانوا على استعداد للتعامل مع الخطر والمشقة. لذلك أنظر إلى زملائي بإعجاب واحترام كبيرين.

* كيف يختلف كونك السفير الأميركي في كابل عن خدمتك في العراق وباكستان؟

- هذه هي المرة السادسة التي أكون فيها سفيرا. فكل بلد في المنطقة مختلف جدا عن الآخر، فسوريا ليست مصر، ومصر ليست لبنان، وأفغانستان ليست العراق أو باكستان. وأعتقد أنه من المهم للغاية بالنسبة للسفير فهم كل بلد وفقا لأوضاعها الخاصة، وفهم كيف تبدو المنطقة، وكيف يبدو العالم، وكيف تبدو أميركا من منظور هذا البلد، وعدم فرض الخبرة السابقة على الظروف الحالية. فأفغانستان دولة فريدة من نوعها، تماما مثل كل دولة أخرى خدمت فيها. ولكن هناك طبعا بعض النقاط المشتركة، إلا أنني أبذل قصارى جهدي لمعرفة وفهم الأوضاع الفريدة لأفغانستان.

* الكثير من المراقبين يخشون من انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان في عام 2014. هل تعتقد أن هناك فرصة لتكرار نفس سيناريو 1990؟

- أريد أن أكون واضحا جدا حول هذه النقطة لأنها مسألة هامة. فكما قالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، قبل أسابيع قليلة ماضية، إن الولايات المتحدة لديها التزامات تجاه أفغانستان والمنطقة، ونحن سنكون موجودين هنا. وحقيقة أننا سننقل المسؤولية الأمنية الكاملة للأفغان بحلول نهاية عام 2014، لا تعني أننا سننخرط أو سننسحب. على العكس من ذلك، نحن نتفاوض على وثيقة الشراكة الاستراتيجية التي ستحدد علاقتنا الاستراتيجية بعد عام 2014 بكثير. الشيء الوحيد الذي سنقوم به، نحن الأميركيون، هو الاعتراف بأخطائنا. لقد ارتكبنا خطأ خطيرا للغاية في عام 1990 عندما انسحبنا من كل من أفغانستان وباكستان، ولكننا نتعلم أيضا من أخطائنا، ولن نرتكب هذا الخطأ مرة أخرى. فسنكون شريكا يعتمد عليه في أفغانستان والمنطقة على مدى المستقبل البعيد.

* أنت السفير الأميركي السادس إلى أفغانستان. هل تعتقد أنك يمكن أن يكون لك تأثير أكبر على حركة طالبان ممن سبقوك؟

- زملائي الذين سبقوني كانوا دبلوماسيين وسفراء استثنائيين، وقد أنجزوا الكثير في ظل ظروف صعبة للغاية. ويحدوني الأمل في أنه مع التقدم الذي نحرزه، من خلال زيادة عدد القوات الدولية، والنمو في عدد وقدرات قوات الأمن الوطنية الأفغانية، أننا سنرى خلال السنوات القليلة المقبلة زيادة في القدرة الأمنية من شأنها أن تسمح للأفغان بتحديد مستقبلهم بطريقة حرموا منها في السنوات الثلاثين الماضية. ولكن إذا لم تسر الأمور في هذا الاتجاه، وإن كان لدي تفاؤل حذر أنها سوف تفعل، فإنني لن أكون مسؤولا عن ذلك، وسأعتبر نفسي محظوظا لا أكثر.

* منذ عام 2001 حتى الآن، ما هو حجم الأموال التي تعتقد أن الأميركيين والمجتمع الدولي قد أنفقوها في أفغانستان؟

- ليس مخولا لي سوى الحديث عن الولايات المتحدة فقط. وأستطيع أن أقول لكم إننا أنفقنا على المساعدات الأجنبية في أفغانستان أكثر مما أنفقنا على أي بلد آخر. فقد أنفقنا على مدى السنوات العشر الماضية، أكثر من 20 مليار دولار من المساعدات المدنية، وهذا لا يتضمن الإنفاق العسكري. وقد تم إنفاق 12 مليار دولار من هذا المبلغ منذ عام 2006، وأحدث فرقا. وقد ركزنا على الصحة والتعليم، حيث أدت مساهمتنا في قطاع الرعاية الصحية الخاص بهم، إلى تدريب أكثر من عشرين ألف عامل، مما أدى إلى انخفاض بنسبة 22% في معدل وفيات الرضع، وهى نسبة غير عادية. وقد شهدنا زيادة في متوسط الأعمار في أفغانستان بمقدار ستة عشر عاما، منذ سقوط نظام طالبان، حيث كان لبرامجنا الصحية فضل كبير في ذلك. وبالنسبة للتعليم، هناك ما يقرب من سبعة ملايين طفل الآن في المدارس الابتدائية والثانوية. وقد كان لنا فضل كبير في هذا، من خلال بناء المدارس وتدريب المعلمين. فعندما وصلت إلى هنا في بداية عام 2002 لإعادة فتح السفارة، لم يكن هناك سوى 9000 طالب في المدارس، لذلك فالزيادة التي شهادناها تزيد على سبعة أضعاف. كما لم يكن أي من هؤلاء الطلاب من الفتيات، ولكن اليوم 37% منهم من الفتيات. ولقد قمنا بتوفير الطاقة الكهربائية لمدة 24 ساعة في اليوم لمدينة كابل، وكذلك إلى أجزاء أخرى من أفغانستان. وكل هذا ما هو إلا جزء من كوننا شريكا ملتزما، وسوف تستمر مساعداتنا في المستقبل.

* هناك الكثير من الحديث عن الفساد في أفغانستان. ما هي وجهة نظركم حول هذه المشكلة؟ وكيف يمكننا حل مشكلة الفساد في أفغانستان؟

- هي بالفعل مشكلة، تماما كما كانت مشكلة في العراق. وأعتقد أنها ربما ستكون، ولا أعني بذلك مجرد تغيير في القيادة، ولكن الحاجة الماسة لتطوير مؤسسات جديدة، فإن فرص الفساد سوف تكون متاحة على نحو أسرع من التطور فيما يتعلق بسيادة القانون ومكافحة الفساد. وهذا من شأنه أن يحدث في أي بلد، وليس في العراق فحسب، أو في أفغانستان فحسب. ونحن في أميركا بحاجة إلى أن نتذكر أن كان لدينا بعض المشكلات الفظيعة مع الفساد في أيامنا الأولى، في بعض مدننا الكبرى، والتي احتاجت لبعض الوقت حتى تمكنا من السيطرة عليها.

والخبر السار في كل من العراق وأفغانستان أن القيادة تدرك أن الفساد هو المشكلة. فالقيادة تقر بذلك، وقد بدأ كلا البلدين في اتخاذ الخطوات اللازمة للسيطرة على الفساد، بما في ذلك محاكمة مسؤولين فاسدين بعينهم. وعلى الرغم من أنه لا يزال أمام أفغانستان طريق طويل لتقطعه لكي تتمكن من التعامل بشكل فعال مع هذه المشكلات، فإن ما يشجعني هو نزاهة المسؤولين الأفغان في الاعتراف بمشكلة الفساد، واتخاذهم بعض الخطوات المتفق عليها للبدء في تحسين الوضع.

* هل ساعدتك خبرتك في العالم الإسلامي وإجادتك للغة العربية في بعثاتك الدبلوماسية في العراق وأفغانستان؟ وهل معرفة اللغات الأخرى مفيدة للدبلوماسي؟

- أعتقد أن اللغة تعد شيئا أساسيا للدبلوماسيين في الخارج، أيا كان البلد الذي يذهبون إليه. ومن المؤكد أن اللغة قد أعطتني ميزة في العراق، حيث كنت أتعامل مباشرة باللغة العربية مع المسؤولين العراقيين، بمن فيهم رئيس الوزراء.

* في الدوائر الدبلوماسية في العالم العربي، تتم مقارنتك بلورانس العرب. فهل أنت راض عن هذا اللقب؟

- أنا أعلم أنني أوصف بهذا الاسم، وآمل أنه فقط يستخدم في الأوساط الدبلوماسية، وليس بين أصدقائي الكثيرون من العرب. إن لورانس العرب هو بالطبع أسطورة، لكنه يمثل أيضا شخصا إمبرياليا. وكان من المهم جدا بالنسبة وأنا أمثل أميركا، ألا يراني أحد وكأنني أسير على نفس النهج. ونحن نتعامل مع دول ذات سيادة وشعوب ذات سيادة، ولذا فنحن بحاجة إلى إظهار احترام لتلك السيادة، وأن نتصرف بطريقة غير إمبريالية. وإذا كنت أحظى بأي احترام في العالم العربي، فآمل أن تكون هذه هي الطريقة التي ينظر بها إلي.