شاب مسلم رأى تفجيرات نيويورك: أجبرتنا كمسلمين على النظر داخليا والتوعية خارجيا

ترك عالم الأعمال ليتخصص في بناء الجسور بين الثقافات المختلفة

دانيش
TT

لم يكن يعلم دانيش مسعود صباح يوم 11 سبتمبر (أيلول) 2001، كباقي سكان نيويورك، كيف سينتهي نهار ذلك اليوم التاريخي. كان مسعود حينها يعمل بين جامعة نيويورك حيث كان يكمل أيضا دراسته الجامعية في القانون، وشركة خاصة للاستشارات المالية. وكان مسعود يتوجه لأحد مباني جامعة نيويورك جنوب مانهاتن صباح 11 سبتمبر عندما سمع صوت الطائرة الأولى وهي تصطدم بمبنى مركز التجارة العالمي، ولكنه لم يكن يعي في لحظتها تبعات تلك الهجمات. وشرح دانيش لـ«الشرق الأوسط» كيف كان يحاول فهم ما يجري أمامه، وقد رأى التفجير الثاني بنفسه، وكان يتعامل مع الصدمة التي أصابته. وقال: «رأيت الخوف والهلع في كل مكان من حولي، وعرفت أن كل شيء قد تغير بالنسبة لنا». وسرعان ما سمع دانيش بأخبار عن إمكانية تورط مجموعة تدعي أنها مرتبطة بالإسلام، مما دفعه وعدد من رفاقه إلى البحث عن الطلاب المسلمين في الجامعة، وخاصة المحجبات منهم، ومساعدتهم على الخروج من المنطقة. وقال: «قررنا التجمع بمجموعات ثلاثة أو أربعة معا، وأن نمزج بين مسلمين وغير مسلمين من أجل حماية هوياتهم، خشية من أعمال انتقامية ضد المسلمين». وأضاف: «توقعنا أن يأتوا ويعتقلونا»، شارحا: «في اللحظة نفسها، انتابني شعورا بأهمية حماية نفسي ومن حولي، كان شعور بالصدمة والاهتمام باللحظات التي كنا نمر بها، الحزن جاء بعد فترة».

ومرت أسابيع عدة صعبة على مسعود، الذي ولد في السعودية لأبوين هنديين، وانتقل إلى نيويورك قبل 4 سنوات من وقوع الهجمات. فشعر مسعود أولا بـ«الحزن والأسى لما حدث»، وثانيا بالتوتر الذي أحاط بالمسلمين في الفترة التي تبعت تبني تنظيم القاعدة مسؤولية القيام بالهجمات الانتحارية.

ومباشرة بعد الهجمات، أصبح مسعود من بين أبرز الناشطين الاجتماعيين في الدوائر الإسلامية، وبدأ يعمل في مناطق، مثل «برونكس» في نيويورك لتقديم المساعدة للمسلمين والعرب، خاصة بعد أن تم استدعاء عدد كبير من الرجال للاستجواب. وانضم مسعود إلى «اللجنة العربية لمكافحة العنصرية» في نيويورك، وكان يجري ورش عمل للشرح للمسلمين والعرب حقوقهم المدنية، وتقديم النصائح لهم. وفي الوقت نفسه، قرر مسعود تغيير مسار تعليمه من دراسة المال والأعمال للانتقال إلى الفلسفة، وشرح: «شعرت بأن هناك حاجة للعمل على هذه القضايا». وفي عام 2005، انضم مسعود إلى «المجتمع الأميركي لتقدم المسلمين» الذي أسسه الأمام فيصل عبد الرؤوف، وزوجته ديزي خان، اللذان باتا من أشهر الأميركيين المسلمين العاملين على تحسين أوضاع المسلمين في الولايات المتحدة وتوعية الأميركيين عن الدين الإسلامي. من النظر إلى الوضع الداخلي الأميركي، انتقل دانيش للعمل في «تحالف الحضارات» التابع للأمم المتحدة، حيث ما زال يعمل على كسر فكرة «صراع الحضارات» الزائف وتقوية جسور الاتصال بين الثقافات.

ونظرا إلى العقد الذي مضى منذ هجمات 11 سبتمبر، يقول دانيش: «من الأمور اللافتة للنظر صحوة المسلمين، فصحوا على أهمية التوعية عن الإسلام للخارج ولكن أيضا أهمية النظر داخليا ومعرفة المزيد عن ديننا ومجتمعنا هنا». وأضاف: «أصبحنا أكثر تواصلا في مجتمعنا المحيط بنا، ومساعدة الآخرين».

وأوضح أن «الجالية المسلمة صحت، وشعرت بأن عليها التعاون داخليا والتخلص من الخلافات الداخلية»، لافتا إلى أن الطوائف الإسلامية بدأت تعمل قياداتها وأعضاؤها بينها وبين بعض.

ولكنه يعتبر أن الدرس الأكبر من هجمات 11 سبتمبر جاء عندما شهد العالم العربي تحركا شعبيا للحصول على الحقوق الشرعية، من دون استخدام العنف. وقال: «عندما لا يوجد شعور بالقوة الداخلية والتمتع بالحقوق تظهر العناصر المتطرفة، ولكن في الوقت نفسه أثبتت شعوب الدول العربية أنها لا تريد العنف والتطرف، بل الحرية والاحترام المتبادل».

ولفت إلى أنه كان يزور الدوحة في مايو (أيار) الماضي عندما أعلن عن مقتل زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، وقال: «كان الخبر مهما جدا بالنسبة للأميركيين ولكن في العالمين العربي والعالم الإسلام لم يكن الخبر بنفس الأهمية»، مع انشغال المنطقة بالمرحلة المقبلة لتاريخها والبعد عن التطرف والانفراد بالسلطة.

ومسعود، الذي يتحدث اللغة العربية بطلاقة بسبب دراسته في السعودية، قرر قضاء يوم 11 سبتمبر هذا العام، وإحياء الذكرى العاشرة للهجمات بحضور عدد من المناسبات الخاصة بالذكرى. ومن بين هذه المناسبات استضافة شباب عرب ومسلمين جاءوا إلى الولايات المتحدة بموجب برنامج يستضيفه برنامج «تحالف الحضارات»، الممول من أطراف غربية ومسلمة لاستضافة 20 شابا عربيا في الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه استضافة 20 طالبا أميركيا وأوروبي في العالم العربي».

وبينما يشدد مسعود على أهمية مثل هذه البرامج والتوعية، ما زال يتعامل مع تجربته الخاصة خلال العقد الماضي. وعلى الرغم من انخراطه في عمل يساعده على الشعور بأنه استطاع أن يواجه بعض مشاعر الحقد وسوء التفاهم، فإن لدى مسعود مصاعب شخصية في التغلب على ما رآه قبل 10 سنوات، ويقول: «لم أشعر بالأمر حينها، ولكني بعد سنوات بدأت أعاني من مشكلات عدة، مثل الكوابيس والخوف من الطيران».

وأوضح أن «كل ذلك يأتي بعد رؤية تبعات تلك الهجمات وتأثيرها على سياستنا الخارجية والحروب والعنف المستشري». ولكن يواصل مسعود عمله وسفره، الذي عادة ما يتطلب سفرا عبر المحيط مرة بالشهر، ضمن جهود «تحالف الحضارات» التابع للأمم المتحدة لبناء الجسور وبناء العلاقات بين الشعوب حول العالم.

وأضاف: «إنه أمر أتعايش معه يوميا، لم أعرف ذلك حينها ولكنه بات الآن حاضرا معي الوقت كله».