د.يحيى الجمل لـ«الشرق الأوسط»: رئيس الجمهورية المقبل في مصر لن يكون عسكريا

نائب رئيس الوزراء المصري السابق: الملكيات العربية أكثر استنارة من الجمهوريات

د.يحيى الجمل
TT

جدل كبير تعيشه مصر بعد ثورة يناير حول ملامح مستقبلها السياسي، فقد أصبحت «مصر الجديدة» تنام وتصحو كل يوم على معركة سياسية مشتعلة بين ثوار يناير بعد أن تفرقوا إلى أحزاب شتى، فمن معركة الدستور أولا أم الانتخابات أولا، إلى الصراع بين الدولة المدنية والدولة الإسلامية، مرورا بمشكلة المبادئ فوق الدستورية، وحتى تقسيم دوائر الانتخابات.

وفي ظل هذا الصخب، بقي المجلس العسكري الحاكم للبلاد يجتهد في الإبحار بركب السفينة ليصل بها إلى بر الأمان، وهو وفق تصوره الذي طرح في إعلان دستوري واضح، يبدأ بانتخابات برلمانية يعقبها وضع دستور جديد، تسلم بعده مصر إلى سلطة مدنية.

ويصف الدكتور يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء السابق اللحظة السياسية التي تعيشها مصر، بأنها بالغة الدقة والخطورة، ويرى أن الجيش جاد في رغبته في نقل السلطة إلى مدنيين، وأنه لن يقدم مرشحا من المؤسسة العسكرية ينافس على منصب رئيس الجمهورية.

وفي الحلقة الثالثة والأخيرة من حواره المطول مع «الشرق الأوسط»، يتحدث المفكر السياسي الدكتور يحيى الجمل عن محاكمة مبارك، ويرى أن فرص براءته تكاد تكون معدومة، كما يتحدث عن «الربيع العربي»، مؤكدا أن بعض الأنظمة الملكية كانت أكثر استنارة من الجمهورية، وهو ما حماها من الموجة الأولى من الثورات العربية. وفيما يلي نص الحوار.

* كيف تقيّم اللحظة السياسية، وقد تشكلت ملامحها بعد أكثر من 8 شهور من قيام ثورة يناير؟

- مما لاشك فيه أننا نمر بمرحلة بالغة الدقة، بالغة الخطورة، وأذكر كلام قادة كثيرين من أوروبا الشرقية كانوا دائما يقولون إذا كنتم متخيلين أنكم ستخرجون من هذه الأزمة في ظرف شهرين أو ثلاثة أو أربعة، فأنتم واهمون، فنحن لم نستقر ولم نبنِ ديمقراطية حقيقية إلا بعد مرور سنتين أو ثلاث، وأعتقد أننا سندخل مرحلة صعبة والله يكون في عون من سيتصدر السلطة برلمانيا أو رئاسيا.

* في أحد أيام الخمسينات التي تلت ثورة يوليو (تموز)، شاهدت بنفسك في شوارع القاهرة ملصقا دعائيا يحمل صورة لقبة البرلمان وإلى جوارها جندي يحمل سلاحه، وكتب تحتها «نحن نحمي الدستور»، ونحن نقترب من نهاية العقد السادس في عمر ثورة يوليو هل حمى الجيش الدستور كما وعد، وهل وفّى الجيش بوعوده السياسية من قبل كي نصدقه الآن؟

- هناك اختلاف نوعي بل وربما جذري ما بين ما حدث في يوليو 52 وما حدث في يناير (كانون الثاني) 2011؛ في يوليو كان هناك تنظيم داخل القوات المسلحة اسمه تنظيم الضباط الأحرار، وكان يقود هذا التنظيم شخصية كاريزمية تاريخية اسمها جمال عبد الناصر، وهذه المجموعة كما يبدو لم تكن تريد أن تحكم ولكنها وجدت نفسها أمام فراغ حزبي وفراغ سياسي بالإضافة إلى أوضاع داخلية وخارجية قاسية فاستمروا في السلطة وساعدهم على ذلك أخطاء بعض من كبار المدنيين والسياسيين واستمرت الثورة، وللعلم كان هناك مشروع دستور رائع عام 54، لكنه للأسف الشديد لم يرَ النور لأنه لم يكن يعطي مجلس قيادة الثورة الاختصاصات التي كان يريدها، بل على العكس كان يقيم نظاما جمهوريا حقيقيا، ولكن هذا الدستور رفض.

* ثم صدر الدستور الدائم عام 1971 بكل سيئاته في عهد الرئيس السادات وأسقطه الجيش أيضا بعد تنحي مبارك، ما تعليقك؟

- دستور 71 في أصل وضعه كان كذلك دستورا طيبا، ولكن الحقيقة المؤسفة أنه أصابه أمران.. الأول: أنه لم يطبق تطبيقا سليما، ثانيا: أنه أدخلت عليه تعديلات بالغة السوء بداية من تعديلات الرئيس الراحل السادات حينما أطلق المدد الرئاسية و(علشان يبلع الناس هذا النص وضع نص الشريعة الإسلامية من خلال إضافة الألف واللام والتي لم تغير من البنية التشريعية شيئا).. والذي يقول لي إنها غيرت يعطيني دليلا، وبهذا التعديل كانت بداية (الردة).. ثم كان الأمر الثاني فكانت تعديلات 2005 و2007 لتكمل نفس الردة، ولقد قلت وقتها بحزم ودون خوف للذين صاغوها (الذين صاغوا هذه التعديلات أهانوا مصر.. أهانهم الله) وهذا أقصى ما كنت أملك أن أفعله.. فكل التعديلات التي أدخلت كانت للأسوأ ولكي ترسخ حكم الفرد.

* إذن ظلت مصر بلا دستور يقيم ديمقراطية حقيقية قرابة 60 عاما منذ إعلان الجمهورية، على الرغم من أن أحد أهم أهداف ثورة يوليو كان إقامة حياة دستورية سليمة.. فهل يمكن أن يحدث ذلك الآن والمجلس العسكري الحاكم هو نفس الجيش الذي قام بثورة 52؟

- ثورة يناير قام بها شباب لا علاقة لهم بالجيش وأسهم فيها العديد من شرفاء هذا البلد الذين رفعوا شعار المعارضة وقد أكون جنديا من جنودهم، والجيش في ثورة يناير كانت كل مهمته أنه رفض أن ينحاز لرئيس الجمهورية ضد الشعب، لكنه لم يكن يمثل تنظيما سياسيا، والجيش يقول إنه على مسافة واحدة من الكل، وإنه يريد أن يعود إلى ثكناته، وأنا شخصيا في أكثر من نقاش مع أعضاء المجلس العسكري قيل لي فيها صراحة: «نحن مهمتنا أن نحمي مصر من الشمال والجنوب والشرق والغرب، أما الحكم فهو مهمة المدنيين وسنسلم البلد بمجرد الانتهاء من الانتخابات»، وعن قناعة شخصية أصدق هذا لأن اليوم أي شخص أصبح يعرف تماما أن حكم مصر بات أكثر من نار موقدة، وأظن أنه لا يوجد أحد يريد أن يضع يده في النار لمدة قد تطول، والذي سيحكم مصر في المرحلة المقبلة الله يكون في عونه.. وإذا لم يكن مؤيدا بسند شعبي كبير (فلنقل عليه السلام).

* من وجهة نظرك، أي نظام سياسي هو الأفضل لمصر: البرلماني أم الرئاسي؟

- الجمهورية الرئاسية قد تؤدي إلى فرعون جديد وتعني صلاحيات ضخمة، والجمهورية البرلمانية السلطة التنفيذية فيها ضعيفة، وكلتاهما غير مناسبة لمصر، ولكني أعتقد أن العالم اليوم يفصل ما بين الاختصاصات والتنفيذ، فالحكم الرئاسي يقوم على الفصل الكامل للسلطات، ولكن الحادث اليوم لم يعد كذلك، وذلك لأن الحياة العملية جعلت هناك جسورا ممتدة ما بين السلطات وبعضها البعض، وصورة النظام السياسي في العالم اليوم تغيرت، وأنا أميل للنظام السياسي الفرنسي الذي دشنه ديغول سنة 58 الذي يعمل على إيجاد سلطة تنفيذية قوية وفي الوقت نفسه يضع عليها قيودا، لكن الأمر يتوقف في النهاية على وجود أحزاب سياسية قوية ومن غيرها ومن غير وعي ورأي عام قوي لا يمكنك الحديث عن حياة ديمقراطية سليمة.

* إخلاص البرادعي.. حب الناس لعبد المنعم أبو الفتوح.. أحمد شفيق ناجح في الإدارة.. فرص العوا وموسى ضعيفة في الفوز.. كانت هذه تعليقاتك على مرشحي الرئاسة المحتملين.. بينما يرى البعض أن رئيس مصر المقبل ربما يكون عسكريا؟ ما تعليقك؟

- لا أعتقد، وتقديري أنه لن يكون عسكريا، على الأقل لن يكون من العسكريين العاملين، بمعنى أن المجلس العسكري لن يكون له مرشح لمنصب رئاسة الجمهورية.

* ولكن بورصة الترشيحات الشعبية تحدثت عن سامي عنان كما طرحت عمر سليمان وأحمد شفيق؟

- أعتقد أن دور عمر سليمان السياسي انتهى، وأحمد شفيق يفكر وهذا من حقه كمواطن، أما سامي عنان الرجل الثاني في القوات المسلحة، فلا أعتقد أنه يفكر في هذا الأمر، لأن له دورا أساسيا في القوات المسلحة وعلاقته بالمشير قوية جدا، وهم يدركون تماما ما يريدون وما يفعلون إلى أن يسلموا البلد للسلطة المدنية.

* لكن ألا يفضل المجلس العسكري اسما على آخر من الأسماء المرشحة وقد يدعمه لاحقا؟

- طبعا يمكن أن يحدث ذلك، ولكن أنا شخصيا لا أعرف من هو الاسم المفضل لديهم.

* وسط الأسماء المرشحة لمنصب رئيس الجمهورية، من برأيك أكثرهم قوة وتكاد تجتمع به الكثير من الصفات المؤهلة لهذا الموقع الأهم على قمة هرم السلطة السياسية في مصر؟

- عبد المنعم أبو الفتوح أقواهم، وهو إسلامي مستنير جدا ومن أكثر الإسلاميين استنارة ومن أكثرهم قبولا لدى الناس ومؤمن بالدولة المدنية تماما، ولولا غياب البرادعي الكثير عن مصر بالإضافة إلى أنه لا يعرف كيف يخاطب الناس مخاطبة جماهيرية مؤثرة، لكان حظه أوفر.

* وماذا عن عصام شرف كرئيس للجمهورية؟

- حينما قلت إني أرشحه، كان الأمر مجرد دعابة، وعصام شرف رجل يعشق مصر ومتفانٍ ومخلص في عمله تماما ولكنه يصلح لأن يكون رئيسا لجمهورية برلمانية، أي ليس له اختصاصات كبيرة على أن يكون معه رئيس وزراء قوي.

* تطلق صفة «الإخلاص» على الكثيرين، فهل المقصود السخرية أم الوصف الإنساني، وهل الإخلاص وحده يكفي للمنصب السياسي؟

- لا طبعا، الإخلاص غير كاف ولم يكن تكرار هذا الوصف للدلالة أبدا على التهكم أو السخرية.

* ألم تفكر في ترشيح نفسك لمنصب رئيس الجمهورية؟

- تحدث البعض معي في هذا الأمر لكنه لم يجد هوى لديّ، وهناك من يقترح ترشحي لرئاسة مجلس الشعب، ولكني أري أني أديت دوري كاملا في الحياة السياسية وحان الوقت لأن أتفرغ لمتعي الثلاث في الحياة وهي القراءة والكتابة والسفر وسماع أغاني أم كلثوم، ومن حقي أن أقضي ما تبقى من العمر في حياة مريحة بعيدا عن صخب السياسة.

* ما الذي يجبر المجلس العسكري على ترك السلطة للمدنيين، وقد يطاله ما طال نظام مبارك من اتهامات، خاصة ما يتعلق بصفقات السلاح وعمولاتها، وكذلك المعونة الأميركية العسكرية وأوجه صرفها؟

- أعتقد أنه لو كان هذا الكلام صحيحا لظهر فورا، لأن كل الملفات فتحت، وأعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة فوق مستوى الشبهات ولديّ شواهد كثيرة على ذلك أنا مؤمن بها.

* ولكن هذا لا يمنع أن تطالهم اتهامات.. أليس كذلك؟

- الاتهامات في مصر طالت كل الناس، وأنا شخصيا اتهموني بالكفر وأني ضد الثورة، مع اعتقادي بأني أحد الذين فجروها، واتهموني بأني ثورة مضادة، وهناك شباب صغار يمكن أن يركبهم الغرور قالوا هذا الكلام، والغرور قاتل، وللأسف الشديد نحن لا نراعي مسؤولية الكلمة.

* تحدثت عن «السرير» الذي دخل به مبارك إلى «القفص»، ووصفته بأنه تمثيلية لاستدرار العطف، وتحدثت أيضا قائلا «لما المحكمة تستجيب لطلبات الدفاع.. يبقى الحكم قوي»، قاصدا استجابة المستشار أحمد رفعت لطلبات فريد الديب محامي مبارك ونجليه ومبشرا بحكم قوي يرضي الرأي العام في مصر؟ ما تعليقك؟

- لقد أتى هذا المشهد بنتائج عكسية ولم يستدر عطف الناس، ومثول مبارك أمام المحكمة أمر طبيعي لمتهم، تم توجيه التهم إليه في جرائم حققت النيابة فيها وأدانته، ومن حقنا نحن كمصريين أن نثبت للعالم كله أننا نجري محاكمة عادلة ونزيهة وهذا حق لا يلومنا أحد عليه.

* هل ترى أن المحاكمة بصورتها وتوقيتها وما يحيط بها من ضغط إعلامي رهيب من الرأي العام يمكن أن تكون عادلة؟

- إن الدائرة التي أمامها قضية مبارك دائرة قوية، وأعتقد أنها ستكون عادلة تماما.

* هل ممكن أن يحصل مبارك على البراءة؟

- إذا اقتنع القاضي من خلال الأوراق التي أمامه أن مبارك يستحق البراءة، فسيعطيه البراءة. ولكني لا أعتقد ذلك، وهذا افتراض غير وارد تماما، لأن الأوراق مليئة بالأدلة، وفرص البراءة لمبارك تكاد تكون معدومة، وسيكون الخلاف ما بين الحكم عليه بـ 15 سنة إلى 25 سنة، ولكنه أيضا لن يحصل على الإعدام لأنه تجاوز سن الثمانين (على الرغم من أنه يصبغ شعره) وفي النهاية سيحصل على حكم لأن القضية مليئة بالأدلة.

* ما رأيك في مصطلح «الربيع العربي» الذي أطلق على الثورات العربية؟ ولماذا نجح هذا الربيع في الإطاحة بالجمهوريات العربية بينما فشل مع الملكيات؟

- أطاح ببعض الجمهوريات العربية ولم يطح بالبعض الآخر، ولكني أقول هنا إنه للأسف أن بعض الأنظمة الملكية في المنطقة العربية كانت أكثر استنارة من الأنظمة الجمهورية، بداية من الملك حسين ملك الأردن الذي كان أكثر استنارة ورؤية للتاريخ من رؤساء الجمهوريات، وهنا لا أبرئ الملكيات من كثير من الشوائب والعيوب، ولكني أقول إنها أكثر استنارة لأن الجمهوريات كانت جمهوريات بالاسم ولكنها ملكية من الداخل، حيث كان كل رئيس جمهورية حريصا على أن يبقى في الكرسي طوال حياته ويورث الحكم من بعده وهذا تحول للملكية.

* في رأيك لماذا ترك الشعب السوري ليلقى مصيرا مرعبا على يد رئيسه بشار، بينما يقف العالم صامتا أمام هذا المشهد دون تدخل حقيقي لإيقاف المجازر في سوريا؟

- لا بد من التدخل الحقيقي، فما يحدث في سوريا مرعب، ويخالف كل القوانين وحقوق الإنسان والأعراف الدولية، لكن المصير محتوم «سينتهي النظام وسيبقى الشعب» مهما طال الأمد وارتكب من جرائم نهايته محتومة والشعب سينتصر حتما.

* روج البعض لمخطط تقسيم الدول العربية لدويلات فيما سمي بـ«الشرق الأوسط الكبير»، وبشائره هبت مبكرا على العراق وتبعه السودان مؤخرا، ويلصق هؤلاء بالثورات العربية أنها ماضية في تحقيق هذا المخطط، مبررين ذلك بما يحدث في ليبيا واليمن؟

- الثورات العربية بريئة كل البراءة من هذا الإثم الكبير، لكن المخطط موجود وتتزعمه أميركا وإسرائيل، ونفذ كما قلت من قبل في العراق والسودان، بل ونبهت له في مجلس الوزراء، ولقد قامت إسرائيل بالاحتجاج ضدي رسميا في وزارة الخارجية المصرية مرتين بناء على هذا الكلام.

* هل الاحتجاج الإسرائيلي الرسمي كان بعد ثورة 25 يناير؟

- نعم بعد قيام الثورة، وتحديدا بعد أحداث الفتنة الطائفية لأنه لن يكسر مصر (لا قدر الله) إلا فتنة طائفية بين المسلمين والأقباط، وإسرائيل ستكون وراء هذه الفتنة، وهم ماضون في تنفيذ المخطط ومستمرون به وهم يعرفون ماذا يريدون ويخططون له وما لم نتنبه له فستكون كارثة، فنحن للأسف لاهون في المجادلة والكلام والمليونيات التي لا جدوى منها، إنما الجدوى الحقيقية هي أن نعمل، (التعليم والاقتصاد والديمقراطية) هذا ما تحتاجه مصر.

* في إطار هذا المخطط هل ترى أن ملف النوبة من ضمن الملفات التي يحاولون الزج بها؟

- نعم، يمكن القول إن ملف النوبة يعبث به ويحاول البعض أن يستغله وكذلك سيناء، وعلينا أن ننتبه جيدا لما يحاك لمصر.

* إلى من ينسب الفضل في نجاة مصر من مصير ليبيا وسوريا واليمن فيما أعقب ثورات شعوب هذه البلدان، وهل في رأيك مصر معرضة لأحداث مشابهة في المستقبل القريب؟

- موقف القوات المسلحة، لأنه لو كان موقفها هو عدم الانحياز لإرادة الشعب، لكان من الممكن أن نعاني مما تعانيه شعوب أخرى في المنطقة اليوم.

* كيف رأيت واقعة إنزال العلم الإسرائيلي عن السفارة الإسرائيلية بالقاهرة والتي أعادت الجدل حول معاهدة كامب ديفيد والسلام مع إسرائيل؟

- من حق الشعب المصري أن يغضب وينفعل، ومن حقه أحيانا أن يتجاوز في انفعاله وغضبته وأن يتجاوز هذا الانفعال بعض الحدود، وواقعة إنزال العلم ينطبق عليها هذا الانفعال على الرغم من أنه يلقي بمسؤولية كبيرة على الحكومة، لكني أرى، رغم كل ما حدث، أنه كان انفعالا مشروعا، وما أكثر المواقف التي انفعل فيها الإسرائيليون بغضب وعنف وبُعد عن المسؤولية، فلقد حدث أن دخلوا المساجد وأحرقوها ودهسوا المصاحف بأحذيتهم ومع ذلك لم يحدث لهم شيء.

* هل كان من المفترض أن تقوم الحكومة المصرية برد فعل أكثر قوة تجاه واقعة قتل الجنود المصريين على الحدود؟

- أعتقد أنه كان لا بد من سحب السفير المصري في تل أبيب لفترة ما ولنقل شهرين أو ثلاثة وأن يعامل السفير الإسرائيلي في مصر بطريقة تنم عن أنه شخص غير مرغوب فيه حتى لا يتكرر الخطأ الإسرائيلي مرة أخرى وتعرف إسرائيل أن مصر لديها رد فعل حازم.

* لك تجربة في العمل في ليبيا فترة حكم السنوسي، هل تعتقد أن ما يحدث في ليبيا اليوم على يد القذافي ما كان ليحدث إذا ما بقيت ليبيا ملكية ولم تتحول إلى جماهيرية؟

ـ طبعا، بكل تأكيد ما كانت ليبيا لتعيش عصرا حالكا كما عاشته فترة تولي القذافي للحكم، فلقد كان السنوسي رجلا طيبا وشديد التواضع ويحب شعبه ويتمتع بحكمة بالغة وما كان له أن يفعل بشعبه ما فعله القذافي، فلو كانت ليبيا ظلت كمملكة في حكم السنوسي لكان وضعها مختلفا اليوم للأفضل.

* كنت شاهدا على العلاقة بين القذافي والسادات، وهي علاقة سياسية لا تخلو من الكوميديا، ماذا تحفظ ذاكرتك من طرائف هذه العلاقة؟

- هناك حكاية طريفة أرويها لأول مرة، في عام 1974 طلب القذافي من السادات أن يعاود طبيب عيون متخصصا في مصر لشكوى مرضية يعاني منها، والسادات بخفة ظله المعروفة انتهز الفرصة واستدعى الدكتور سيد الجندي استشاري المخ والأعصاب الشهير في مستشفى القوات المسلحة، وطلب منه أن يكشف بالمرة على القوى العقلية للقذافي دون أن يعرف وقال له بالحرف «شوف الواد ده دماغه ومخه فيهم إيه بالمرة»، وبالفعل ذهب القذافي إلى المستشفى لكنه لاحظ أن هناك فحوصات طبية أخرى تجري عليه خلاف كشف طبيب العيون واشتكى وقتها للسادات من عدم خبرة الأطباء الذين يكشفون عليه، وغادر المستشفى ولم يكمل الفحوصات.