منشق عن اتحاد محامي سوريا لـ«الشرق الأوسط»: الشعب فقد ثقته بالنظام ولا عودة للوراء

استقالة موظفين مدنيين وحقوقيين سوريين في إطار «عصيان مدني» للنظام

TT

منذ مطلع شهر رمضان، انتقل المحامي خير الله الدايجي، عضو اتحاد المحامين السوريين (المؤتمر العام)، وعضو نقابة المحامين في دير الزور إلى بيروت، بعد استقالته من كل المناصب التي انتخب لها، ومنها عضوية اللجنة المركزية لحزب الوحدويين الاشتراكيين وعضوية المؤتمر القطري في حزب البعث، وذلك في إطار سلسلة استقالات لمواطنين سوريين من مناصبهم، في إطار ما يسمونه بـ«عصيان مدني».

«الاستياء العام من الوضع وممارسات النظام القمعية واعتراضي على كل ما يقوم به، وفقدان الثقة به من قبل مجموع الشعب السوري، فضلا عن إصراره على الحل الأمني وقتل الأبرياء»، جملة أسباب دفعت الحقوقي المتحدر من مدينة دير الزور إلى إعلان موقفه هذا وقراره التوجه إلى بيروت، تاركا خلفه أسرة وأقرباء لا يعلم عنهم شيئا، «شأنهم شأن أهالي كل الشهداء والمعتقلين والناشطين، وإذا ما تعرضوا لأي أذى فهم جزء من الشعب السوري».

يسهب دايجي في الحديث لـ«الشرق الأوسط» عن محاولات ومبادرات قامت بها شخصيات سورية مع بدء الانتفاضة الشعبية منتصف شهر مارس (آذار)، لـ«تقريب الهوة بين الشعب والنظام»، من دون أن تلقى أي «التفاتة من قبل الأخير بسبب عنجهيته وتسلطه وضربه عرض الحائط بكل المبادرات ومن دون وضع أي اعتبار لمطالب صدرت، مكتفيا بالحديث عن قوانين وأنظمة بقيت حبرا على ورق، مما زاد من تأزم وضعية النظام».

وانطلاقا من اعتراف الرجل الخمسيني بأنه غير قادر على دفع الانتفاضة الشعبية، وأمام تكرار مشهد «نزول وحدات الجيش الذي وجد لحماية الشعب والوطن إلى مواجهة المتظاهرين، مع الأمن و(الشبيحة)، ممارسين القتل والتنكيل والمداهمات والاعتقالات بشكل عشوائي من دون مراعاة لأي مواطن أو كرامة»، وجد الدايجي أن «الاحتجاج والتبرؤ من النظام هو أفضل ما يمكنه القيام به بعد فشل كل محاولات التوصل إلى حلول، مع نظام قائم على الشمولية والديكتاتورية».

لم يستفد النظام السوري، وفق الحقوقي المقيم حاليا في بيروت محتفظا بزر صغير يتضمن ميزان العدل على سترته، من تجارب الآخرين في تونس ومصر وليبيا وسواها، وجاءت جميع الخطوات التي قام بها «بعكس ما تمناه شعبه». ويقول الدايجي في هذا السياق: «تمنينا التوصل إلى مرحلة نحفظ فيها دماء الشهداء، ويجري فيها النظام إصلاحات حقيقية، وتسهم في القضاء على الفساد وإعطاء الشعب جزءا من حريته، ولكن النظام أصر على الحل الأمني وقتل الأبرياء وطردهم من منازلهم، إلى درجة باتت فيها سوريا معرضة للسلاح الذي دفع ثمنه الشعب السوري ليقتل به».

وكان الأجهزة الأمنية التابعة للنظام اعتقلت منذ اندلاع التحركات الشعبية عددا من المحامين، لإبدائهم الرأي أو المشاركة في مظاهرات سلمية. وأدت اعتصامات رمزية للمحامين احتجاجا على توقيف زملائهم إلى مزيد من الاعتقالات.

وفي حين ينتقد ناشطون سوريون اتهامات النظام بالعمالة لكل من لا يؤيده، يوضح الدايجي أن «تهم العمالة هي من بين التهم الحاضرة دوما للضغط على الموظفين والجيش والمواطنين على قاعدة (أنت وطني ولست معنا فأنت خائن)». وينفي وجود «أي مندسين أو مسلحين في المظاهرات التي كانت وما زالت تتمسك بشعار السلمية وتنادي بوحدة الشعب، لكن النظام هو الذي يعتبر أن سوريا مزرعة أورثتها السماء له، علما أن بالسماء لم تورث الرسول صلى الله عليه وسلم».

يصر الدايجي على أن «الشعب السوري يؤمن بوطنه ولا يريد القتال، ولكن النظام هو من يريدنا أن نصل إلى هذه المرحلة لأنه عندها سيكون هو المنتصر، لأن الشعب لن يقوى على مواجهة آلته العسكرية والأمنية». وتعليقا على دعوة بعض المعارضين السوريين إلى تسليح الثورة، أوضح أن «لدى من يعايش الواقع السوري وجهة نظر قد تختلف عن الأصوات في الخارج التي تطالب بتسليح الثورة»، ويقول: «نحن لا نريد تسليح الثورة لأننا لا نريد تدمير البلد الذي دفعنا من مالنا ودمائنا وحريتنا لبنائه طيلة 50 عاما، وعندما تطالب المعارضة السورية بالحماية الدولية فالمقصود الحماية المعنوية ودعم الإعلام وضغط المنظمات الإنسانية والحقوقية لفضح وكشف وجه هذا النظام المجرم»، ويشدد على أنه «لا نريد سلاحا من الخارج، لأننا لن نحمله ضد بعضنا وضد الجيش الذي يضم أبناء الوطن وهم حماة الديار»، مؤكدا «أننا نستطيع أن نقضي بأيدينا على الزمرة الحاكمة، لكن الجيش هم أبناء هذا الوطن وعائلاته وهم حماة الديار»، كما نفى «قتل المتظاهرين لأي جندي، لكن النظام يتبع هذا الأسلوب ويستثمره لمصلحته»، معتبرا أن «أي عملية قصف جوي أو بري ستؤدي إلى قتل أبرياء وتدمير منازل السوريين، وهذا ما لا نريده، خصوصا أننا شبعنا من العسكريتاريا».

ويلفت الدايجي إلى أن «الاحتجاجات لا تزال سلمية في دير الزور، وهي من أغنى المدن في سوريا بسبب خصوصية موقعها على نهر الفرات ومساحتها الشاسعة (خمس مساحة سوريا) والاقتصاد الزراعي الكبير القائم فيها وثروتها النفطية، على الرغم من وجود السلاح بين أهلها».

وينتسب معظم أهالي المحافظة إلى العشائر، وقد عمد النظام استباقا لأي تحرك فيها إلى اعتقال غالبية زعماء العشائر فيها، ومن أبرزهم الشيخ نواف البشير، زعيم عشيرة تضم أكثر من مليون ونصف المليون سوري، ويصل امتدادها إلى العراق والكويت والسودان.

وفي هذا السياق، يوضح الدايجي أن «السلاح موجود لدى أهل دير الزور بشكل طبيعي وانطلاقا من موروث تاريخي، وبسبب النزاعات التي شهدتها المدينة تاريخيا، والتي مرت عليها أقدم الحضارات فضلا عن البنية العشائرية فيها».

وفي حين يؤكد أن «النظام السوري يريد تكريس الطائفية لكي يستثمرها لصالحه، علما بأن سوريا لم تشهد في تاريخها قط أي نزاع طائفي فيها»، شدد على أن «حاجز الخوف كسر في 15 مارس (آذار) لدى الشعب السوري، ولا عودة اليوم إلى الوراء بعد أن فقد الشعب ثقته كليا بالنظام».

وخلص الدايجي إلى التأكيد على أن «الحصان أمام العربة، التي تسير ولن تتوقف، بعد أن تيقن الشعب من أن هذا النظام لا يستطيع أن يخرج من جلده، والحل الوحيد هو أن تنتصر الثورة ويحصل التغيير ووضع دستور جديد وتأمين التداول السلمي للسلطة، لتعود سوريا كما نتطلع جميعنا إليها، قلب العروبة النابض».