الثورة السورية تشرد آلاف السوريين داخل الحدود وخارجها

معظمهم فروا خشية العمليات العسكرية وآخرون هربوا من الملاحقة الأمنية

سيدات درعا في مظاهرة أمس ضد زيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى دمشق
TT

يقدر ناشطو حقوق الإنسان عدد القتلى منذ اندلاع الاحتجاجات الواسعة في سوريا منذ مارس (آذار) الماضي بنحو ثلاثة آلاف قتيل بالإضافة إلى ما يقارب الثلاثين ألف مصاب وكذا خمسة عشر ألف معتقل، لكن التقديرات الخاصة بالمشردين نتيجة للأحداث تبقى غير دقيقة وإن قدرها البعض بمئات الآلاف.

ويقدر ثائر الناشف، المنسق العام للقوى الوطنية السورية، أعداد المشردين داخل سوريا فقط بعشرات الألوف، حيث أوضح أن عشرات المدن السورية شهدت تهجيرا كاملا قبيل تعرضها لحملات الجيش السوري.

وقال الناشف لـ«الشرق الأوسط»: «أولى المدن التي تعرضت للتشريد وإجلاء مواطنيها كانت مدينة بانياس التي هجرها أهلها بأعداد كبيرة، أما بالنسبة لمدينة دير الزور ذات المليون ونصف المليون نسمة، فقد فر زهاء 70 في المائة من أهلها إلى محافظة الحسكة والقامشلي في الشمال السوري». وأضاف الناشف أن ساحة العاصي في مدينة حماه كانت تمتلئ بخمسمائة ألف مواطن، والآن ثلاثة أرباع هذا الرقم خارج المدينة مشتتين في عدة مدن سورية، وفي إدلب شرد ما يزيد على 150 ألف نسمة، ولم يكن الشريط الساحلي بأكثر حظا فمخيم الرملة الجنوبي في اللاذقية، الذي تعرض لقصف بحري أوائل رمضان شهد تشريد ما يقارب العشرة آلاف مواطن.

المؤسف أن قطاعا كبيرا من المشردين يغادرون الأراضي السورية للمجهول خارجها، فأهالي مدينة جسر الشغور تعرضوا لتشريد ساحق قبل أيام من الحملة العسكرية الكبيرة عليها منتصف يونيو (حزيران) الماضي، مما دفع ما يقارب 15 ألفا من أهلها للنزوح إلى محافظة هاتاي التركية، وبعد سيطرة الجيش السوري على الشريط الحدودي، قرر الكثيرون البقاء داخل سوريا ليتحولوا لنازحين داخليين في قرى قريبة أكثر أمنا.

وفي الجنوب السوري نزح أهالي درعا نحو مدن الرمثا وإربك والمفرك في المملكة الأردنية، حيث قدر عددهم بنحو مائة ألف مواطن سوري.

ويعيش السوريون النازحون في الأردن في ظروف معيشية متردية وبالغة السوء، فمعظمهم فروا دون أموال أو ممتلكات تعينهم على الحياة، مما جعلهم لا يملكون تكلفة تأجير شقق خاصة بالطبع، فسكن الكثيرون المدارس أثناء عطلتها الصيفية. وبطبيعة الحال، معظمهم لا يجد أموالا لتوفير مستلزمات الحياة لأبنائهم.

وفيما لعبت العلاقات العشائرية دورا كبيرا في إيواء عدد كبير من الأسر لدى ذويهم في الأردن، قامت الهيئة الأردنية لنصرة الشعب السوري، بمساعدة من تبرعات الأردنيين، بالتكفل بعدد كبير من الأسر المعدمة، لكن في معسكرات الإيواء في تركيا يعجز السوريون عن تلقي أي مساعدة من قبل المواطنين الأتراك. ووصف ناشط حقوق إنسان سوري، تحدث عبر الإنترنت من دمشق، وضع النازحين السوريين في الخارج بالمأساوي خاصة في رمضان، وأضاف الناشط قائلا «الأصعب أن مستقبلهم مجهول، فلا يعرفون هل سيسمح لهم بالعودة أم لا، وكيف ستتم معاملتهم إذن».

وليس ببعيد عن قضية المشردين خارج سوريا، تبرز مشكلة المشردين داخلها بسبب ملاحقتهم أمنيا، الذين قدر ثائر الناشف عددهم بالخمسين ألفا، وقال الناشف «تقديرنا للعدد يستند إلى تصريح بشار الأسد في خطابه في جامعة دمشق بأن هناك 64 ألف مطلوب في سوريا، وإذا قلنا إن هناك 15 ألف معتقل تقريبا فإن العدد المتبقي مشردون بسبب الملاحقات الأمنية».

وتسببت العمليات العسكرية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية والجيش في سوريا في فرار عشرات الآلاف من الشباب الذين فروا من منازلهم وتركوا مدنهم وقراهم خشية القتل والاعتقال.

وقال ناشط سياسي سوري، أطلق على نفسه اسما مستعارا «أبو ماسة»، إن ظروف المشردين من الملاحقين أمنيا صعبة، واصفا أوضاعهم النفسية بالحالكة حيث قال لـ«الشرق الأوسط»: «هم ينامون في المزارع والبساتين والأماكن المهجورة والبعيدة، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء وتتعرض جلودهم للنهش من الحشرات، وفي النهار يتسللون إلى بيوتهم متخفين للتزود بالطعام والمشاركة في المظاهرات، وما إن يحل الظلام حتى يعودوا أدراجهم مجددا لأن أغلب الحملات تكون ليلا».

ووفقا لشهادات أخرى فإن الشباب المشردين يغيرون أماكنهم باستمرار خوفا من أن تكشف أمكانهم، وكثير منهم يستخدمون الدراجات النارية للتنقل.

وهو ما تنبهت له القوى الأمنية مؤخرا، فقامت بحملة مداهمات على مناطق البساتين في منطقة السامرية الزراعية شمال مدينة طفس في حوران، اللافت أن الأمن هو الآخر اقتحم المنطقة متخفيا، حيث كان راكبا آلات زراعية، وتم اعتقال عدد من الشباب الملاحقين، وهو نفس ما حدث أيضا في المناطق المحيطة بدرعا حيث اعتقل الجيش ناشطين وتم إظهارهم إعلاميا على أنهم مسلحون وإرهابيون.

ونجحت «الشرق الأوسط» في التواصل مع أحد هؤلاء الشباب على الإنترنت عبر برنامج «سكايب»، حيث قال «يلاحقونني منذ عدة أسابيع، ولا نستطيع التحرك بحرية ولكن هذا لا يضايقني فقد اعتدت عليه»، وواصل الشاب، الذي نتحفظ على اسمه ومدينته بناء على طلبه، قائلا «أهلي يتعرضون للمضايقات والمداهمة، ولكنني في حالة نفسية عالية فنحن مصممون على الاستمرار في مسيرتنا لإسقاط نظام بشار».

وأوضح سيف مللي، وهو مواطن سوري تعرض لفترة للتشريد بسبب ملاحقته أمنيا، أن فترة ملاحقته كانت جد صعبة ومنهكة، وقال مللي لـ«الشرق الأوسط»: «قضيت ليالي طويلة في البساتين دون أكل أو شرب برفقة عشرات من الناشطين لأسابيع طويلة قبل أن تكف القوى الأمنية عن ملاحقتنا».

ويقول ناشطو حقوق الإنسان في سوريا إن الوضع الإنساني في سوريا متفجر بشكل كبير، مشيرين إلى أن هناك العديد من الظواهر الإنسانية الفريدة التي صاحبت تفجر الثورة السورية والتي لا تزال بعيدة عن التناول الإعلامي. ويعزو الناشطون عدم الكشف عن تلك الظواهر لغياب تغطية الإعلام العربي أو الأجنبي داخل سوريا وهو ما جعلها تسوء بدرجة أكبر.

وتبقى مشكلة المشردين السوريين باختلاف مواقع تشريدهم قائمة، فبالنسبة للمشردين خارجها فإن طالع أيامهم يبقى صفحة مجهولة، فالسؤال الذي يدور في أذهان المشردين خارجيا ليس هل سيعودون أم لا، ولكن كيف سيتم التعامل معهم حال عودتهم، فالتقارير الواردة من الأردن تشير إلى سيطرة الخوف على السوريين هناك من التنكيل بهم حال عودتهم، وبالنسبة للمشردين بسبب الملاحقات الأمنية فإن مستقبلهم يبقى على المحك حال تعرضهم للاعتقال، خاصة أن الكثيرين منهم فقدوا وظائفهم منذ فترة طويلة، ويبقى وضع المشردين داخليا الأفضل بشكل نسبي، فغالبيتهم يعودون إلى ديارهم بعيد عودة الهدوء لمدنهم مرة أخرى.