باراك يدعو إلى بحث حول تدهور مكانة إسرائيل في العالم

في تل أبيب يتساءلون: لماذا يكرهوننا؟

وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك خلال اجتماع الحكومة الأسبوعي (رويترز)
TT

طالب وزير الأمن الإسرائيلي، إيهود باراك، في جلسة الحكومة العادية، أمس الأحد، بعقد جلسة خاصة للمجلس الوزاري لمناقشة تدهور مكانة إسرائيل السياسية في العالم. وقال باراك: إن الصورة السلبية التي تكونت حول إسرائيل في كل من تركيا ومصر، وبين صفوف الفلسطينيين، تستحق البحث. وأضاف أنه على الرغم من أنها «أحداث ليست تحت سيطرة إسرائيل» فإنه بإمكان إسرائيل التأثير على هذه «الصورة» وتغييرها للأفضل.

ودعا باراك إلى أن يكون هذا البحث سريعا للغاية؛ بحيث يسبق مناقشة المشروع الفلسطيني في الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثلث الأخير من الشهر الحالي. وقال أيضا: إن التدهور بات يصيب أيضا العلاقات الحميمة مع الولايات المتحدة، لدرجة أنها تتآكل، وكذلك الأمر مع وضع إسرائيل مقابل الرباعية الدولية، ومقابل أوروبا. وأشار إلى وجود تقديرات مهمة حول الموضوع في كل من وزارة الخارجية الإسرائيلية وجهازي المخابرات الخارجية (الموساد) والعامة (الشاباك) والاستخبارات العسكرية (أمان)، وأنه يجب إجراء نقاش موسع حولها في المجلس الوزاري.

كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد تناولت هذه القضية بشكل موسع ولافت للنظر خلال اليومين الماضيين، منذ اقتحام السفارة في القاهرة. وقال المراسل العسكري في التلفزيون: «إن هذا التدهور يجعلنا نسأل: لماذا يكرهوننا إلى هذا الحد في المنطقة والعالم؟». وكتب المحرر العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان، قائلا: «إن الهجوم على السفارة الإسرائيلية في القاهرة يشبه احتلال السفارة الأميركية في طهران، خلال الثورة الإيرانية». ودعا إلى رؤيته كـ«انعطاف استراتيجي في الشرق الأوسط». وأضاف: «علينا أن نسجل أنه ابتداء من يوم الجمعة 9 سبتمبر (أيلول) 2011، تدار العلاقات الدبلوماسية الإسرائيلية - المصرية بإشراف الإدارة الأميركية».

وتابع فيشمان قائلا: «إن مصر، التي صنفت حتى الآن كدولة صديقة وفي الدرجات الدنيا من الخطر العسكري، ترتفع بعد حادث السفارة إلى أعلى درجات الخطر، وإذا فقد الجيش المصري السيطرة لصالح قوى التطرف والفوضى، فإن مصر ستتحول من خطر كبير إلى تهديد فعلي لإسرائيل».

أما المحرر العسكري في موقع الإنترنت «واي نت»، التابع لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، فقد رأى أن أحداث السفارة تدل على أن «الأيام التي كان بإمكان الأنظمة العربية فيها أن تلجم عداء الشارع العربي لإسرائيل، وتواصل إقامة علاقات السلام أو اللا حرب بمعزل عنه، قد ولت وإلى غير رجعة». ودعا حكومة إسرائيل إلى إبداء الصبر والشجاعة وبرود الأعصاب التي ميزتها حتى سنوات الثمانينات، عندما وقفنا أمام عالم عربي معادٍ». لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «تغيير أنماط السلوك السياسي والأمني وملاءمتهما للواقع الجديد، مع الأخذ بالاعتبار رد فعل الشارع العربي والإسلامي على كل خطوة». وكتب يقول: إن المطلوب حاليا «ضبط تفوهات الوزراء في الحكومة وأعضاء الكنيست وحتى في الصحافة؛ لأنه من الصعب إفهام الجمهور العربي الغاضب تفاصيل ما قصده هذا الوزير أو ذاك، عندما قال ما قاله وصعد الأجواء من دون داع».

وكتب كبير المحررين في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، إيتان هابر، وهو كاتب معروف بحدته، وكان قد شغل في الماضي منصب مدير عام ديوان رئيس الوزراء في زمن حكومة إسحاق رابين، مقالا له حذر فيه من السياسة الكارثية الانتحارية للحكومة. وأجرى مقارنة بين هذه السياسة وبين سياسة القيادة اليهودية في التاريخ، التي قادت إلى انتحار الجماعي في متسادا في النقب. واختار لمقالته العنوان «في الطريق إلى متسادا»، ليهز الضمائر. ولفت النظر إلى أن المسؤولية لا تقتصر على الحكام، بل إن جميع مواطني إسرائيل يتحملون المسؤولية «لأنهم اعتقدوا أن العالم غبي وأنه سيسمح لهم بـ(عودة صهيون) إلى سبسطية وبيت عور التحتا وفوكين (بلدات في الضفة الغربية أقيمت على أراضيها مستوطنات يهودية)، واعتقدوا أنهم أكثر ذكاء من الجميع، وأنهم يضحكون على الجميع، فقد أرخى العالم لنا الحبل على غاربه، أكثر من 40 عاما، والآن يريد أن يأخذ الثمن».

ويضيف هابر: «بعد 10 أيام، سيرفع مندوبو 130 أو 190 دولة أيديهم مؤيدين الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقريبا سيبدأ الجيش الإسرائيلي بإعداد خطط لخطر نشوب حرب مع مصر، ومع الأردن، ومع ليبيا وطبعا إيران، وربما مع تركيا والفلسطينيين والسوريين. أتذكرون ما كنا نردده في فترة حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، عندما قلنا (لم يكن وضعنا أكثر سوءا أبدا)، هذا هو حالنا اليوم. ومع إضافة النار التي اشتعلت في الأعلام الإسرائيلية في القاهرة، والسلاح النووي الإيراني، وعظمة الجيش التركي، نجد أنفسنا على الطريق إلى متسادا».

أما رئيس تحرير صحيفة «هآرتس» الجديد، ألوف بن، فاعتبر أن «التسونامي السياسي، الذي تنبأ به وزير الدفاع إيهود باراك، قد تحقق حتى قبل توجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة». وكتب يقول: «إن إسرائيل تقف معزولة أمام مصر وتركيا وإيران، اللاتي كن في فترات سابقة حليفات لها.. صحيح أن نتنياهو لا يستطيع تغيير مسار التاريخ، لكنه لم يقم بأي خطوة جدية للتخفيف من تأثيرات هذه الأحداث، والنتيجة هي أن وضع إسرائيل الاستراتيجي تحت قيادته هو الأسوأ في تاريخ إسرائيل».

وكتب المعلق السياسي في التلفزيون الإسرائيلي الرسمي، آري شابيت، في صحيفة «هآرتس»، أمس: «إن اختيار نتنياهو طريق وزير خارجيته أفيغدور ليبرمان، الذي يسميه (طريق القامة المنتصبة) في تعاطيه مع رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، أدى إلى تصعيد المواجهة مع تركيا في وقت يتسم بعدم الاستقرار غير المسبوق في المنطقة. والسياسة نفسها مورست من طرف هذه الحكومة مع الفلسطينيين». وأضاف أن الحكومة حسبت أنها بذلك تضعف لهيب النزاع، لكن النتيجة تبدو انفجار بركان في العالم العربي. والآن يغذي الصراع مع الفلسطينيين والمواجهة مع تركيا بعضهما بعضا، في وقت يتعاظم فيه العداء لإسرائيل في العالم العربي، وطرد السفير الإسرائيلي من أنقرة يتجاوب صداه مع هرب السفير من القاهرة، وفك التحالف مع القوة العظمى الإقليمية في الشمال (تركيا) يؤدي إلى انحلال السلام مع القوة الإقليمية العظمى في الجنوب (مصر)، وعوضا عن تقوية ذاتها في وجه عاصفة الهوريكان المقبلة تصر إسرائيل، كما يقول شابيت، على إضعاف وعزل نفسها نهائيا.

فقط الصحافي ناحوم بارنياع، المراسل السياسي في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، كتب كلمات إيجابية عن حكومة نتنياهو، لكن من باب آخر؛ فقد أشاد بها على تعاملها في موضوع السفارة ببرودة أعصاب. وقال إن المتظاهرين في القاهرة، الذين هاجموا السفارة، أثبتوا أن ما قالته إسرائيل عن الثورات العربية صحيح «فالحكومة لم تنجرف وراء الغرب الذي اعتبر ما يجري في العالم العربي ثورات ربيعية، وأشارت إلى ضرورة الانتظار لرؤية النتائج. وهذه هي النتائج تظهر.. فالثورات التي حملت شعارات الديمقراطية ليست ديمقراطية، بل هي هيجان شعبوي مخضب بالفوضى والانفلات، يضعضع أوضاع الدول التي جاءت الثورات لتغيير أنظمتها ويلحق بها خسائر فادحة، ماديا واقتصاديا وروحانيا». واضطر رئيس الوزراء، نتنياهو، إلى الرد على هذه الانتقادات. فقال إن الإسرائيليين الذين يحملون حكومة إسرائيل مسؤولية حادث السفارة في القاهرة أو الأزمة مع تركيا لا يفقهون شيئا في السياسة ولا في التاريخ؛ فهم يعشقون سياسة جلد الذات. ولا يقرأون في أعماق ما يجري. وأضاف نتنياهو: «يعتقدون بسذاجة أن إسرائيل هي سبب كل مصائب الدنيا، يتجاهلون خلفية الصراعات الداخلية والرؤية الاستراتيجية التي دفعت تركيا إلى افتعال الأزمة مع إسرائيل ويعتقدون أن اعتذارا إسرائيليا كان ينهي القضية فعلا. ويتجاهلون الصراعات في مصر وأولئك الذين يحاربون فيها الوجود الإسرائيلي ويحسبون أن المشكلة هي مشكلة حوادث سيناء».

ورفض نتنياهو القول إن هناك أزمة بينه وبين الإدارة الأميركية، وقال: إن أزمة السفارة والتدخل الشخصي للرئيس باراك أوباما يؤكدان أن الصداقة متينة والتحالف استراتيجي ولا توجد أزمة.