اقتراب موعد انسحاب الأميركيين يغير قناعات عراقيين كثيرين ويدفعهم لطلب بقائهم

مخاوف من حرب طائفية وعرقية وتهديدات الجيران وحكام ذوي ميول ديكتاتورية

TT

اعتاد الشيخ كمال المعموري، زعيم إحدى أكبر القبائل الشيعية في العراق، أن يطلق على القوات الأميركية في العراق اسم غزاة، مطالبا برحيلهم، لأنهم، على حد قوله، قتلوا واعتقلوا أفرادا أبرياء من قبيلته.

لكنه الآن ليس واثقا مما إذا كان يرغب بالفعل في رحيل الأميركيين أم لا، على الأقل لم يحدد بعد. وعلى غرار الكثيرين بمختلف أنحاء العراق، انتابته مشاعر متضاربة وشعر بقدر من الخوف، بعد أن تكشف في الأسبوع الماضي أن الولايات المتحدة ربما تترك قوات يتراوح عددها ما بين 3.000 و4.000 عسكري في العراق العام المقبل.

«لقد أدت التغييرات السياسية التي حدثت هنا والمشكلات الأمنية بالكثير من العراقيين، وأنا من بينهم، لتغيير رأيهم بشأن انسحاب القوات الأميركية»، هذا ما قاله المعموري. تلك وجهة نظر لم يكن سوى القليل من الشيعة ليفصحوا عنها حينما بدا أن الولايات المتحدة لن تغادر العراق مطلقا. ويقول المعموري عن الأميركيين «إنهم يحققون توازنا داخل المجتمع العراقي».

وعلى الرغم من أن العراقيين قد طالبوا الأميركيين بالرحيل منذ بداية الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، فإن احتمال انسحاب القوات الموجودة في العراق التي قوامها 48.000 عسكري قد كشف عن جانب آخر من نفسية العراقيين. إن العراق دولة لا تثق في نفسها، ولا تثق بدرجة كبيرة في قوات الأمن التابعة لحكومتها ولا في قادة هذه الحكومة. يبدو الأمر وكأن الناس هنا لم يعتقدوا فعليا قط بأن الولايات المتحدة ستنسحب، لذلك، فإن كل مطالب الانسحاب لم يتم مطلقا تقديرها بعناية في مقابل التداعيات المحتملة.

هذا لا يعني أن العراقيين غير تواقين إلى التحرر من جيش أجنبي، لكن العراقيين الذين انفرجت أساريرهم بسقوط ديكتاتور يسترجعون بشكل حي حالة الفوضى وإراقة الدماء في أعقاب سقوط نظام صدام حسين الحديدي. فلا يزال العراقيون يتذكرون ذلك الماضي، السنّة ضد الشيعة، والعرب ضد الأكراد.

ويقول محافظ الأنبار محمد قاسم عبد «يجب أن لا نفكر في الاحتلال بشكل عاطفي». وظل عبد طوال ثماني سنوات يطالب برحيل الأميركيين، لكنه بدأ الآن يعيد التفكير في الأمر مع تصاعد العنف في المحافظة. ويضيف عبد «العراق ببساطة ليس مستعدا، ومن الضروري أن يبقى الأميركيون في العراق للحيلولة دون احتلاله من جانب إيران وللمساعدة في منع أعمال العنف. لكننا نعلم أن 3.000 جندي لن يكفوا».

بدوره، يقول متين عبد الله كركوكلي، تركماني عمره 43 عاما من كركوك، إنه «إذا انسحب الأميركيون، ستظهر مشكلات لأنه لن تكون هناك قوة عظمى في الدولة تحظى بالاحترام من الجميع». لكنه استدرك قائلا على نحو يعكس مشاعره المختلطة «إذا بقوا في العراق، فستكون هناك مشكلة أكبر لأن المتمردين والميليشيات سيكون لديهم مبرر لمواصلة أنشطتهم المسلحة».

ليس غريبا على الإطلاق أن يكون الأكراد أو السنّة، الأقليات المقيمة في دولة غالبيتها من الشيعة، أكثر تخوفا من الانسحاب الأميركي. ويخشى الأكراد من أن وجود حكومة قوية يسيطر عليها الشيعة من شأنه أن يهدد الحكم الذاتي الافتراضي الذي ينعمون به في الشمال. إما السنة فإنهم يخشون من العنف من جانب الميليشيات الشيعية.

لكن هناك أيضا حالة من القلق في مناطق غير متوقعة، مثل محافظة بابل، حيث الأغلبية من الشيعة وحيث يشكو السكان بمرارة من الغارات التي تشنها القوات الأميركية في منتصف الليل منذ عام 2003. ولم تخف حدة تلك المشاعر، ولكن تطغى عليها المخاوف من أن تعجز الحكومة العراقية عن سد الفجوة التي ستتركها القوات الأميركية.

وقال المعموري «الأطراف الرئيسية الآن في الحكومة يميلون إلى التصرف كحكام مستبدين». وأضاف: «إنني أخشى من أنه في حالة انسحاب الأميركيين من العراق، فسيكون هؤلاء الأطراف أقرب لديكتاتوريين. ولن تكون قوة قوامها 3 آلاف جندي كافية للتعامل مع أي من التهديدات التي تواجه العراق».

وللعراقيين ثقة محدودة في قدرة حكومتهم على الاحتفاظ ببعض المكاسب المحدودة وبإمكانية استعادة الاستقرار بسبب أعمال التفجير والاغتيالات والهجمات الصاروخية التي ما زالت تحدث بصورة يومية، وإلى حد كبير فإنهم يلقون باللوم على الولايات المتحدة في تمزيق مجتمعهم، ثم التخطيط للانسحاب قبل إصلاح الدمار الذي ألحقوه بالعراق. ولدى كثير من العراقيين قائمة بالأشياء التي ما زالوا يرغبون في أن يقوم بها الأميركيون، منها منع العنف بين الأكراد والعرب بالقرب من مدينة كركوك، وضمان أن رئيس الوزراء نوري كمال المالكي وحكومته لا يستبعدان الأقلية السنية في الدولة.

وقال رعد حمادة (51 عاما)، مهندس نفط من البصرة «بعد أن تشكلت الحكومة العراقية، بدأت أكتشف أن الأميركيين كانوا أفضل بكثير من المسؤولين الحاليين». وأضاف: «أرغب في أن تبقى الولايات المتحدة لفترة أطول لأننا نحتاج لثقافتها ودعمها ومساعدتها لبلادنا في التطور. قوات الأمن الأميركية تسيطر على الميليشيات وتقينا شرورها».

ويعرب الكثير من العراقيين السنة والشيعة أيضا عن مخاوفهم من أن يتمكن الإيرانيون من ممارسة تأثير أكبر في العراق، إذا ما أبقت الولايات المتحدة على 3.000 جندي فقط في العراق. وقال خليف مجبل الجبوري، مزارع عمره 51 عاما من الحويجة «الأميركيون أهانوننا وقاموا باجتثاث حزب البعث وخلقوا نزاعا طائفيا». ويقول المحللون هنا إن قوات الأمن العراقية قد كرست قدرا كبيرا جدا من جهودها لمحاولة وقف العنف داخل حدود الدولة إلى حد أنها فشلت في تأمين نفسها ضد أي تهديد خارجي. وفي بغداد، خلت الوزارتان الأساسيتان المسؤولتان عن الأمن - وهما وزارتا الداخلية والدفاع - من قادة دائمين لمدة عام ونصف بسبب الصراع السياسي في بغداد.

ويقول مثال الألوسي، سني علماني ونائب سابق في البرلمان عن حزب الأمة العراقي «يرى الإيرانيون أنهم قد حققوا إنجازا لأن الأميركيين سيبقون 3.000 عسكري فقط في العراق». ويضيف «الإيرانيون وعملاؤهم مبتهجون».

* خدمة «نيويورك تايمز»