«القاعدة» تبتز أهالي الموصل في وضح النهار مستغلة ضعف الأمن

اعترافات مروعة لشبكة إجرامية قتلت 40 سائق سيارة أجرة من بغداد ودفنتهم في الدجيل

TT

يقر مسؤولون محليون في الموصل، مركز محافظة نينوى، بنفوذ تنظيم القاعدة في المدينة وتأثيره على أهاليها إلى حد إرغامهم جهارا، خصوصا أصحاب المتاجر وغيرها من الأعمال، على دفع الإتاوات له. وباتت قوة تنظيم القاعدة الأشد بأسا تقتصر على مدينة الموصل ثاني أكبر مدن العراق (1.6 مليون نسمة)، بعد المعارك التي خاضتها ضد القوات الأميركية وقوات الأمن العراقي حتى نهاية عام 2008.

ويعترف جاسم الجبوري، صاحب محطة وقود في الموصل، بأنه يرغم على بيع الوقود مجانا إلى مسلحي هذا التنظيم ودفع المال لهم، خشية أن يقتل أو تحرق محطته التي أغلقها مرتين لينفد بجلده، لكن قوات الأمن لاحقته على أثر ذلك بتهمة التسبب بأزمة وقود في البلاد. ويقول الجبوري الخمسيني الذي يدير محطة خاصة في الجانب الغربي من مدينة الموصل التي تقع على بعد 350 كلم شمال بغداد «نحن نعيش بين المطرقة والسندان». ويوضح «إذا فتحنا المحطة لنبيع الوقود تأتي جماعة القاعدة ويأخذون الوقود مجانا ويطلبون أن ندفع لهم المال بذريعة (الدفاع عن البلاد وإخراج المحتل) وإذا أغلقنا المحطة تتهمنا قوات الأمن بالتعاون مع الإرهاب وخلق أزمات في البلاد ويلقون بي في السجن لأسبوع أو أسبوعين». وأكد الجبوري «نحن مجبرون على أن ندفع حتى لا نقتل أو تقطع أرزاقنا».

ويدفع غالبية التجار ورجال الأعمال ما لا يقل عن 150 دولارا شهريا إلى مسلحين ينتمون إلى تنظيم القاعدة، حسبما أكد سكان في المدينة. ويروي أبو محمد الرجل الأربعيني الذي يكسب رزقه من تشغيل مولد كهرباء في الجانب الشرقي من المدينة قائلا: «أدفع لأنهم يهددوني ويقولون (إذا كنت زايد (فائض) على عائلتك لا تدفع)» في إشارة للتهديد بالقتل. وحمل أبو محمد المسؤولية للحكومة قائلا: «أين الأمن الذي وعدتنا به الحكومة الجديدة».

ويعترف مسؤولون محليون في الموصل المدينة التي كان يعمل أكثر أبنائها إبان نظام صدام حسين في القوات المسلحة وقوات الأمن، بسيطرة تنظيم القاعدة «وإرغام الأهالي على دفع الأموال، حسبما أكد رئيس اللجنة الأمنية في محافظة نينوى عبد الرحمن الشمري. وقال الشمري في اتصال هاتفي مع وكالة الصحافة الفرنسية «هناك نشاط قوي وحقيقي لتنظيم القاعدة في نينوى عموما وفي الموصل أكثر» من باقي المناطق. وأضاف أن «(القاعدة) موجودة في عموم مدينة الموصل خصوصا في الجانب الأيمن» غرب وجنوب مدينة الموصل، حيث الغالبية من العرب السنة.

وبرر الشمري الأمر بـ«وجود حدود طويلة لمحافظة نينوى مع سوريا وغياب الثقة بين سكان الموصل وقوات الأمن ما يجعلهم يخشون الوقوع بيد الإرهابيين في حال التعاون والإبلاغ عن أي نشاط لـ(القاعدة) إضافة إلى سوء تصرف بعض الأجهزة الأمنية مع الأهالي الأمر الذي يمنعهم من التعاون معها»، كما قال. يشار إلى أن غالبية عناصر الشرطة من أبناء محافظة نينوى فيما غالبية العسكريين من أهالي محافظات وسط العراق وجنوبه. وأكد الشمري أن «(القاعدة) تبتز أصحاب المعامل والمحال التجارية ومولدات الكهرباء والصيدليات وغيرها وتفرض عليهم دفع مبالغ لهم» بهدف تمويل نشاطاتها.

ويستغل المتشددون في الموصل المساجد للسيطرة على أفكار الناس، حسبما أكد ضابط برتبة رائد في شرطة المدينة. وقال الرائد مفضلا عدم كشف اسمه أن «عناصر (القاعدة) ويطلق عليهم هنا (دولة العراق الإسلامية) مسيطرون على أهالي الموصل من منطلق الجهاد ويفرضون سيطرتهم على ثقافة الناس خصوصا الذين يترددون على الجوامع، تحت شعار الجهاد ضد المحتل». وأضاف أن «أكثر الدعم الذي يحصلون عليه هو من رجال الأعمال في الموصل، فلا يمكن لأي مقاول مثلا إنجاز عمل دون أن يدفع نسبة خاصة» لـ«القاعدة» «وإلا تهدم البناية التي ينجزها». وإلى جانب «القاعدة» نشطت في السنوات الأخيرة مجموعات إجرامية أخرى في العراق مستغلة ضعف أجهزة الأمن وهذا ما أكده العثور أخيرا على مقبرة جماعية في الدجيل (نحو 50 كيلومترا شمال بغداد) تضم رفات 40 سائق سيارة أجرة من بغداد خطفتهم على امتداد العامين الماضيين عصابات قتلتهم واستحوذت على سياراتهم، حسبما نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مصادر أمنية عراقية. وأعلنت الشرطة أنها اعتقلت 3 مشتبها بهم الأسبوع الماضي، بينهم شخص يعتقد أنه رئيس العصابة، وأنهم أدلوا باعترافات مرعبة. وورد أن رئيس العصابة كان يذهب إلى بغداد ويطلب من سيارة أجرة حديثة إيصاله إلى الدجيل حيث ينتظر بقية أفراد العصابة وينقضون على السائق ويقتلونه ثم يدفنونه ويستولون على سيارته.