معتقلون أفغان سابقون بغوانتانامو يرون الحاضر أكثر كآبة من الماضي

أحدهم قال إن بقاء جنود الناتو في أفغانستان يزيد من قوة حركة طالبان

حاجي شاه زاد
TT

لا يترك حاجي شاه زاد منزله يوما من دون ورقة مطواة بأناقة تعتبر أقرب إلى اعتذار من الولايات المتحدة، بعد سجنه داخل غوانتانامو لأكثر من عامين.

وجاء في ورقة إطلاق سراحه التي تعود إلى أبريل (نيسان) 2005: «قُرر أن هذا الشخص لا يطرح تهديدا للقوات المسلحة الأميركية أو المصالح الأميركية داخل أفغانستان، وهذه الورقة غير مسؤولة عن أي سلوك خاطئ مستقبلا».

ولا تستطيع هذه الكلمات التخفيف عن شاه زاد بالقدر الكافي، في حين يكد المعتقل السابق بغوانتانامو من أجل إعادة بناء حياة، قال إنها تعرضت للتدمير، في بلد يراه في حال أسوأ مما كان عليه قبل عقد من الزمان، عندما اجتاحته القوات الأميركية وتعهدت بإعادة بناء أفغانستان وتأمينها وتطويرها.

وكما الحال مع معتقلين آخرين كثر سجنوا في غوانتانامو وأجريت معهم مقابلات، قال شاه زاد إنه يرى أن حصيلة الغزو الأميركي لبلده أشد سوءا من أعوام قضاها في معتقل غوانتانامو.

يشار إلى أنه منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، اعتقلت الولايات المتحدة أكثر من 200 أفغاني بخليج غوانتانامو. وأطلق سراح معظم المعتقلين الأفغان، ما عدا 20 معتقلا. والآن في بلدهم التي مزقتها الحرب، يعد هؤلاء الرجال إرثا لما يقال إنها المؤسسة الأسوأ سمعة أثناء الحرب الأميركية على الإرهاب. وتعكس اتجاهاتهم المختلفة تداعيات غير مقصودة لسلوك الولايات المتحدة في هذه المعركة.

لقد رفع البعض السلاح مجددا ضد الأميركيين وحلفائهم، وبقي آخرون بعيدا عن ساحة المعركة، ولكنهم يعتبرون فترة اعتقالهم في غوانتانامو وسام شرف، ويعربون عن دعمهم لحركة طالبان. وهناك من فضلوا طي صفحة الماضي، بل ذهبوا إلى ما هو أبعد بالإبقاء على خط تواصل مفتوح مع مسؤولين غربيين داخل أفغانستان.

ويقول شاه زاد إنه لا يزال يشعر بالغضب الشديد، ولا يمكنه التسامح مع ما حدث معه، ولكنه يخشى القتال مجددا. وأضاف الرجل الذي يبلغ من العمر 50 عاما، بينما كان يجلس في غرفة معيشة داخل كابل، ممسكا بيديه مسبحة: «أخشى على حياتي، لقد دمروا حياتي، وجعلوني في وضع مخز».

قبل أن يدفع اختطاف أربع طائرات أميركية الولايات المتحدة لتعبئة جنود وطائرات داخل أفغانستان، كان شاه زاد يرعى بستانا في قرية داند، وهي قرية في محافظة قندهار الجنوبية، مهد حركة طالبان.

في عقد الثمانينات من القرن الماضي، كان شاه زاد بين أفغان رفعوا السلاح لطرد الروس. وبعد أن رحل الروس وشكلت حركة طالبان حكومة جديدة، قال إنه انكفأ على نفسه. وقال في إشارة للحركة الإسلامية الأصولية: «كانوا يعاملون الناس مثل الحمير، وليس كبشر».

مضت أيام عدة قبل أن يأتي خبر أسوأ هجوم على التراب الأميركي إلى قرية شاه زاد المتربة. ومضت أسابيع قبل أن يقوم الأميركيون بالغزو من باكستان المجاورة بحثا عن قيادات لتنظيم القاعدة وطدت أقدامها في هذه الدولة الفقيرة. ومر أكثر من عام وأربعة أشهر قبل أن يقوم الجنود الأميركيون باقتحام منزله، وفي الساعات الأولى من التاسع والعشرين من يناير (كانون الثاني) 2003، أخذه الجنود حيث كانوا يشكون في أن له علاقة بتنظيم القاعدة وحركة طالبان، بحسب ما قال شاه زاد.

وبعد ذلك رأى مسؤولون في غوانتانامو أن المعلومات الاستخباراتية الخاصة به «متوسطة» في قيمتها، ومشكوك في دقتها، وفقا لما ذكرته وثائق عسكرية لا تتضمن دليلا على أنه شارك في أعمال متطرفة. وقام محققون باستجوابه لأشهر حول رجل كان في منزله ليلة إلقاء القبض عليه، وعن إرهابيين مشتبه فيهم آخرين، حسبوا أنه يعرفهم، وفق ما قاله شاه زاد.

وقال أمام لجنة قضائية داخل غوانتانامو قبل أشهر من إطلاق سراحه: «إذا عثرتم بعد 20 عاما من الآن أو حتى بعد 100 عام على أي دليل يقول إني ساعدت حركة طالبان، أو شاركت في أي عمل له علاقة بحركة طالبان، فاقطعوا رقبتي». وأطلق سراح شاه زاد في كابل في التاسع من أبريل 2005. وبعد أن مضى بالسيارة تسع ساعات، وجد أن مسقط رأسه تغير كثيرا. لم تكن حركة طالبان قد عادت بصورة درامية إلى المنطقة التي تأسست فيها، ولكنه قال إن تدفق الأموال التي أغدقها الأميركيون وحلفاؤهم على جنوب أفغانستان كان له تأثير دراماتيكي.

وقال: «رأيت مباني ومشاريع إعادة إعمار، وتسبب ذلك في حالة من الانقسام بين المواطنين، فإذا حصل شخص على أموال لبناء مبنى، ربما ينقلب أقاربه عليه».

وبعد مرور عامين على عودة شاه زاد، سعى أعضاء حركة طالبان لتجنيده، في حين عززوا من سيطرتهم على مدينة قندهار والمناطق المحيطة بها. ويتذكر ذلك قائلا: «قالوا إنه بما أنني كنت في غوانتانامو، فيجب علي أن أقف إلى جوارهم، وأن ألحق ضررا بالأميركيين. وعندما قلت لهم إني لست مستعدا للانضمام، وصفوني بالإلحاد». وقال شاه زاد إنه لم يكن أمامه خيار غير ترك حقوله والانتقال إلى نوع من الأمن النسبي في عاصمة المحافظة التي سرعان ما نشب فيها القتال. لقد أجبر الكثير من معتقلي غوانتانامو على ترك مدنهم مع انتشار القتال في مختلف أنحاء البلاد خلال الأعوام الأخيرة، بحسب ما قاله حاجي صاحب روح الله وكيل، المعتقل السابق بغوانتانامو. ويعيش روح الله لاجئا في كابل بعد أن كان زعيما قبليا في محافظة كنر الشرقية. ويقول روح الله، الذي قال إنه قابل مؤخرا السفير الأميركي لدى أفغانستان، وقائدا بارزا في الناتو، لمناقشة احتمالات حدوث سلام: «لدي منزل في كنر، ولكني لا أستطيع العيش فيه بسبب انعدام الأمن».

وقال روح الله (49 عاما) إن الكثير من المعتقلين السابقين في غوانتانامو أصبحوا منبوذين في أعين تحالف الناتو، الذي تقوده الولايات المتحدة، والخدمة الاستخباراتية الأفغانية، ومديرية الأمن الوطني.

ويضيف روح الله: «هناك أشخاص تعبوا كثيرا من القوى الخارجية ومديرية الأمن الوطني، ولذا عادوا إلى التمرد». وقال سياماك هراوي، المتحدث باسم الحكومة الأفغانية، إن معظم الأفغان الذين كانوا معتقلين في غوانتانامو يعيشون «حياة طبيعية» بعد أن أطلق سراحهم. وقال إن الحكومة تقدر أنه ما بين ثمانية إلى 10 في المائة عادوا للانضمام لمجموعات مسلحة تحارب الحكومة المدعومة من الناتو. وقال روح الله إنه لا يُكِن مكروها للأميركيين الذين اعتقلوه لأكثر من خمسة أعوام. ولكنه قال إن استراتيجيتهم في الحرب على مدار الأعوام تسببت في أضرار أكثر من المكاسب. وقال إن الحكومة الأفغانية التي يعززها الغرب ويمولها ضعيفة وفاسدة. وأضاف أن الأفغان ما زلوا يعتقلون من دون توجيه تهم لهم، وتتم مقاضاتهم في نظم غير عادلة. ويرى روح الله أن بقاء جنود الناتو في أفغانستان يزيد من قوة حركة طالبان والمجموعات المتحالفة معها.

وقال: «وجود القوات الأجنبية يعطي ذريعة لحركة طالبان، وبمجرد رحيل هذه القوات، سيقف الشعب ضدهم ويدافعوا عن مناطقهم ومحافظاتهم». ولكن نظرة شاه زاد للأمر أكثر كآبة، حيث يرى أن الخلافات التي أثارها الغزو الأميركي داخل المجتمع الأفغاني ستؤدي إلى زيادة في سقوط الدماء بغض النظر عن سرعة رحيل الأجانب. وقال: «ما قاموا به هو إثارة المزيد من الخصومات، وبمجرد رحيل الأميركيين سيخلفون وراءهم نهرا من الدماء».

* أسهم في التقرير الباحثة جولي تات من واشنطن، جاويد هامدارد، وسيد صلاح الدين من كابل

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»