«حروب 11 ـ 9» خط فاصل في التاريخ بين «قبل» و«بعد» الهجمات

استكمالا لكتاب «القاعدة: القصة الحقيقية للإسلام المتطرف»

كبير محرري «الـ أوبزرفر» البريطانية جاسون بيرك في افغانستان
TT

مرت عشر سنوات على هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) المشؤومة، وهو اليوم الذي يراه كثيرون على أنه خط فاصل في التاريخ بين «قبل» و«بعد» الهجمات وبين العالم قبل هذا الهجوم المأساوي الذي أودى بحياة ما يقرب من 3000 شخصا، وبعد تداعياته الأكثر مأساوية، التي أسفرت عن عدد من القتلى يفوق عدد ضحايا الحادث بمرات كثيرة. ويقوم الكاتب جيسون بيرك كبير محرري «أوبزرفر» البريطانية بتعريف سلسلة من الأحداث القاتلة التي نجمت عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر في كتاب يحمل اسم «حروب 11 - 9».

ويأخذنا هذا الكتاب المكون من 700 صفحة وستة أجزاء من دار نشر «بنجوين», إلى رحلة تبدأ بهجوم تنظيم القاعدة على مركز التجارة العالمي والبنتاغون عام 1993 التي أدين فيها عمر عبد الرحمن الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية المصرية المحتجز حاليا في سجن كلورادو، مرورا بحروب أفغانستان والعراق، وانتهاء بـ«الربيع العربي» الذي يزهر الآن في الشرق الأوسط.

ويعد بيرك الرجل الأمثل لتلك المهمة، حيث قضى فترة طويلة جدا كمراسل بريطاني بالخارج متنقلا بين باكستان وأفغانستان، ولذا فهو يتمتع بخبرة كبيرة بكل الأماكن التي يصفها ويتحدث عنها في كتابه، سواء كان هذا في وزيرستان أو قندهار أو الفلوجة.

وعلاوة على ذلك، يمتلك بيرك خلفية قوية عن هذا الموضوع، ولا يزال كتابه السابق «القاعدة: القصة الحقيقية للإسلام المتطرف» بمثابة مادة ثرية لكل من يريد أن يعرف مزيدا من المعلومات عن تنظيم القاعدة بصفة خاصة والراديكالية الإسلامية بصفة عامة.

ويركز كتاب «حروب 11 - 9» الصادر في الذكرى العاشرة للهجمات, على الناس العاديين المتضررين من هذه الحروب، ويوجه بيرك حديثه لكل الأشخاص المتورطين في هذا الصراع، بدءا من الأكاديميين وحتى الجواسيس، ومن رجال الدين وحتى تجار السوق، كما يتحدث إلى الجنود العاديين والجنرالات على حد سواء، وحتى الانتحاريين الذين غيروا رأيهم في اللحظة الأخيرة. وقدم بيرك رؤية متماسكة للنسيج الواسع والمترامي الأطراف للحرب العالمية على الإرهاب.

ويتجنب بيرك استخدام عبارات عامة للحديث عن الأسباب التي أدت إلى هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وانعكاساتها في واقع الأمر، وقام بدلا من ذلك بالتركيز على الأوصاف والتفاصيل المحلية. ويؤكد بيرك على أن سلسلة الصراعات التي شهدناها على مدار العقد الماضي ليست نتيجة لصراع الحضارات أو المواجهة بين الأديان المختلفة أو بين العلمانيين والمؤمنين أو الشرق والغرب أو حتى الصراعات بين «العالم الذي يملك» و«العالم الذي لا يملك». وبدلا من ذلك، يرى بيرك حروب الحادي عشر من سبتمبر «مصفوفة فوضوية من الحروب المتشابكة متعددة الكفاءات، ولكنها أيضا حروب قاتلة»، حيث قام كل بلد أو مجتمع بتكييف الصراع للاستفادة منه بصفة خاصة. وحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على سبيل المثال، استخدام هجمات الحادي عشر من سبتمبر لكي «يصف الحرب الوحشية في جمهورية الشيشان الانفصالية على أنها معركة ضد التطرف الإسلامي».

وكان بيرك واضحا للغاية فيما يتعلق بالطبيعة المعقدة ومتعددة الأوجه لهذا الصراع، كما تجنب السرد الآيديولوجي الذي يحاول تلخيص هذا الصراع الفوضوي بدقة، سواء كان ذلك من تنظيم القاعدة أو الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش. ولا يرى بيرك تنظيم القاعدة «محور الشر» الموحد، ولكن يرى أنه «حركة غير متبلورة وديناميكية ومجزأة وتعتمد بصورة أكبر على العلاقات الشخصية ووجهة نظر عالمية مشتركة، أكثر من اعتمادها على عضوية رسمية لمنظمة ما».

ويغطي كتاب «حروب 11 - 9» جميع الصراعات الكبرى التي حدثت منذ تلك الهجمات، أو بالأحرى التي وقعت بسبب تلك الهجمات: سقوط حكم حركة طالبان ونظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، والتمرد الدموي والحرب الأهلية في العراق، وتفجيرات تنظيم القاعدة في لندن ومدريد، والعودة إلى حركة طالبان في أفغانستان بعد خمس سنوات.

ويصف بيرك حرب العراق بأنها «خطأ استراتيجي بشع»، ويلقي الضوء على فشل كل من الولايات المتحدة وتنظيم القاعدة في هذا الصراع، حيث نظر كل منهما إلى هذه القضية على أنها جزء من الحرب العالمية وفشل في مراعاة الوضع الخاص للعراق والهوية المحلية وطبيعة العراق. بالإضافة إلى ذلك، كتب بيرك بقوة عن سخافة السياسات الغربية على الأرض في العراق.

ويكتب بيرك اللندني، الذي لديه معرفة وثيقة بجنوب آسيا، بصورة جيدة للغاية عن البنية السياسية والاجتماعية للصراع في أفغانستان وباكستان والمناطق القبلية التي توجد بينهما. وربما يعد الفصل الذي يتحدث فيه عن هذه المنطقة المتمردة على القانون والجماعات المتطرفة التي استوطنت في تلك المنطقة أفضل فصول هذا الكتاب، كما ذكر أيضا أن منظمة «عسكر طيبة» يمكن القول إنها أكبر منظمة إسلامية متطرفة تنتهج العنف في العالم.

وكتب بيرك بدقة بالغة عن العلاقة بين وكالة الاستخبارات العسكرية الباكستانية والجهاديين الذين يأملون أن يستخدموهم في منافساتهم الإقليمية مع الهند، مؤكدا على أن ذلك أصبح يشكل تهديدا خطيرا للغاية للاستقرار العالمي، مثل تنظيم القاعدة.

ويتفق بيرك على أن تنظيم القاعدة اليوم أضعف منه قبل عقد من الزمان، وأن آيديولوجياته قد فقدت الكثير من رونقها في الشرق الأوسط، خاصة مع ظهور «الربيع العربي». وعلى الرغم من ذلك فهو غير مستعد بعد لحذف تنظيم القاعدة بصورة كاملة، مؤكدا على أنه ما زال يشكل تهديدا في كل من باكستان وأفغانستان. ويبرز تقرير بيرك عن العقد الماضي وسط تقارير أخرى مماثلة كتبها أكاديميون ودبلوماسيون وهذا بفضل خبرته الإقليمية من الدرجة الأولى وحنكته وقدرته على جذب القارئ ووصف الأحداث بطريقة مقنعة وجاذبة للانتباه. وعلى الرغم من ذلك، فإنه بسبب الحكايات الشيقة والملاحظات الشخصية التي تزيد من جمال هذا الكتاب، فإن الكتاب أقرب إلى عمل أكاديمي أو علمي، كما أنه مثال على تحقيق صحافي من الدرجة الأولى.

إن أكبر نقطة قوة في هذا الكتاب نظرته العامة المفصلة والمتوازنة عن العقد الماضي، عوضا عن تقديمه لنظرية جديدة عما يبقى وضعا معقدا ودائم التغير. وعلى الرغم من ذلك، فإنه في وقت يتم فيه نشر الكثير من الكتب التي تتحدث عن الإرهاب، نحو 11000 كتاب، بحسب بيرك، مقارنة بما يقل عن 1000 كتاب قبل أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، فإن كتاب «حروب 11 - 9» يجب أن يعد أحد أفضل هذه الكتب.