بري - الحريري: أفق الأزمة تحدده المواقف من المحكمة الدولية

مصادر الحريري لـ«الشرق الأوسط»: بري اتخذ موقفا متشددا وعنيفا تجاه القضايا الخلافية

TT

زادت وثائق «ويكيليكس» التي نشرتها صحيفة «المستقبل» الأسبوع الفائت، من حجم الهوة السياسية بين رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري، «حتى وصلت إلى حد القطيعة»، فيما عززت الردود عليها الخلافات التي بدأت مطلع العام الحالي بالتزامن مع إسقاط حكومة الحريري، عبر استقالة وزراء حركة أمل التي يترأسها بري، وحزب الله منها.

وتشير الردود الصحافية إلى أن قرارا اتخذ بالمواجهة حتى النهاية. علما أن بري، لم يصل خلال تجربته السياسية، إلى حد القطيعة مع أحد من الخصوم السياسيين، وعرف بديناميته وقدرته على تذليل الصعوبات و«تدوير الزوايا»، وبقي على اتصال بالجميع، حتى في ذروة الخلافات، وفي المحطات المفصلية المحتدمة.

المتابعون لتفاصيل الخلاف، يستعيدون فورا تجربة بري مع رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، ويتوصلون إلى أنها «لا تشبه بتاتا العلاقة بين بري والحريري الابن». المقربون من الرئيسين، يسجّلون فروقات جوهرية في التعاطي السياسي، والعلاقة الشخصية التي غالبا ما كانت تتداخل لحل خلافات سياسية مع الحريري الأب. ويُنقل عن بري نظرته الشخصية تجاه رئيس الحكومة الأسبق، إذ كان يعتبره «أقل رؤساء الحكومات اللبنانية مذهبية»، و«لم يكن يفكر بتاتا بمنطق طائفي». ويؤكد العارفون بالرئيسين أن «العلاقة بينهما كانت تتوتر أحيانا، بسبب خيارات سياسية، لكن المصلحة الوطنية العليا، والشخصية أحيانا، كانت تقضي بإزالة التوتر على قاعدة الاتفاق المباشر». باختصار، «الخلاف السياسي بين رفيق الحريري ونبيه بري، لم يكن يفسد للود قضية، وكان التعاطي يتم من باب المودةّ الشخصية لحل النزاعات». لكن، ماذا تغير الآن في العلاقة مع الرئيس السابق سعد الحريري؟

مصدر مقرب من رئيس مجلس النواب، أرجع التوتر البالغ في العلاقة بين بري والحريري، إلى اعتقاد تيار المستقبل أن «رئيس مجلس النواب يقف وراء استقالة نواب المعارضة السابقة من حكومة الحريري»، مستغربا «تجاهلهم الدور الذي لعبه بري منذ عام 2005 على خط الحوار والتقريب بين الفرقاء، وفتح قنوات التواصل والتقريب في وجهات النظر، وصولا إلى اتفاق الدوحة في عام 2008». وأشار المصدر في اتصال مع «الشرق الأوسط» إلى أن تيار المستقبل «لا يرى أسباب استقالة الوزراء إلا كيدية، فيما الواقع أن السبب الحقيقي للاستقالة يعود إلى أن عمل الحكومة كان مجمدا».

ولا يتوقف الأمر على رؤية تيار المستقبل لدور بري في إنهاء حكومة الحريري. إذ يعتبر المستقبليون بري، «داعما أساسيا لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ويعمل بجهد على إخماد الحرائق التي تشتعل بين أطرافها، بالإضافة إلى كونه منظّر الحكومة، ولا يوفر جهدا لحمايتها من الأزمات»، مستدلا إلى تدخله في إقرار ملف الكهرباء «الذي أنهى خلاف حاد بين أقطاب الحكومة نفسها»، عدا عن أنه «أفتى بإخراج الحكومة إلى الضوء، بعد تعثر ولادتها، عبر فتواه الدستورية الشهيرة بالتنازل عن أحد وزرائه من الطائفة الشيعية لصالح وزير من الطائفة السنية لأول مرة في تاريخ لبنان». ولعل دور بري في جعل الحكومة متماسكة، «يُعد سببا رئيسيا لاحتدام الخلاف، نظرا للعب بري دور رافعة الحكومة في المحطات المفصلية».

في المقابل، يؤكد مصدر مطلع على تفاصيل الخلاف أن بري «يعتبر أن الحريري وفريقه السياسي، لعبوا دورا سلبيا في تخريب أي تقارب بين المملكة العربية السعودية وسوريا خلال العام الماضي، أي ما قبل الفترة التي سبقت الثورات العربية، عبر تقارير وزيارات من قبل فريق الحريري السياسي، أثرت سلبا على ذلك التواصل». ويرى أن توتر العلاقة بين القطبين العربيين «سبب إضافي وجوهري لتوتر العلاقة بين بري والحريري وتأزمها، خصوصا أن بري يقرن أي حلّ في لبنان، بتوافق المملكة وسوريا، والعلاقات الممتازة بينهما».

غير أن خطاب الحادي والثلاثين من شهر أغسطس (آب) الماضي الذي ألقاه بري في ذكرى تغييب السيد موسى الصدر، كان الحد الفاصل للعلاقة بين القطبين السياسيين البارزين، إذ جاء المضمون حاسما بالنسبة لقضايا خلافية لبنانية مثل السلاح والمقاومة. وجدد رئيس البرلمان تأكيده في بعلبك على معادلة «الجيش والشعب والمقاومة»، مشددا على أن «فكرة ومشروع ووجود المقاومة أمر غير قابل للنقاش»، معتبرا أن «المقاومة هي نتيجة للعدوان والذي لا يزال مستمرا بل ومتصاعدا ومتطورا، كان على أبنائنا وأرضنا ومياهنا فأصبح بالإضافة إليها على نفطنا أيضا». ويرى المصدر المقرب من بري أن تمسكه بالمقاومة، «ينطلق من ثوابت بأن المقاومة نتيجة وليست سببا، كما أن السلاح ضرورة للمقاومة كي تواصل عملها في الدفاع عن لبنان انطلاقا من قاعدة التلاحم بين الجيش والشعب والمقاومة».

إزاء هذا التأكيد، لم يعد الواقع بعد الخطاب كما هو قبله. انفجرت العلاقة بين الرئيسين، وخرجت وثائق «ويكيليكس» التي تكشف عن آراء بري إزاء القضايا الخلافية، من حزب الله، إلى حرب يوليو (تموز)، إلى حادثة 7 مايو (أيار) الشهيرة، على صفحات جريدة «المستقبل» المحسوبة على الحريري. وفي المقابل، صدرت ردود الرئيس بري في بيانات تدحض كل ما ورد في الوثائق، وتتهم الجريدة، ومن خلفها، بمحاولة النيل من بري وموقعه التوفيقي بين الأفرقاء اللبنانيين.

مصادر مقربة من الرئيس سعد الحريري، لا تنفي أن خطاب بري الأخير «ساهم في إبعاد الطرفين عن التواصل». ويرى المصدر، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، أن الخلاف وقع على خلفية «خيارات استراتيجية»، لافتا إلى أن «بري اتخذ موقفا متشددا وعنيفا في خطاب بعلبك، تجاه القضايا الخلافية اللبنانية التي كانت تبحث على طاولة الحوار، وهو ما ساهم في تعميق الخلاف»، لافتا إلى أن نشر وثائق «ويكيليكس»، الذي أخرج الأزمة إلى العلن، لم يتم اختيار توقيته ردا على خطاب بعلبك.

ويرفض المصدر إطلاق صفة «القطيعة» على العلاقة الحالية بين بري والحريري، مؤكدا أن «العلاقة السياسية لم تنقطع، ولا تنقطع». وقال: «شهد الأسبوع الماضي ردود فعل قوية وغير مبررة على وثائق ويكيليكس التي نشرت في جريدة المستقبل، تحول إلى هجوم على تيار المستقبل، لكن الردود مفهومة»، موضحا أن «جريدة المستقبل نشرت وثائق كان سبق ونشر قسم منها في صحف أخرى قبل فترة، وحين باتت متوفرة بكاملها، عمدت الصحيفة إلى نشرها من غير زيادة أو نقصان».

وأضاف: «ما يفهم من ردود الفعل، أن المضمون يضع الرئيس بري، إلى درجة معينة، في صورة تحقيق أهداف فريق 14 آذار المتعلقة بموقفه من الحرب وسلاح حزب الله والقرار 1559 وتهريب السلاح ومفهوم الدولة»، مشددا على أن «تلك المواقف ليست ذنبا في قاموس 14 آذار، لكن الكشف عن المواقف علنا، له وقع معين عند جمهور الثامن من آذار، من غير أن ننفي تداعياته، كما أن حزب الله لا يرضى بإظهار بري، من خلال كلامه، وكأنه غير منسجم مع قناعات حزب الله فيما يخص سلطة الدولة وتطبيق القرارات الدولية، أو ملتزم بها».

وحول سؤال عن رؤيته لأفق العلاقة بين بري والحريري، نفى المصدر أن يكون الخلاف شخصيا، معتبرا أنه «بمعزل عن البعد الشخصي في الخلاف، تعتمد العلاقة على مواقف بري من استحقاقات أساسية أمام الحكومة، أهمها بند تمويل المحكمة الدولية». وأضاف: «المواقف التي سيتخذها بري من المحكمة وسائر الاستحقاقات، بصفته رئيسا لمجلس النواب ورئيسا لحركة أمل، بمعزل عن الضغوط، ستحدد العلاقة مع الحريري».