مصادر إسرائيلية تحاول إقناع الكونغرس بعدم قطع مساعدات الفلسطينيين

رغم الموقف الرسمي ضد السلطة

TT

على الرغم من الموقف الرسمي للحكومة الإسرائيلية ضد توجه السلطة الفلسطينية للأمم المتحدة طلبا لعضوية دولة فلسطين، الذي يتسم بالتهديدات العسكرية وباحتجاز أموال الجمارك، تحاول عدة مصادر سياسية وعسكرية في إسرائيل إقناع قادة الكونغرس الأميركي بالتراجع عن تهديدهم بقطع المساعدات عن السلطة في حال توجهها إلى مجلس الأمن الدولي طالبة الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 1967.

وقالت شخصية إسرائيلية ممن شاركوا في جولة محادثات في واشنطن، الأسبوع الماضي، إن المنطلق الإسرائيلي في محاولات الإقناع هذه يعود إلى رؤية المصلحة الإسرائيلية أولا، لكن أيضا المصلحة المشتركة لمحبي السلام من الطرفين «فالمساعدات السنوية الأميركية للسلطة الفلسطينية تبلغ اليوم 800 مليون دولار، 300 مليون منها تذهب لدعم المشاريع التعليمية والإنسانية والزراعية والصناعية والمياه وغيرها، و100 مليون لقوات الأمن الفلسطينية و200 مليون لميزانية السلطة و200 مليون لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين. فإذا توقفت هذه المساعدة، ستكون النتيجة قاسية جدا؛ حيث إن جهاز الأمن سيضعف والاقتصاد سيتعطل وسيسهم هذا في تدهور الأوضاع».

وأضافت هذه الشخصية، التي فضلت عدم نشر اسمها، أن الجهود الإسرائيلية هذه التقت جهودا مماثلة من البيت الأبيض ووزارة الخارجية «لكن الأجواء في الكونغرس بدت سلبية للغاية، وقد اصطدمنا بجدار سميك من الرفض؛ فهم يريدون تقليص المساعدات الخارجية برمتها، لكي يمولوا قسما من تكاليف مشروع الرئيس باراك أوباما لمعالجة الأزمة اقتصادية، الذي يحتاج إلى 400 مليار دولار. وهناك من يقترح منهم وقف المساعدات الأميركية للأمم المتحدة أيضا. وهم غاضبون على الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، الذي رفض كل دعواتهم لتأجيل طرح مشروع الاعتراف وأصر على التوجه نحو خطوة أحادية الجانب، غير آبه بما ستسببه من حرج للرئيس أوباما في الداخل والخارج جرَّاء اضطراره لفرض الفيتو في مجلس الأمن. وهم غاضبون على المصالحة مع حركة حماس. ويتساءلون، وفقا للشخصية المذكورة: «هل هكذا يريدون دعم الغرب لمطلبهم في الحرية والاستقلال؟».

وفي تقويم للوضع داخل الإدارة الأميركية، ذكرت مصادر إسرائيلية، أمس، أن أوباما ومساعديه نفضوا أيديهم من الصراع في الشرق الأوسط؛ لأنهم غاضبون من الموقفين الإسرائيلي والفلسطيني. وأشارت إلى أن أوباما لم يكلم الرئيس عباس منذ محادثتهما الطويلة في فبراير (شباط) الماضي، التي حاول إقناعه خلالها بعدم التوجه إلى الأمم المتحدة. ولم يكلم نتنياهو منذ اللقاء الفاشل بينهما في مايو (أيار) الماضي، واضطر لمحادثته فقط قبل أيام إثر الهجوم على السفارة الإسرائيلية في القاهرة.

كانت مصادر إسرائيلية عسكرية قد ذكرت، في الأيام الأخيرة، أن قادة كبارا في الجيش الإسرائيلي توجهوا إلى الحكومة طالبين عدم حجب أموال السلطة، التي تجبيها من الجمارك لصالح الفلسطينيين، وتوجهوا أيضا إلى الولايات المتحدة، طالبين عدم تقليص مساعداتها. وأوضحوا أن «مثل هذا الإجراء سيشكل خطرا بانهيار السلطة أو بانفجار الجائعين الفلسطينيين في مظاهرات عنيفة».

يُذكر أن أوباما توجه بدوره إلى الحكومة الإسرائيلية طالبا الامتناع عن اتخاذ أي إجراءات عقابية ضد السلطة، حتى لو مضت في برنامجها وطرحت مشروعها على الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وقال أوباما لوسائل الإعلام الهسبانية الأميركية، الليلة قبل الماضية، إنه يأمل أن يكتفي الفلسطينيون بطرح مشروع للاعتراف بهم «دولة غير عضو»، مشددا على رفضه الحازم لتوجه الفلسطينيين أحادي الجانب للحصول على اعتراف بالدولة عضوا كاملا وأنه لا يوجد لديه أي شك أو تردد في فرض الفيتو (حق النقض) ضد مشروع القرار. وعلل رفضه بالقول إن خطوة كهذه ستكون تظاهرية لا أكثر ولن يكون لها أي أساس على الأرض.

في الوقت نفسه، طالب أوباما إسرائيل بالتعامل مع تطور كهذا من دون أي عقوبات، خصوصا على صعيد حجب الأموال أو إعادة الحواجز العسكرية لعرقلة حرية الحركة. وقال إن مثل هذه العقوبات ستلحق ضررا بإسرائيل نفسها، ولم يفصل.

من جهة ثانية، كشفت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أمس، نص وثيقة داخلية في وزارة الخارجية، هي عبارة عن مذكرة تعليمات موجهة إلى سفراء إسرائيل في الخارج تحاول فيها استغلال ما حدث للسفارة المصرية في القاهرة وتقديمه إلى العالم كنموذج لما سيحصل في الضفة الغربية، إذا اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية.

وقالت الصحيفة إن رئيس دائرة المنظمات الدولية في وزارة الخارجية الإسرائيلية، أبيتار منور، هو الذي وقع الوثيقة التي حملت عنوان «سبتمبر (أيلول) – الوضع القائم وتوجيهات» تلزم السفراء بالسعي لدى متخذي القرارات في الدول المعتمدين فيها، العمل بكل الوسائل لمنع تصويت دولهم إلى جانب الطلب الفلسطيني، واستعمال ما حدث في القاهرة كدليل، إلا أنه على الرغم من تصريحات أبو مازن وقادة فلسطينيين آخرين، بأنهم لا يخططون للعنف، فإن العنف يمكن أن يأتي من الشارع وبشكل عفوي.

اللافت للنظر التصريح الذي أدلى به رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، الجنرال احتياط غابي أشكنازي، في هذا الموضوع. فقد قال إن توجه الفلسطينيين للأمم المتحدة أصبح مفروغا منه، ورفض الادعاءات بأن السلطة ستحاول تصعيد الأوضاع في الضفة والقطاع باتجاه العنف.

وأضاف، خلال محاضرة له أول من أمس في المركز متعدد المجالات في هرتسليا، أن على إسرائيل حل الخلافات مع جاراتها، قائلا: «كلنا يعرف أين المحطة الأخيرة في هذه الرحلة، ويحب أن نتحلى بالشجاعة الكافية للسفر إلى هناك».