أردوغان: كل من عليها فان

ارتدى عباءة الناسك ولقبه المصريون بـ«الصوفي والقاهر والمصري»

TT

خلع المصريون على رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، الذي يحظى حاليا بزيارة تاريخية لمصر، العديد من الألقاب، فهو أردوغان «المصري» و«قاهر إسرائيل» و«أردوغان الصوفي». ومن زوايا عديدة دخل أردوغان إلى قلوب المصريين مدغدغا همومهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ونسي الكثير منهم أن مصر خضعت للحكم العثماني قرابة ثلاثة قرون. لكن الحفاوة بأردوغان، وسط تداعيات إقليمية ودولية ملتهبة، خاصة الموقف مع إسرائيل وموقف أردوغان الحاسم منها، جعلت منه الصديق الأقرب إلى روح الثورة المصرية التي انطلقت في 25 يناير (كانون الثاني) الماضي وأطاحت بحكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك، بعد ثلاثة عقود قضاها على رأس السلطة.

برز هذا المشهد بقوة حين اعتلى أردوغان منصة المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، والذي اكتظت قاعته بأكثر من ألف وثلاثمائة من المصريين أغلبهم من الشباب، قاطعوا بالشعارات والهتافات الثورية والتصفيق الحاد أردوغان أكثر من مرة وهو يلقي كلمته المؤثرة، ويتحدث عن حبه لمصر، وأنه يشعر بأنه بين عائلته، مستعيدا معهم رسالته التي وجهها إلى الرئيس المصري السابق إبان أحداث الثورة، استحثه فيها على الرضوخ لمطالب الشعب والتنحي عن الحكم، مذكرا إياه بأن «كل من عليها فان»، وأن « ما نأخذه معنا هو قطعة اش ا تلف حفرة بحدود ا ابين أكثر نستقر فيها».

استعاد أردوغان في خطابه المؤثر، والذي استهله باللغة العربية ونمقه بحواشي منها صدى رسالته لمبارك. وبروح الناسك تحدث عن لحظات المخاض الديمقراطي الذي تعيشه المنطقة العربية، مؤكدا أنها تعيش مرحلة تغيير تاريخي وثوري وديمقراطي مهمة، وأعرب عن شعوره بالسعادة البالغة والفخر الشديد وهو يشارك الشعب المصري فرحته بثورته.

روح الناسك لم تفارق أردوغان وهو يتطرق في خطابه بشكل مفصل للموقف في سوريا، فقال إن الأسد سيبقى محكوما عليه في وجدان الإنسانية، ولا فائدة من استخدام القوة للوقوف أمام مرحلة التغيير. وقال «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا». ثم أردف باللغة العربية مخاطبا الرئيس الأسد «نحن فانون جميعا.. وإنا لله وإنا إليه راجعون».

وتساءل أردوغان «هل بقيت الدنيا لفرعون؟.. ويجب ألا ننسى أن قدرة الله التي حمت موسى عليه السلام في قصر فرعون قادرة على كل شيء.. ويجب علينا أن ننتبه لذلك فنحن لن نبقى في هذه الدنيا».

وبعد موجة من الهتاف والتصفيق واستعراض لأوضاع المنطقة إقليميا ودوليا، وتشديد اللهجة تجاه إسرائيل.. عاد أردوغان إلى سمت الناسك الزاهد في عرض الدنيا وجاه السلطة، مشيرا إلى أنه وجه رسالة منذ ثمانية أشهر قال فيها «إننا كلنا فانون.. ولن نبقى في الدنيا ولن يبقى سوى مشاعر الاحترام والرحمة، ولا بد من الإصغاء لمطالب الشعوب، ولا يمكن تأجيل الحريات أو غض النظر عنها». وأوضح أنه عندما قال في برلمان تركيا أن «المرء سيدفن في قبر عرضه متران فبأي شيء سينفعه مقامه.. قالوا لي إنها رسالة شنيعة.. ولكنني وجهتها لكل الأغنياء والمسؤولين في العالم، فكل نفس ذائقة الموت».

ومن عباءة الناسك قفز أردوغان إلى عباءة العقلاني المستنير، فدعا إلى إلغاء الخرافات بأن النسيج الثقافي الاجتماعي لنا كشعوب لا يسمح لنا بالديمقراطية، كما دعا إلى الابتعاد عن سياسة التفرقة التي تؤدي لإضعافنا والتعلل بأن ما يحدث لنا هو أسباب خارجية لتأجيل البحث عن حلول «فقد انتهت أسباب استخدام المخاطر الخارجية ذريعة للتعلل بعدم اللجوء للديمقراطية، فالديمقراطية والحرية حق لكم مثل الماء والخبز».

وعلى باب الأوبرا، لم يشأ أردوغان أن يخلع ثوب الناسك، لكنه أضاف إلى مراياه، وفي ظل حفاوة الجماهير مرآة «المحارب العنيد».