مقتل «غاندي الصغير».. يشعل غضب الناشطين ويثير جدلا حول الالتزام بسلمية المظاهرات

دبلوماسي في دمشق: هناك شعور متزايد بالإحباط في الشارع وبأنه يتعين حمل السلاح

TT

إذا كان هناك من قادة للانتفاضة السورية التي هي بلا قيادة حتى الآن، فإن غياث مطر، الخياط المولع بالزهور، كان من دون شك أحد قادتها.

كان مطر غير معروف بشكل كبير خارج بلدة داريا، وهي إحدى ضواحي العاصمة السورية دمشق، حيث عاش وعمل وكان ينتظر مولوده الأول. وكان ينظر إلى مطر باعتباره بطلا ومنظما ملهما للمسيرات المناهضة للحكومة. وبسبب التزامه بعدم العنف وسلمية الاحتجاجات، كان يطلق عليه سكان البلدة لقب «غاندي الصغير».

وعندما تم تسليم جثته التي عوملت بوحشية إلى والديه يوم السبت الماضي، بعد أربعة أيام من اعتقال السلطات السورية له وقبل نحو شهر من عيد ميلاده الخامس والعشرين، حدثت صدمة كبيرة وتأثيرات تعدت مجرد موته بكثير.

وكان مطر بمثابة مثال لحركة الاحتجاجات السورية على مستوى القاعدة الشعبية، وكان صاحب مبادرة توزيع الزهور والمياه على القوات التي يتم إرسالها لإطلاق النار على المتظاهرين، ولقي حتفه في الحجز ومات معه، على ما يبدو، جزء صغير من الانتفاضة السورية.

وشعر الناشطون في مختلف أنحاء البلاد بغضب شديد - وبالخوف أيضا. وكان السفير الأميركي لدى سوريا روبرت فورد وغيره من السفراء الغربيين قد حضروا عزاء مطر للتعبير عن دعمهم لآرائه المعارضة للعنف في الوقت الذي كان فيه العديد من المتظاهرين المحبطين يطالبون بالحصول على أسلحة. وقد انفجر موقع «تويتر» بالعبارات التي تعبر عن الإعجاب بمطر، واستشهد كثير من الشباب بما قاله مطر لأصدقائه من النشطاء تحسبا لمقتله. وكان مطر قد كتب في رسالة على «تويتر»: «تذكروني عندما تحتفلون بإسقاط النظام.. وتذكروا أنني قدمت روحي ودمي من أجل تلك اللحظة. أيدكم الله وثبتكم على طريق النضال السلمي، وكتب النصر على أيديكم أيها الأبطال».

ومع ذلك، هناك شك كبير فيما إذا كانت رغبته ستلقى آذانا مصغية. ويعد مطر هو أول منظم للاحتجاجات يلقى حتفه في الحجز منذ اندلاع الانتفاضة السورية ضد حكم الرئيس بشار الأسد في شهر مارس (آذار) الماضي، بيد أن مقتله يأتي في لحظة حرجة للانتفاضة التي تدخل شهرها السابع وسط إشارات قليلة على أن حكومة الأسد تواجه خطر السقوط.

وقد تم سحق الاحتجاجات الشعبية، التي ينظمها مئات الآلاف في مدن مثل حماه ودير الزور في وقت سابق من هذا العام، عن طريق الاعتداءات بالدبابات وهو ما أدى إلى مقتل المئات. وتتواصل المظاهرات بشكل يومي في جميع أنحاء البلاد، كما يتواصل قتل المتظاهرين - تم قتل 54 شخصا منذ دفن مطر يوم السبت الماضي، حسب تقارير منظمات حقوق الإنسان.

وخارج دائرة الضوء، هناك حملة منهجية للقضاء على عشرات الناشطين الرئيسيين في دمشق خلال الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك مطر، وهو ما ثبط حركة الاحتجاجات هناك وأثار الشكوك حول قدرة العاصمة السورية على حشد الزخم المطلوب لمواجهة نظام الأسد بشكل قوي.

وقال الكسندر بيغ، وهو ناشط في العاصمة السورية دمشق ويستخدم اسما مستعارا لحماية هويته: «الزخم يموت في دمشق». وقال بيغ إنه كان يعرف مطر وأن نحو 20 من زملائه الآخرين قد اختفوا أيضا في الحجز، وأضاف: «اختبأ العديد من الأشخاص، وهناك العديد ممن لا يشاركون في الاحتجاجات».

ويعتقد العديد من الناشطين أن المخبرين قد نجحوا في اختراق صفوفهم، كما يعتقد بعضهم أن بعض المعتقلين قد كشفوا عن أسماء بعض المتظاهرين تحت وطأة التعذيب. ويبدو أن قوات الأمن تعلم مسبقا، وعلى نحو متزايد، وقت تنظيم الاحتجاجات، وبالتالي تكون على استعداد لمحاصرة المتظاهرين. وتم إلقاء القبض على ناشطين آخرين في عمليات مماثلة للعملية التي تم من خلالها اعتقال مطر الذي كان مختبئا لعدة أشهر بعد دوره البارز في قيادة المتظاهرين للهتاف «سلمية سلمية»، وهو ما لفت انتباه السلطات.

وفي السادس من شهر سبتمبر (أيلول) الجاري، داهمت قوات الأمن مخبأ ناشط آخر كان قد أجبر على ما يبدو على إجراء مكالمة هاتفية لأخيه يحيى الشربجي، وهو ناشط بارز، قال فيها إنه تم إطلاق النار عليه وطلب المساعدة، وفقا لشهود عيان وأقارب. واشتبه الزملاء في أن يكون ذلك فخا، ولكن الشربجي ومطر أصرا على الذهاب لمعرفة ما إذا كان الناشط يحتاج إلى مساعدة، ولكنهما لم يعودا مرة أخرى.

وما زالت عملية مقتل مطر غير واضحة حتى الآن، ويظهر أحد مقاطع الفيديو علامات حروق على جسده يعتقد أقاربه أنها ناجمة عن تعرضه لصدمات كهربائية، كما توجد كدمات حول عنقه، بالإضافة إلى جرحين غائرين نتيجة لتلقيه رصاصتين في بطنه. وقال شهود آخرون إن الرجلين قد قتلا في مطاردة بالسيارة وإطلاق النار عليهما.

وذكرت وسائل الإعلام السورية الرسمية أنهما قد قتلا من قبل «عصابات مسلحة»، وهي العبارة التي عادة ما يتم استخدامها من قبل الحكومة لوصف المتظاهرين، ولكن لا أحد ممن كانوا يعرفون مطر يصدقون هذه التقارير.

وقال بيغ إن مقتل مطر قد أدى إلى حالة من اليأس الكبير بين بعض النشطاء وجعلهم يشعرون بأن الاحتجاجات السلمية وحدها لن تكون كافية لإسقاط الحكومة، ولذا تزايدت المطالبات بالحصول على الأسلحة.

وأضاف بيغ: «إننا نعرف كيف كان هذا الرجل مسالما، ومع ذلك تعرض للتعذيب حتى الموت، وهذا يظهر أنه إذا ما واصلنا العمل على هذا المنوال، فسيتم معاملتنا مثل أي شخص كان يحمل سلاحا أو مثل أي إرهابي. كل شخص يشعر بغضب شديد في واقع الأمر».

وكان السفير الأميركي في دمشق وسبعة سفراء آخرين قد حضروا عزاء مطر لأنهم يأملون في أن يؤدي ذلك إلى تعزيز الالتزام بسلمية «التحركات» التي جعلت حركة الاحتجاجات السورية تحظى بقدر كبير من الدعم الدولي خلال الأسابيع الأخيرة، وفقا لدبلوماسي غربي في العاصمة دمشق.

وأضاف الدبلوماسي، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: «هناك شعور متزايد بالإحباط في الشارع حيث يتم قتل وجرح الكثير من الناس، وهناك شعور أيضا بأنه يتعين عليهم حمل السلاح. لقد أدرك هذا الشاب أهمية أن تبقى حركة الاحتجاج سلمية، حتى في الوقت الذي كان يواجه فيه الكثير من العنف».

وبعد دقائق من مغادرة السفراء، قامت قوات الأمن بمهاجمة الخيمة التي عقد فيها العزاء وأطلقت الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع، وأطلقت اللعنات على فورد وغيره من السفراء، وفقا لأحد الشهود الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته.

وتعهد أقارب وأصدقاء مطر بالمحافظة على سلمية الاحتجاجات حسب ما دعا إليه الفقيد. وما زالت زوجته، وهي حامل في شهرها السابع لأول طفل لها، تتلقى التعازي في منزلها وهي ترتدي ملابس بيضاء بدلا من الملابس السوداء التي يتم ارتداؤها في التعازي. وقام المشيعون بتوزيع الورود في الجنازة، تكريما لمطر الذي كان يقوم بتوزيع الورود على الجنود.

وقال أحد أصدقاء مطر والذي رفض عدم ذكر اسمه خوفا على سلامته: «هناك آراء كثيرة من بينها حمل السلاح، ولكن بالنسبة لي وبالنسبة لأصدقائه وأسرته، لا نملك خيارا آخر سوى المقاومة السلمية». وأضاف الصديق: «تعد وفاته خسارة جسيمة بالنسبة لنا، ولكن هناك الكثير ممن لقوا حتفهم قبله وسيتم قتل الكثيرين من بعده، ومع ذلك ما زالت الاحتجاجات مستمرة ولا يمكن إيقافها».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»