محمد الخضار: الإمام موسى الصدر قتل ودفن في سرت بعدما اتهم القذافي بالكفر

آخر «مدع عسكري» للقذافي لـ«الشرق الأوسط»: معمر تخلص من وزرائه ومعارضيه بالاغتيال المتعمد

مقاتلون مناوئون للقذافي يركبون فوق عربات عسكرية في طريقهم إلى سرت أمس (رويترز)
TT

كشف المستشار الدكتور محمد بشير الخضار، آخر «مدعي عام عسكري» في نظام العقيد الليبي معمر القذافي لـ«الشرق الأوسط» النقاب عن قيام القذافي بالتخلص من عدد من كبار مساعديه السابقين من بينهم وزيرا الخارجية والعدل الأسبقان، بالإضافة إلى معارضين عن طريق الاغتيال.

وقال الخضار، وهو عضو بالمحكمة العليا الليبية، أمس، في حوار مطول لـ«الشرق الأوسط»، إن القذافي قام بتصفية إبراهيم البشاري، وزير الخارجية ورئيس جهاز المخابرات الليبية الأسبق، وإبراهيم بكار وزير العدل الراحل بسبب خشية القذافي من حجم وكمية المعلومات التي بحوزتهما، والتي كانت تهدد بقاءه في السلطة.

وأكد الخضار الذي شغل الكثير من المناصب أبرزها منصب المستشار القانوني للمفتش العام للقوات المسلحة لسنوات كثيرة، وكان شاهدا على واقعه سجن أبو سليم، أن الإمام الشيعي موسى الصدر، مؤسس «حركة أمل» في جنوب لبنان، قد قتل في آخر زيارة له إلى ليبيا عام 1978، بعدما دخل في مشادة كلامية مع القذافي واتهمه بالكفر، وكاد يضربه، على حد قوله.

وأعلن الخضار الذي عمل مستشارا قانونيا لوزارة الدفاع الليبية طيلة 25 عاما، عن العثور على جثة في ثلاجة بميناء طرابلس يرجح أنها لأحد المرافقين اللذين اصطحبهما الإمام الصدر في زيارته إلى ليبيا، مشيرا إلى أن الصدر دفن في مدينة سرت، مسقط رأس القذافي قبل أن تنقل جثته إلى مدينة سبها ومنها إلى عدة أماكن غير معلومة.

وفي ما يلي نص الحوار:

* دعنا نبدأ من التحقيقات التي أشرفت عليها في قضية أبو سليم.. هل كان ما حدث جريمة؟

- أول ما توليت هذه القضية لم أعرف عنها الكثير، كانت قضية غامضة في ليبيا عبارة عن أن جماعة قاموا بالهروب من السجن، ومات منهم على الأقل أربعة أو عشرة، ولا يوجد كلام محدد عن هذه القضية، والذي أبرز قضية أبو سليم اثنان من المحامين هما عبد الحفيظ غوقة وفتحي تربل. الأول هو أحد أعضاء المجلس الوطني ونائب رئيسه، والآخر أعرف أنه محام، وحينما توليت القضية لم يكن لدي علم بها وجئت لمصر وأخذت من بعض المؤسسات الصحافية مجلدين فيهما كل ما كتب كأرشيف صحافي عنها وقرأتهما جيدا، ووجدت أنها عبارة عن مذبحة بكل معنى الكلمة وبعدها جاءتني أوراق من الدولة ولكنها لا تعني شيئا، وبدأت التحقيق مع بعض الضباط وكانت إجاباتهما بها شيئا للتضليل، منهما من يقول: أنا كنت أتناول الغداء ومنهما من قال: أنا لم أكن في البهو وكانت الدولة تلقنهما قبل حضورهما واستعملت طريقة أخرى وهي الذهاب إلى بعض الناس في بيوتها ألا وهم شهود الإثبات، ذهبت إليهم خلسة وأخذت منهم أقوالهم وتبين لي أنهم أعطوني الحقيقة كاملة وبعد هذه الجولة استطعت أن ألم بقضية أبو سليم بالكامل، وعندما بدأت التحقيق شعرت أنها شيء صعب لأن معظم الأفراد المتهمين في ذلك الوقت كانوا من مراكز القوى.

* وما حقيقة ما جرى إذن؟

- القضية باختصار هي أن مساجين الرأي بعضهم من الجبهة المقاتلة والبعض الآخر من العاديين طالبوا بحقوقهم وتحسين أوضاعهم، ولكن يخيل لي أن مطلبهم الأساسي هو تمسكهم بآرائهم وذلك لأن بعضا منهم لم يتم التحقيق معه والبعض أفرج عنهم مؤخرا من قبل قوى 17 فبراير، وبدأ النظام يستعمل معهم لغة الرصاص كالعادة، وككل الزعماء الأغبياء الذين لا يعرفون أي حوار، جرت يومي 27 و28 من شهر فبراير (شباط) مجزرة جماعية قتل فيها 1267 شخصا.

* ومن أعطى الأمر بإطلاق النار؟

- بالنسبة لليبيا يجب أن تعرف حقيقة مهمة حتى الدجاجة عندما تذبح يكون معمر القذافي على علم بها، لكن على الورق لا يوجد شيء، حيث جرت مكالمات بين القذافي وعبد الله السنوسي، ومن خلالها تم استعمال النار.

* تعني أن القذافي والسنوسي أعطيا الأمر بإطلاق النار؟

- نعم، لكن لا توجد وثائق ولا أوراق تدين أي أحد منهما بالقتل، ولا يوجد أي شيء في أقوال الشهود.

* إذن لم تكن هناك أسماء معروفة من الضباط؟

- الضباط الكبار لم نحقق معهم، والصغار لا يعرفون شيئا إلا تعليمات الكبار من رؤسائهم المباشرين، لكن القذافي هو من أمر بإطلاق النار.

* لكنها كانت قضية غير مسبوقة في ليبيا عبر قتل هذا العدد في مكان واحد؟

- هذا العدد غير مسبوق، لكن في السابق وقبل سنوات القتل كان عاديا، عندنا 300 شخص قتلوا وشنقوا طوال شهر رمضان، بالإضافة لقتلى الجامعات.

* أنت كقاضي تحقيق هل تعرضت لأي ضغوط من أسماء بعينها في الحكومة؟

- نعم تعرضت، لأن في التحقيق أسماء لامعة ومهمة مثل منصور ضو، آمر الكتائب ومسؤول الحرس الشعبي، والآن هرب إلى مالي وله دور كبير في مجزرة ثورة 17 فبراير، وعبد الحميد السايح، وهو من فروع الإرهاب وموجود بالسجن ويعرف السجناء فردا فردا وهو لاجئ في القاهرة طلب اللجوء، إضافة إلى أسماء أخرى مثل التهامي خالد، مدير الأمن الداخلي.

* معنى ذلك أن القذافي لو قدم للمحاكمة في قضية أبو سليم سيحصل على البراءة؟

- لن يأخذ براءة لأن لديه من الجرائم ما يكفي ليغطي جسده كله، والقضية استمرت سنة كاملة دون أن أحقق فيها إطلاقا وبعدها قابلت المهندس سيف الإسلام بحضور صالح عبد السلام، مدير مكتبه وهو موجود، ويستطيع أن يقول ما حدث بيني وبينه من مشادات، حيث قال لي إذا لم تستطع أن تقوم بواجبك فاستقل وحتى الشاي لم أشربه في مكتبه، وقمت بعدها وقدمت تقريرا رسميا لا تكتبه حتى المعارضة الخارجية، وكتبت كل شيء وذكرت الجهات المراد التحقيق معها وقدمته مرة أخرى للمهندس سيف ورفضه، واستطاع اللواء مصطفى الخروبي، عضو مجلس قيادة الثورة أن يقنع القذافي بقراءة التقرير، وأرسل القذافي لي بملاحظتين هما: لماذا تقول المتهمون ولم تقل الزنادقة، وكلمة المصالحة الوطنية. وقلت له الزنادقة لا يعرفها القانون وهو لفظ شوارعي وثوري. وبالنسبة للمصالحة الوطنية فاللجنة شكلت للتعويضات وسميت بلجنة المصالحة، وبالتالي كتبت هذا التقرير بعد هاتين الملاحظتين الملحوظتين، وقال لي اللواء مصطفى الخروبي إن القذافي غاضب من هذا التقرير، وتشاء الأقدار أن تقوم ثورة 17 فبراير.

* متى قدمت هذا التقرير آخر مرة؟

- قدمته في شهر يناير (كانون الثاني) من العام الماضي، ولدى القذافي نسخة منه في مكتبه، وعليها ملاحظاته، وأرجو من الثوار أن يجدوها ويقرأوها إن شاء الله لأني هربت يوم 21 فبراير الماضي عن طريق تونس.

* لماذا هربت؟

- الثورة قامت وبنغازي بدأت تتحرر قليلا وخفت من الاغتيال لأن قضية أبو سليم هي لب ثورة 17 فبراير، وبعد أن هربت فتشوا عني، بينما أعيدت عائلتي من مطار العقبة في الأردن.

* ما علاقاتك بموسى الصدر؟

- ليست لدي علاقة به وكنت رئيس نيابة طرابلس عندما أشير لي بالنيابة في التحقيق في القضية.

* ما هو مصير الصدر إذن؟

- لقد شبع موسى الصدر موتا، حيث قتل ودفن في سرت ونقل منها إلى سبها ثم إلى أماكن أخرى، وانتهت قضيته وذلك بشكل أكيد.

* لماذا فعل القذافي ذلك به؟

- موسى الصدر له أجندة خارجية وداخلية، وفي اليوم الذي قتل فيه كانت لديه مقابلة مع القذافي، وهذه المقابلة كانت ساخنة جدا، وقال الصدر للقذافي: أنت كافر وكاد يضربه القذافي، واستمر النقاش والحوار الفكري بينهما مدة 5 ساعات. وقد تكون هذه هي رد الفعل، وقد تكون أجندة خارجية.

* من روى هذه القصة لك؟

- الحراس، وعندنا جماعة الكتيبة وبعضهم ما زال على قيد الحياة، وحكوا لنا عن حكايات القذافي.

* لكن إذا دخل القذافي في حوار مع الصدر، فكيف يكون علنيا ويرويه حراسه؟

- حدث بينهما صدام في الخيمة بحضور الحراس وليس أمام الملأ.

* فهمت أن ثمة جديدا في القضية، ما هو؟

- أمس وجدوا جثة لواحد من مرافقي الصدر ولا نعلم من هو، وجدوه بملابسه في ثلاجة عثر عليها في ميناء طرابلس وهذه الثلاجة بها عظام أشخاص كثيرين وسيكشف عنها في الأيام المقبلة، وأنا أرجح أنه الصحافي بدر الدين يعقوب باعتباره شخصا غير مهم ليقتلوه ويتركوه، لكن الأشخاص المهمين يخفون جثتهم في المقابر، ولا يتركونهم هكذا.

* هل تتبعت من أخذ ملابس الصدر إلى إيطاليا؟

- الجميع يعرفه، والمجلس الوطني يعرفه، والكل يعرفه وهو نائب مدير الأمن الداخلي، فهو من قام بأخذ ملابسه ووضعها في الفندق.

* ماذا فعل القذافي بجيش ليبيا؟

- القذافي جمع السلاح منذ نحو أربع أو خمس سنوات ولا شخص يوجد لديه سلاح والشرطة والجمارك ليس لديها أي سلاح، كتائبه فقط هي التي تحمل السلاح، لأنه كان يفكر بمثل هذه الأيام أو بالأحرى أنه كان يخاف من كثرة الأحداث والمعارضة والجبهة المقاتلة تكبر، وكان يخاف كثيرا من الجيش والقوات المسلحة ويخاف من أي شخص.

* هل قمت بالتحقيق في محاولات الانقلاب العسكري؟

- وأنا مدعي عام بعد الثورة بشهر تم التحقيق في قضية، وأعدم من حاولوا القيام بالانقلاب، وبعد الثورة وقعت محاولة الانقلاب الكبرى بقيادة عمر المحيشي.

* كيف كان القذافي ينجو من هذه المؤامرات؟

- كان يعلم بكل المؤامرات قبل حدوثها وفي اللحظات الأخيرة أحيانا، وكان محظوظا في ذلك، وليس بسبب قوة المخابرات. كان بعض المنفذين في الآخر يضعف ويرتجف من الخوف ويدلي بمعلومات لكي يحظى بحق الشاهد في النجاة من العقاب، ولدي الكثير من ملفات الاغتيالات التي تحتاج إلى وقت طويل وهى ملفات غير منشورة.

* مثل ماذا؟

- مثل مصرع كل من إبراهيم البشاري، وزير الخارجية الأسبق، وإبراهيم بكار، وزير العدل الأسبق.

* دعنا نتحدث عن البشاري، قيل لي أنه قتل بسيارة عندما كان يعبر الطريق؟

- إبراهيم البشاري كان يعرف الكثير من القضايا الأمنية، وبدأ يكبر ويعلو شأنه في السياسة الليبية ويقوم بالتدخل، والقذافي لا يحب ذلك، إضافة إلى أمور أخرى عائلية وأخلاقية عجلت بذلك.

* ما هي تلك الأمور الأخلاقية والعائلية؟

- لا أريد أن أخوض في أعراض الناس، المهم أن إبراهيم دخل الخط الأحمر، وقتل وهو وزير للخارجية، وذلك في مكان بمدينة الخمس، وتكرر ذلك مع الكثير من الناس، بحيث كانت الخمس هي المكان المفضل للقذافي، حيث صفى فيه عشرات الأشخاص، بالإضافة إلى مكان آخر مفضل يقع على الحدود الليبية - التونسية، حيث صفوا هناك إبراهيم بكار، وزير العدل، وتمت محاولة قتل محمد المصراتي الذي نجا بأعجوبة.

أما إبراهيم بكار فقتل بسيارة نقل صدمته، وكانت سيارة مسروقة لا تحمل لوحات معدنية، والسبب الذي دفع القذافي لقتله هو أنه على علم بالطائرة التي أسقطها القذافي ليحمل المسؤولية لاحقا على الحظر الجوي الذي فرض عليه على خلفية قضية لوكربي الشهيرة، فالطائرة كانت قادمة من بنغازي إلى طرابلس وبها نحو 230 راكبا، فضربت بالصواريخ، وذلك من نحو 11 عاما، والضباط الذين ضربوا هذه الطائرة ما زالوا على قيد الحياة، ولا بد من فتح التحقيق معهم.

* هل كان القذافي مجرما إلى هذا الحد؟

- والله العظيم أكثر من هذا الحد. ما قام به شيء لا يوصف. فلا يحس بالنار إلا من داس عليها، ونحن نعرف القذافي جيدا.

* هل ترى أن يحاكم القذافي دوليا أم يحاكم أمام قاض ليبي؟

- أنت تعرف، دوليا، لن يحاكم إلا على أحداث 17 فبراير فقط، ولكن محليا يحاكم على كل جرائمه منذ انقلاب 1969 حتى الآن.

* لو أنت القاضي الذي سيحاكمه، بماذا ستحكم عليه؟

- لا أريد أي شيء بعد ذلك في الدنيا لو حاكمته، لا أريد مالا ولا وظيفة ولا أي شيء وذلك ليس للتشفي.

* هل ستتعامل معه باحترام؟

- أولا وأخيرا أنا قاض ويجب أن أحترم ويكون لي احترامي وأنا لست من الشارع.

* هل تعتقد أن القذافي سيعطي لكم الفرصة لكي ترونه في القفص؟

- أنا سئلت هذا السؤال قبل شهرين فقلت إنه أسامة بن لادن ليبيا، حيث سيجدونه في حفرة في القريب، لكنه لن يقبل بالمحاكمة لأنه ديكتاتور، وأنت تعلم محكمة العدل الدولية تحكم بالسجن فقط، ولا تحكم بالإعدام، وسيظل هاربا إلى أن يموت. فهو مريض بالربو، وسيظل من دون علاج ولن يستطيع أن يبقى سليما.

* هل تسعى إلى ترشيح نفسك كأول رئيس في ليبيا؟

- لو شعرت بضمانات واجبة وشعرت بأن العالم الغربي فعلا يريد ليبيا حرة، وهناك نزاهة، سأقوم بترشيح نفسي كرئيس للجمهورية لأعمل ما بوسعي من أجل الديمقراطية والعدالة والأمن، وهذا ما يستحقه الشعب الليبي.

* هل ترى نفسك مرشحا مناسبا لهذا المنصب؟

- الشعب الليبي هو الذي يقرر ذلك.

* هل تعتقد أن لديك أي حظوظ للفوز بالمنصب؟

- قل اسمي للشعب الليبي وسيجيبونك، ويقولون لك هذا فعلا الشخص الوحيد مع القذافي، الذي كان مخلصا ونظيف اليدين. لم أشتغل سياسة ولكني اشتغلت بالقانون وعرضت علي وزارة العدل ولكني رفضت مرتين هذا المنصب بحضور شهود.

* ماذا تقول للشعب الليبي؟

- نصيحتي للثوار هي ألا يقوموا بما قامت به الثورتان المصرية والتونسية، فكل من خدم مع القذافي بأيد نظيفة ولم يقم بالاستيلاء على مال عام، يجب أن يكون له دور كبير في الحكم في ليبيا، لكن الطريقة الحالية المتمثلة في إبعاد كل من اشتغل مع القذافي فهذا أمر لا يجوز، وأخيرا أريد استرجاع جوازات سفر الأسرة التي ما زالت عند عبد الحميد عمار، مدير مكتب عبد الله السنوسي لكي تتمكن عائلتي من اللحاق بي ومن حرية الحركة كما تشاء.