موسكو تهدم المسجد المركزي

مسلم من القوقاز تبرع بالمال لإنهاء بناء مسجد جديد مكان القديم

المسجد المركزي بموسكو («واشنطن بوست»)
TT

على مدى أكثر من قرن، وجد مسلمو موسكو السكينة والاطمئنان في مسجدهم الكبير، الذي يشبه الكاتدرائية، والمطلي بلون أخضر فاتح، يذكر المرء بمباني المدينة القديمة العزيزة، التي يعلوها هلال ذهبي، يعلن عن هويتها.

ولكن المسجد الذي بناه المسلمون التتار الذين عاشوا في روسيا لمدة ألف سنة تحول يوم الخميس إلى كومة من الخشب المكسر، والطوب المحطم. وقد تم هدم المسجد في نهاية الأسبوع الماضي، والسبب الرسمي الذي قدم هو أن حالة المسجد الذي يعود بناؤه إلى عام 1904، كانت متدهورة للغاية، وأن الأمطار الغزيرة جعلته مكانا خطرا، مما استلزم هدمه قبل أن ينهار ويقتل شخصا ما. ولكن سكان موسكو القدامى، من المسلمين وغير المسلمين، كانوا غير مقتنعين، قائلين إن المسجد كان يعد أثرا تاريخيا مهما، وكان ينبغي الحفاظ عليه مهما كانت التكاليف.

ولكن رافيل جانوتدن، مفتي المسجد الرئيسي، والذي يقع مكتبه بجوار المسجد، لم يذرف أي دموع. حيث يرأس جانوتدن المجلس الروحي لمسلمي الجزء الأوروبي من روسيا حاليا، وهو مجلس يحظى بدعم الحكومة، وكان يشكو مؤخرا من أن مسجد موسكو لم يكن محاذيا بشكل صحيح للقبلة في مكة المكرمة، وأنه لا يحمل أي قيمة تاريخية.

وقال فريد أسدولين، رئيس القسم العلمي والعام بمجلس المفتين، إن بيوت العبادة يتم تدميرها طوال الوقت، لافتا إلى أن كاتدرائية المخلص الأرثوذكسية التي كانت موجودة في موسكو، والتي كان بناؤها يعود إلى عام 1883، قد تم هدمها في عام 1931 (من قبل ستالين الذي استبدلها بحوض سباحة) ثم أعيد بناؤها من جديد في التسعينات. وأضاف قائلا: «إن تجديد المساجد عملية طبيعية».

ولم تظهر أصوات أخرى من خارج المنظومة الدينية الرسمية حتى يوم الخميس، حيث نظم الكثير من المسلمين والداعين للحفاظ على الآثار التاريخية في موسكو مؤتمرا صحافيا لتأبين خسارتهم. وقد وجدوا صعوبة كبيرة في العثور على مكان لعقد المؤتمر، ولكنه عقد في النهاية في مقر حزب يابلوكو السياسي المهمش، ولم يحضره سوى أعضاء من وسائل الإعلام الدينية والعرقية.

وقال عادل بيلايف، وهو رجل مسن ذو شعر شديد البياض، إن بعض أقربائه قد اشتركوا في بناء المسجد، مضيفا «أنا لست قوي الأيمان، فأنا لا أصلي كل يوم، ولكن هذا المكان كان مكانا مقدسا، وقد شعرت بذلك».

وقال موكهامايات مناشيف، أحد المسلمين، إن «المسجد بني على الرغم من رفض القيصر وقتها، وإنه صمد أمام الثورة والقمع، ولكن شخصا ما قام الآن بهدم ذكرياتنا».

وقال جاير إسكنديروف، وهو مهندس ورئيس مؤسسة تنمية المجتمع المسلم، إن «المسجد كان مركزا ثقافيا للتتار، وإنه حفاظ على لغتهم وتقاليدهم، على الرغم من أنهم كانوا أقلية في روسيا الأرثوذكسية». وأضاف إسكنديروف قائلا «لقد كانت أدعيتنا محفوظة بين تلك الجدران». ويتم حاليا بناء مسجد جديد بجانب المسجد الذي هدم. ولكن على الرغم من أن حجر الأساس للمسجد الجديد قد وضع في عام 2005، فإنه ما زال أمامه الكثير من الوقت حتى يتم الانتهاء من بنائه، حيث توقف العمل في بنائه لعدة سنوات. ولكن المسؤولين يقولون الآن، إن التصاريح قد أصبحت في متناول اليد، وإنه يمكن استئناف العمل.

ويمثل هدم المسجد القديم تحولا في السلطة، حيث كان التتار يوما ما يمثلون المجتمع المسلم، ولكن المسلمين من القوقاز وآسيا الوسطى قد أصبحوا الآن يفوقونهم عددا. ويدور بين الصحافيين الذين حضروا المؤتمر أن مسلما من القوقاز قد تبرع بقدر كبير من المال لإنهاء بناء المسجد الجديد.

وقال الحضور وهم من التتار الذين نشأوا في موسكو، إنه كان ينبغي أن يتم إخبارهم بأن المسجد كان في حاجة إلى إصلاحات. فقد كان من الممكن أن يطرحوا بدائل، حيث كان من الممكن دمج المسجد القديم مع الجديد.

ولكن فريت فارسوف، رئيس مجلس أمناء مجلس المفتين، والذي حضر المؤتمر، اعترض قائلا: «كان هذا الأمر سيكلفنا للغاية، ومن أين كنا سنحصل على المال اللازم؟».

وأضاف لاحقا، أن الناس بالطبع قد أخبروا بهدم المسجد: «ربما لم نستخدم كلمة (هدم)، لكننا تحدثنا عن إعادة بناء. وأنا في النهاية محام، لا أستطيع تعريف معنى هدم أو إعادة بناء، فلتسألوا مهندسا معماريا».

وقال إنه سيتم الانتهاء من بناء المسجد الجديد في غضون عام أو نحو ذلك، وإنه سوف تتم إعادة بناء المسجد القديم كجزء منه، حيث تم الحفاظ على الجداريات التي كانت موجودة فيه.

وأضاف قائلا: «لا تقلقوا، كل شيء سوف يكون على ما يرام». وبينما هو يتحدث، كانت مجرفة بخارية كبيرة صفراء تحمل أنقاض المسجد القديم وتلقيها في شاحنة تفريغ حمراء.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»