مصادر فرنسية رسمية: توجه الفلسطينيين إلى مجلس الأمن مباشرة لا يمنع سلوكهم درب الجمعية العامة

سيناريوهات فرنسية للتوافق على موقف تتبناه غالبية بلدان الاتحاد الأوروبي

TT

اكتفت الدبلوماسية الفرنسية بالقول إنها «أخذت علما» بقرار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وفق ما جاء في خطابه أول من أمس، التوجه إلى مجلس الأمن الدولي لطلب انضمام فلسطين عضوا كاملا العضوية إلى الأمم المتحدة. وامتنعت الأوساط الفرنسية التي تتابع هذا الملف، عن الكشف عن حقيقة الموقف الذي ستتخذه فرنسا في مجلس الأمن أو في الجمعية العامة بانتظار مزيد من الاتصالات مع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ولكن خصوصا مع شركائها في الاتحاد لأوروبي والولايات المتحدة الأميركية. وتؤكد باريس أنها تريد الاطلاع على نص الطلب الفلسطيني لبلورة موقفها ولكنها في أي حال «ستتحمل مسؤولياتها» بحسب ما قاله رئيس الجمهورية نيكولا ساركوزي ووزير خارجيته آلان جوبيه الذي كان أول من قرع ناقوس الخطر داعيا إلى استباق الوصول إلى «حائط مسدود» يقضي على أي فرصة لمعاودة المفاوضات والوصول إلى اتفاق فلسطيني - إسرائيلي.

وجاء في بيان الخارجية الفرنسية الصادر مباشرة بعد خطاب أبو مازن أن الموقف الفرنسي سيأخذ في الاعتبار ثلاثة عوامل: المحافظة على فرص العودة إلى المفاوضات وتفادي المواجهة الدبلوماسية والمحافظة على وحدة الموقف الأميركي.

ورغم تأكيد المسؤولين الفرنسيين على حق الفلسطينيين في التوجه إلى الأمم المتحدة بسبب توقف المفاوضات والعجز الأميركي عن الضغط على إسرائيل معطوفا على استخدام واشنطن لحق الفيتو لمنع صدور قرار من مجلس الأمن يدين الاستيطان الإسرائيلي، فإن الأوساط الفرنسية ترى أن التوجه إلى الأمم المتحدة «لن يأتي بالحل» و«لن يغير وضع الفلسطينيين ميدانيا». ولذا، فإن باريس تسعى بالتعاون مع «وزيرة» الشؤون الخارجية الأوروبية كاترين أشتون، إلى بلورة «مخرج ما» بدت بعض ملامحه في جملة وردت في خطاب الرئيس الفلسطيني نفسه.

يقول أبو مازن إن القرار هو التوجه إلى مجلس الأمن. غير أن أبو مازن لم يغلق الأبواب الأخرى. والحال أن نجاح الخطوة الفلسطينية في مجلس الأمن لا يعترضه فقط، كما يقول دبلوماسيون فرنسيون، الفيتو الأميركي بل ربما عدم توافر الأصوات التسعة الضرورية لقرار قبول انضمام فلسطين دولة كاملة العضوية. ولذا، فإن باريس تعمل على سيناريو أن يتقدم الفلسطينيون بطلبهم إلى مجلس الأمن إذ «لم يعد هناك مفر من ذلك» على ألا يطرح مشروع القرار على التصويت مما يعني تفادي انقسام المجلس وتفادي إحراج واشنطن وتفادي إصابة الفلسطينيين بالمرارة.

وترى الأوساط الفرنسية أن التوجه إلى مجلس الأمن لا يمنع من سلوك طريق «بديل» هو الأمم المتحدة مباشرة للحصول على وضعية «الدولة الفلسطينية غير العضو» التي لا يحق لها التصويت وإنما تتمتع بكثير من الامتيازات منها الانضمام إلى منظمات الأمم المتحدة المختلفة. وبحسب المصادر الفلسطينية، فإن الفائدة الأساسية ليست فقط التحول إلى دولة وإن تكن غير عضو بل في الحصول على اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية مع حدودها (حدود عام 1967) وعاصمتها «القدس الشرقية» مما سيتحول لاحقا إلى مكسب رئيسي في أي مفاوضات مع إسرائيل.

غير أن هذا المخرج لا يلقى قبولا من كل الدول الأوروبية حيث إن بلدانا مثل ألمانيا وهولندا وإيطاليا وتشيكيا.. ترفض دعم هذا المخرج وتقف وراء إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. ولذا، فإن مصادر فرنسية قالت لـ«الشرق الأوسط» إن العمل سيتركز على «هامش المناورة» الذي يمكن اللعب عليه في صياغة الطلب الفلسطيني وهي تضع الفلسطينيين، نوعا ما، أمام حلين: إما طرح نص متشدد يقتصر دعمه على ما تسميه إسرائيل «الأكثرية الآلية» التي سبق لها أن اعترفت بالدولة الفلسطينية وإما قبول طرح نص يتمتع بـ«الليونة» مما سيسمح بتوفير أوسع دعم ويمكن أوروبا من المحافظة على وحدتها والتصويت لصالح القرار.

غير أن الأوساط الفرنسية ترفض تفصيل ما تعنيه بـ«هامش المناورة» وتعيين العناصر التي تريد سحبها من الطلب الفلسطيني. وقالت هذه الأوساط إنها، بشكل عام تتناول النقاط الثلاث التالية: شكل الاعتراف بالدولة الفلسطينية ووضعها الخاص داخل الأمم المتحدة (شبيه بوضع دولة الفاتيكان) وصلاحياتها وأخيرا شروط الدعوة إلى معاودة المفاوضات. وتترقب باريس ما سيصدر عن اجتماع اللجنة الرباعية الدولية الاثنين القادم في نيويورك وهي تدعو إلى «موقف متوازن». والحال أن الرغبة الفرنسية والأوروبية ستصطدم بالفلسطينيين والإسرائيليين حيث سيرفض الأولون لأن ما يعرضه الأوروبيون عليهم «غير كاف» كما سيرفضه الإسرائيليون لأسباب عكسية.

وبين هؤلاء وأولئك، يبدو الأوروبيون حائرين وعاجزين عن بلورة موقف موحد نتيجة غياب سياسة خارجية أوروبية موحدة. لكن لحظة الحقيقة ستحل بعد أسبوع. فهل سينجح الاتحاد الأوروبي في إثبات وجوده على الساحة السياسية والدبلوماسية الدولية أم أنه، مرة أخرى، ستسقط أوهام الحالمين بأوروبا كلاعب سياسي من الدرجة الأولى وليس فقط سوقا تجارية واقتصادية مفتوحة؟