أبو مازن يخوض معركة الاعتراف بالدولة الفلسطينية حتى النهاية مسلحا بدعم شعبي غير مسبوق

نتنياهو واثق من أن جهود واشنطن ستفشل المشروع الفلسطيني في الأمم المتحدة

فريق الكشافة الفلسطيني يحتفل بالذكرى المئوية لتأسيس كشافة بيت لحم تحت شعار «نعم لدولة فلسطين»، أمس (أ.ف.ب)
TT

يصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) إلى نيويورك اليوم مسلحا بتأييد شعبي غير مسبوق لمسعاه لنَيل العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. وحسب استطلاع أجرته مؤسسة فلسطينية بدعم أميركي فإن 80 في المائة من المستطلعين يؤيدون هذه الخطوة، ليس هذا فحسب، بل إن الغالبية الفلسطينية العظمى مستعدة لتحمّل التداعيات المالية وغيرها الناجمة عن هذه الخطوة، بعد التهديدات الأميركية والإسرائيلية بفرض عقوبات مالية وأخرى سياسية، بحسب هذا الاستطلاع.

وسيحط أبو مازن في نيويورك ويدخل دهاليز الأمم، ليس فقط لتثبيت اسم فلسطين كدولة في المنظومة الدولية، بل ليعيد المفاوضات إلى مسارها وحضنها الأول، ألا وهو الرعاية الدولية، بعد أن ظلت لسنوات طِوال حبيسة المفاوضات الثنائية برعاية أميركية، كما قال مسؤول فلسطيني لـ«الشرق الأوسط». لكن الرئيس الفلسطيني سيصل إلى الأمم المتحدة، وإلى ساحة معركة غير محسومة النتائج بغض النظر عن حق النقض (الفيتو) الأميركي، فالجانب الفلسطيني يجب أن يضمن 9 أصوات من أعضاء مجلس الأمن الـ15 ليحصل على العضوية في ما لو أن الولايات المتحدة لم تستهدف الفيتو. لذلك فإن المعركة ستتواصل حتى اللحظة الأخيرة بين الجانب الفلسطيني الذي يدخل بقوة، وبوفد كبير منه وصل مبكرا إلى نيويورك، كأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه، ووزير الخارجية رياض المالكي، وبين الولايات المتحدة التي تحاول بالترغيب أحيانا وبالوعيد أحيانا أخرى تجنيب نفسها حرج استخدام الفيتو وتداعياته، خصوصا على صعيد المنطقة، وفي ظل الأوضاع الحالية التي تشهدها.

ويتجاوز عدد الوفد الفلسطيني الأربعين، منهم خمسة أعضاء في اللجنة المركزية هم نبيل شعث وصائب عريقات ونبيل أبو ردينة ومحمد شتيتة وعزام الأحمد وقيس عبد الكريم عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، إضافة إلى الطاقم الدبلوماسي والأمني وعدد من الصحافيين.

والمعركة تحتدم حول بعض الأصوات غير المحسومة في مجلس الأمن، وتحديدا كما قال المسؤول الفلسطيني، نيجيريا والغابون والبرتغال، إضافة إلى بريطانيا وفرنسا. وحسب المسؤول فإن الأصوات المحسومة هي: لبنان العضو العربي الوحيد في المجلس، ترأس دورته الحالية، والهند والبرازيل والبوسنة وروسيا والصين وكولومبيا وجنوب أفريقيا. أما الأصوات المعارضة فهي بالطبع الولايات المتحدة وألمانيا التي أعلنت بوضوح معارضتها لهذه الخطوة.

غير أن الشيء المؤكد في هذه المعركة أن الجانب الفلسطيني مُصرّ على خوض المعركة حتى النهاية لرؤى واضحة ربما لأول مرة، واضعا في الاعتبار حجم الخسائر الضخمة المترتبة على هذا القرار. ولا يستبعد أكثر من مسؤول أن يضحي أبو مازن بالسلطة في حال عدم الفوز بالعضوية الكاملة، حتى لا تكون في النهاية سلطة بلديات لا نفوذا سياسيا لها على الأرض.

إلى ذلك، أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن ثقته بفشل المشروع الفلسطيني في الأمم المتحدة، وقال إنه يعتمد في تقديره هذا على «الجهود الأميركية العظيمة»، وأضاف أن واشنطن قد لا تضطر إلى استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لإجهاض المشروع، «لأنها تحاول منع تجنيد أكثرية تسع دول أعضاء في مجلس الأمن».

وكان نتنياهو يتكلم أمس في جلسة الحكومة الإسرائيلية، التي تقرر فيها أن يسافر هو بنفسه إلى نيويورك لإلقاء كلمة إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقرر نتنياهو تبكير سفره بيوم واحد لكي يجتمع مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، غدا، لكي يشكره على جهوده تلك. بينما شدد رئيس مجلس الأمن القومي في الحكومة الإسرائيلية، الجنرال يعقوب عاميدرور، بالقول إن حكومته لن تدفع ثمن هذا الموقف الأميركي الإيجابي بأي تنازل عن مواقفها. وقررت الحكومة أيضا أن يسافر وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، إلى نيويورك للمشاركة في أبحاث الجمعية العامة، ولكنه سيعرج أولا على كندا ليشكرها على قرارها التصويت ضد المشروع الفلسطيني. وسيسافر وزير الدفاع، إيهود باراك، إلى واشنطن ومن ثم ينضم إلى الوفد الإسرائيلي في نيويورك وسيحاول لقاء وزراء خارجية الدول الذين ينبذون ليبرمان وينأون عن لقائه.

وقالت أوساط إسرائيلية إن الإدارة الأميركية، «الغاضبة من السلطة الفلسطينية على إصرارها الشديد التوجه لمجلس الأمن طالبة الاعتراف بالدولة الفلسطينية»، تستلّ حاليا سيفا جديدا «تظهر للفلسطينيين بواسطته أنهم سيفشلون فشلا ذريعا في تحديهم الولايات المتحدة». و«السيف» المقصود هو محاولة تشكيل مجموعة رافضين للمشروع داخل مجلس الأمن. فحسب دستور المجلس يحتاج كل مشروع قرار إلى تأييد تسع دول حتى يطرح للتصويت. وفي المجلس الحالي توجد سبع دول مضمونة لصالح الفلسطينيين، هي لبنان وروسيا والصين وجنوب أفريقيا والهند والبرازيل ونيجيريا. وهناك ثلاث دول فقط ترفض المشروع الفلسطيني، هي الولايات المتحدة وألمانيا وكولومبيا. وتحاول الولايات المتحدة تجنيد البقية ضد القرار، وهي: فرنسا وبريطانيا والبوسنة والغابون والبرتغال. فإذا ضمنت سبع دول معارضة، فلن تحتاج إلى استخدام الفيتو.

ويتمنى نتنياهو أن تنجح هذه الجهود الأميركية ليعتبرها انتصارا لسياسته، مع العلم أن الفلسطينيين، في هذه الحالة، سينجحون في إحراز اعتراف كدولة مراقبة. ولكن لكي ينجحوا عليهم أن يمتنعوا عن طرح مشروعهم في مجلس الأمن، لأنه وفقا لدستور الأمم المتحدة لا يجوز لهم طرح مشروعين مختلفين في المجلس وفي الجمعية العامة، فإذا أرادوا تبحث الجمعية طلبهم في اعتراف كدولة مراقبة لا يستطيعون طرح المشروع على مجلس الأمن للاعتراف بهم كدولة كاملة العضوية.

وقال نتنياهو، أمس، بثقة بالغة: «إن محاولة الفلسطينيين الحصول على العضوية الدائمة في الأمم المتحدة سوف تفشل». وأضاف: «إن العضوية الكاملة في الأمم المتحدة كانت الهدف الذي وضعه الفلسطينيون أمامهم قبل سنة». وقال نتنياهو إنه غير قلق من التوجه المرتقب إلى الجمعية العامة، وبحسبه فإن الجمعية العامة هي «برلمان الأمم المتحدة، حيث يمكن تمرير القرارات هناك، ولكن لا يوجد لذلك أهمية مثل مجلس الأمن». واعتبر نتنياهو المسعى الفلسطيني التفافا على المفاوضات. وقال إنه سيتحدث أمام الجمعية العامة لعرض ما سماه «الحقيقة الإسرائيلية»، التي مفادها: «لسنا أغرابا في بلادنا، ولنا حقوق فيها تمتد 4 آلاف سنة إلى الوراء، ولنا الحق في الدفاع عن أمننا»، على حد تعبيره. كما ادعى نتنياهو أن الفلسطينيين يتهربون من المفاوضات المباشرة. وقال إن «إسرائيل تريد السلام، ولكنّ الفلسطينيين يعملون كل ما بوسعهم لعرقلة المفاوضات المباشرة، وتجاهلوا كل الاقتراحات التي قدمت في خطاب بار إيلان وفي الكنيست والكونغرس، وتهربوا من المفاوضات المباشرة بعد سابقة عملية تجميد الاستيطان لعشرة شهور». وقال إن «السلام يتحقق فقط من خلال المفاوضات المباشرة»، وبحسبه فإنه في نهاية المطاف و«بعد انقشاع الدخان عما يجري في الأمم المتحدة فإن الفلسطينيين سيتداركون ويتخلون عن العمليات التي تتجاوز المفاوضات».

يذكر أن مبعوثي الإدارة الأميركية، دنيس روس وروبرت هيل، كانا قد عرضا اقتراحا جديدا على الفلسطينيين لتجديد المفاوضات بين إسرائيل والسلطة على أساس حدود 1967 مع تبادل أراض، كما تضمن أن حدود الدولة الفلسطينية لن تكون مماثلة لحدود 1967، وإنما «تعكس الواقع الديمغرافي الجديد الذي نشأ على الأرض». ورفض الفلسطينيون هذا العرض؛ كونه يتجاهل مطلبهم بتجميد البناء الاستيطاني. فردّ روس بغضب وتفوه بكلمات «غير دبلوماسية».

وفي سياق ذلك يغادر الرئيس باراك أوباما واشنطن اليوم (الاثنين) إلى نيويورك لحضور بداية دورة جديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة. وبينما يتوقع المراقبون أن تستعمل الولايات المتحدة الفيتو في مجلس الأمن ضد الاعتراف، وانتقد فلسطينيون في فلسطين وفي الولايات المتحدة الخطة الفلسطينية بأنها «ليست ذات فعالية»، قال رياض منصور، سفير فلسطين لدى الأمم المتحدة: «هذه ليست مسرحية مثيرة. هذا شيء حقيقي. لن نكون أيتاما بعد اليوم».

وأعلن البيت الأبيض أمس أن أوباما سيلقي خطابا في مؤتمر قادة العالم عن الأمراض المستعصية، ولم يُشِر البيان إلى الموضوع الفلسطيني، رغم أن الرئيس أوباما، كما قال مراقبون في واشنطن، كان قال في السنة الماضية في خطابه في الأمم المتحدة: «عندما نأتي إلى هنا في العام القادم، يمكن أن يكون لدينا اتفاق سوف يؤدي إلى عضو جديد في الأمم المتحدة: دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، تعيش في سلام مع إسرائيل».

وقال بنجامين رودس، نائب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، يوم الجمعة: «موقفنا الأساسي هو أن هذه الأعمال (عضوية الأمم المتحدة) لن تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية». وأضاف: «الطريق إلى إقامة دولة فلسطينية يجب أن يكون من خلال المفاوضات بين الطرفين. هذه هو السبيل الوحيدة لنكون قادرين على التعامل مع المسائل المتعلقة بالحدود، والأمن، ومستقبل القدس».

وقال ديفيد ماكوفسكي، مدير قسم السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أمس: «جاء وقت الدراما». وأضاف: «يأتي الأسوأ من الشرق الأوسط إلى نيويورك. إنهم يحاولون التوصل إلى حل غير الحل التفاوضي للخروج من هذه الأزمة».

في نفس الوقت شن قادة في الحزب الجمهوري هجوما عنيفا على الرئيس أوباما، ليس لأنه سيستعمل الفيتو، كما هو مؤكد تقريبا، ولكن لأنه قصّر حتى أعطى الفرصة للفلسطينيين ليطلبوا إعلان دولة مستقلة. وألقى السفير السابق في الأمم المتحدة، جون بولتون، اللوم على أوباما، وقال إن الولايات المتحدة لم تفعل المطلوب لتفادي هذه الأزمة قبل أشهر. وأضاف: «الانطباع هو أن الإدارة لا تعارض ما يريد الفلسطينيون».

واقترح بولتون العودة إلى ما حدث سنة 1989، عندما هددت منظمة التحرير الفلسطينية بالذهاب إلى الأمم المتحدة للاعتراف بفلسطين كدولة. وقال بولتون: «هددنا بقطع التمويل لأي منظمة في الأمم المتحدة تؤيد منظمة التحرير الفلسطينية. وفجأة تجمد مسار منظمة التحرير الفلسطينية. وكان هذا نهاية للمحاولات الفلسطينية لمدة 20 عاما. الآن، إذا كان الرئيس أوباما قادرا على القيام بنفس الشيء، فسوف يكون له نفس التأثير».