اللاذقية تقطعها الحواجز العسكرية والأمن والشبيحة يحكمون قبضتهم عليها

تعتبر ثاني مدينة تخرج للتظاهر بعد درعا.. والنظام سعى لإحداث فتنة طائفية

رجال أمن على متن عربة ضمن تحشيدات أمنية في إدلب أمس (أوغاريت)
TT

بعد الضربة العسكرية الشرسة التي وجهتها دبابات الجيش السوري إلى مخيم الرمل الجنوبي في مدينة اللاذقية، صارت المدينة الساحلية، التي لا تتجاوز مساحتها 58 كيلومترا مربعا ويبلغ عدد سكانها 650 ألف نسمة، خاضعة لحصار أمني مشدد؛ فالأحياء التي كانت تخرج منها المظاهرات المطالبة برحيل نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الصليبة والعوينة والقلعة والرمل والسكنتوري والطابيات وقنينص، تم تقطيعها بحواجز أمنية وعسكرية؛ حيث يخضع كل من يمر على هذه الحواجز من السكان إلى تفتيش دقيق ويتعرض للإهانة والإذلال على يد عناصر الأمن والشبيحة الذين يحملون قوائم بأسماء المطلوبين من ناشطين ومشاركين في المظاهرات المطالبة بالحرية.

ويلفت مهند، أحد منظمي المظاهرات في حي الصليبة، إلى أن «اللاذقية كانت المدينة الثانية التي تخرج بعد درعا للمطالبة بالحرية والديمقراطية؛ حيث شهدت مظاهرات حاشدة وحضارية، إحداها ضمت ما يقارب 15 ألف متظاهر»، موضحا أن «الشعارات كلها كانت تنادي بالوحدة الوطنية وتدعو العلويين والمسيحيين للمشاركة في طلب الحرية والعدالة، لكن الأمن تعامل مع هذه المدينة بشراسة ودموية وارتكب الكثير من المجازر بحق المتظاهرين السلميين».

كانت اللاذقية قد شهدت، منذ اندلاع الانتفاضة السورية، الكثير من المجازر، أبرزها مجزرة المحطة التي يقدر ناشطون عدد ضحاياها بما يتجاوز 50 ضحية، كما شهد حي الطابيات المحاذي للبحر مجزرة مروعة. وأظهرت أشرطة فيديو تم بثها على مواقع الإنترنت منذ فترة جثثا مدماة أمام قهوة العلبي وسط حي الصليبة، إلا أن المجزرة الكبرى التي شهدتها المدينة، وفق ما يرويه ناشطون، كانت أثناء الهجوم على حي الرمل، الذي تقطنه أعداد كبيرة من الناس وشهد قصفا عنيفا وعشوائيا من جهة البحر، مخلفا الكثير من الضحايا والجرحى.

ويشير مهند، المختبئ في مكانه منذ 3 أشهر، إلى أنه «لم تتوقف في المدينة حملات الاعتقال والمداهمة بحق ناشطين شبان جامعيين شاركوا بالمظاهرات المطالبة بالحرية، وأحيانا يقوم الأمن والشبيحة بحملات اعتقال عشوائية تطال جميع الناس الموجودين في المكان من أجل ترويع السكان وإخافتهم». وينتقد غياب وسائل الإعلام عن تغطية أخبار المدينة بشكل جيد، قائلا: «هناك من يموت تحت التعذيب، وهناك مظاهرات تخرج بشكل صغير على الرغم من الحصار الأمني المشدد، وذلك كله لا يخرج في الإعلام بسبب اهتمام الفضائيات بأماكن يرتفع فيها منسوب التوتر أكثر».

وعن الوضع الطائفي في المحافظة التي تبعد نحو 385 كم من الشمال الغربي للعاصمة دمشق، يقول مهند: «شهدت المدينة، منذ بداية الأحداث، بعض المناوشات الطائفية، لكنها انتهت بسرعة؛ فقد سعى النظام حينها إلى تحريض طرف ضد طرف وإشعال الفتنة بينهما، لكنه فشل». ولا يخفي الناشط، الذي ينتمي إلى الطائفة السنية ويعيش في حي ذات غالبية سنية، مخاوفه من اشتعال الوضع الطائفي في المدينة، والتي يتقاسم أحياءها السنة والعلويون مع توزع لأقلية مسيحية في جميع الأحياء. ويقول في هذا الإطار: «لا يمكن نكران المشهد العام للمدينة، كل الأحياء المحاصرة التي تشهد اعتقالات ومداهمات وتصفيات جسدية هي سنية الانتماء، في وقت تعيش الأحياء العلوية حياة طبيعية، لكن ذلك ليس معناه أن العلويين ضد السنة أو العكس، هناك أسباب معقدة وعميقة لهذا المشهد، لكن لا يمكن ضبط التأثيرات المباشرة وهذا ما يخيف».

ويعتب الناشط، الذي ينسق مع أصدقاء علويين معارضين من أجل تنظيم مظاهرة مشتركة، على مثقفي الطائفة العلوية في المدينة، خصوصا المعارضين منهم، ويسأل: «لماذا لم نقرأ لهم بيانا أو تصريحا أو مقالا يحرج النظام الحاكم الذي يتلاعب بالورقة الطائفية ويحاول أن يوحي أنه يحمي الطائفة؟ لماذا قرأنا مثلا مقالا للمعارض ميشيل كيلو بعنوان (دعوة المسيحية إلى العقل)، انتقد فيه موقف المسيحيين من الثورة ولم نقرأ مقالا لأحد مثقفي الطائفة العلوية يدعوها أيضا للعقل كما يدعوها للانضمام إلى الثورة؟».

يُذكر أن اللاذقية شهدت في اليومين الأخيرين حملة اعتقالات واسعة تركزت في أحياء الرمل الجنوبي وشارع أنطاكية، كما تم اقتحام حي قنينص من قبل الأمن والشبيحة، وقتل إثر الاقتحام الشاب عامر فؤاد زرطيط (24 سنة)، وهو خريج معهد صناعي، وذلك بعد أن تعرض لضرب وحشي ومبرح من قبل قوات الأمن والشبيحة الذين انتشروا بكثافة في الحي.