شاهد في قضية جرائم العقيد الليبي لـ «الشرق الأوسط»: الناتو والثوار يرتكبون انتهاكات أيضا

دعا الحكام الجدد للتحقيق في كل ما وقع من تعديات على حقوق الإنسان

ثوار ليبيون يعتقلون نيجيرياً يعتقدون أنه يقاتل في صفوف كتائب القذافي (أ.ب)
TT

تقلق الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان بسبب الاقتتال بين الفرقاء الليبيين الكثير من المنظمات المعنية، وتدلل شهادات من طرفي النزاع المستعر منذ السابع عشر من فبراير (شباط) الماضي على مآسي ألوف الليبيين ومعاناتهم التي أضيفت إلى مآسٍ تسبب فيها حكم قمعي استمر 42 عاما بقيادة العقيد معمر القذافي.

وقال هيثم مناع، وهو من الشهود في القضية المنظورة أمام المحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم القذافي، إن قوات حلف الأطلسي (الناتو) وجماعات من الثوار يرتكبون انتهاكات أيضا، حيث جرى قصف مواقع مدنية وقتل أبرياء. ودعا، ردا على أسئلة «الشرق الأوسط» عبر الهاتف أمس، المجتمع الدولي والحكام الجدد في ليبيا للتحقيق في كل ما وقع من تعديات على حقوق الإنسان.

وقال أنصار القذافي إن قوات حلف الناتو ارتكبت فظائع بقيامها بقصف مناطق آهلة بالسكان، وإن الثوار المناهضين للعقيد الليبي ينتهكون حرمات أنصاره في البيوت والأسواق. ونقل عن موسى إبراهيم، المتحدث باسم العقيد الليبي، قوله يوم السبت الماضي لـ«رويترز» إن الضربات الجوية للناتو على مدينة سرت، مسقط رأس القذافي، أصابت مبنى سكنيا وفندقا وقتلت 354 شخصا. وزاد الليلة قبل الماضية، على قناة «الرأي»، بالقول إن حلف الناتو ما زال يقصف الأحياء والمساكن ويضرب دون هوادة ودون أي مرجعية أخلاقية.

ويشغل مناع موقع المتحدث باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان، ذات الصفة الاستشارية في الأمم المتحدة، وهي لجنة تعمل في الدول الأعضاء في الجامعة العربية. ولم تتمكن الكثير من المنظمات الحقوقية المستقلة، أو التابعة للأمم المتحدة، من الوصول إلى مواقع النزاع في ليبيا، خصوصا في المناطق المشتعلة في الغرب والوسط الليبي الذي تدور تكهنات عن سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين الأبرياء فيهما، بسبب عدم موالاة قطاع من السكان لأي من طرفي الصراع، أو بسبب البشرة السوداء، بعد مزاعم عن استعانة القذافي بأفارقة للقتال ضد معارضيه.

وأصدر لويس مورينو أوكامبو، مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، مذكرة اعتقال الشهر قبل الماضي بحق القذافي وابنه سيف الإسلام ومدير الاستخبارات الليبية عبد الله السنوسي. وقال العضو الليبي السابق في المحكمة، الهادي شلوفة، في وقت سابق لـ«الشرق الأوسط»، إن القائمة مرشحة لكي تضم الكثير من الأسماء الأخرى المتورطة في ارتكاب جرائم.

وقال إبراهيم مناع، الذي حضر من قبل لمقر المحكمة الدولية، إن أهم النقاط التي كان شاهدا عليها أمام مدعي المحكمة، وكانت موجودة في التهم الخاصة بالقذافي، هي «القتل المتعمد خارج القضاء، والخطف القسري أو اللاإرادي، والتعذيب المنهجي، واستعمال المرتزقة في مواجهة المتظاهرين السلميين».

وأضاف أن هذه التهم تخص الفترة السابقة على دخول قوات حلف الناتو بتفويض من الأمم المتحدة لحماية المدنيين، أي مع بداية الهجوم على الثوار الليبيين في بنغازي، حيث اتهم القذافي من جانب معارضيه بالاستعانة بـ«مرتزقة» من دول مجاورة لليبيا مثل النيجر ونيجيريا وتشاد ومالي والسودان، ما أدى إلى مخاوف من إساءة معاملة السود بعد تولي المعارضين السابقين قيادة البلاد. وأقر مصدر أمني ليبي أن المئات من السود يجري التحقق من هوياتهم محتجزون في مقرات احتجاز في بنغازي وطرابلس.

وقال مناع المتحدث باسم لجنة حقوق الإنسان التي تعمل مع الأمم المتحدة والدول العربية: «في الوقت الحالي نحن نتابع الجرائم التي ارتكبت من الطرفين»، في إشارة إلى القوات الموالية للقذافي من جهة، وقوات حلف الناتو والثوار الليبيين من جهة أخرى. وأضاف مناع أن من أهم الجرائم التي ارتكبت من جانب حلف الناتو «القصف العشوائي وغير المدقق لمناطق آهلة بالسكان، الذي راح ضحيته عدد كبير من المواطنين». وأرجأ تسمية المناطق التي سقط فيها ضحايا بفعل ضربات حلف الناتو إلى وقت لاحق.

وعما إذا كانت هناك مآخذ على الثوار الليبيين، قال: «بالتأكيد هناك تجاوزات.. وأظن أنه من واجب أي حكومة قادمة أن تشكل لجنة مساءلة وإنصاف للتحقيق في كل الجرائم التي ارتكبت أثناء عملية التخلص من الديكتاتورية».

وأصبح طرفا النزاع يتبادلان الاتهامات بشأن انتهاك كل منهما لقواعد القتال والاستعانة بأجانب. وأمام المزاعم عن الانتهاكات التي ارتكبت على أيدي قوات المجلس الانتقالي الليبي، تعهد المجلس الذي يدير ليبيا في منذ أكثر من ستة أشهر بمعاملة الأجانب المتهمين بالقتال في صفوف قوات القذافي معاملة حسنة، كما نفى تقارير عن أن مقاتليه أساءوا معاملة أفارقة بشكل ممنهج.

وكان ألوف من العمال السود هاجروا للعمل في ليبيا منذ سنين، وأفادت تقارير أن الكثير منهم تم توقيفهم على أيدي الثوار الليبيين وتعرضهم لمعاملة سيئة بسبب الاعتقاد بأنهم كانوا يقاتلون بجوار القذافي. وتعهد المسؤول في المجلس الانتقالي الليبي، محمد العلاقي، بمحاكمات عادلة لمن جرى اعتقالهم من السود، وأن أي مخالفات قد يكون ارتكبها الثوار ما هي إلا «تصرفات فردية لم تكن بتوجيهات من المجلس الوطني الانتقالي».

ومن جانبهم اتهم الموالون للقذافي كلا من حلف الناتو والثوار بارتكاب انتهاكات والاستعانة بالمرتزقة، وتحدث موسى إبراهيم مرتين عبر الهاتف خلال اليومين الماضيين مع «رويترز» وقناة «الرأي»، من مكان ما، قال إنه قرب سرت وبني وليد وفزان. واتهم الناتو بقتل المئات في قصف على سرت وبني وليد وغيرهما، كما أعلن عن القبض على 17 أجنبيا قال إن الثوار استعانوا بهم كمرتزقة، منهم بريطانيون وفرنسيون. ولم يؤكد هذه الرواية أي من الأطراف المعنية في المجلس الانتقالي أو في حلف الناتو.

وأضاف موسى: «نحارب أكثر قوى الشر عدوانيا في العالم ويضربوننا من البحر بالبوارج ويضربوننا من السماء بالقنابل ويرسلون إلينا الصواريخ ويستخدمون آخر التقنيات في الأقمار الصناعية والتصوير وغيرها، إلا أننا نستطيع كل يوم وبحمد الله وبفضله تحقيق انتصارات نوعية على كل الجبهات».